تصاعدت التوترات مرة أخرى بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي خلال الأسبوعين الماضيين.
وقد أدت الغارات الإسرائيلية على المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة إلى إطلاق صواريخ من غزة على إسرائيل، وقصفت إسرائيل قطاع غزة المحاصر بغارات جوية، مما أثار المخاوف من اندلاع حرب جديدة.
ولكن هذه المرة، وكما حدث في الماضي، تحول الجانبان نحو طرف ثالث جدير بالثقة وهو مصر.
لعبت القاهرة دورا بارزا، حيث لعبت دور الوساطة بين حماس والاحتلال للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بعد هجوم تل أبيب على غزة في مايو 2021، كما كانت أيضا طرفا حيويا مؤثرا، حيث لعبت دور الوسيط بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل خلال الهجمات السابقة على الأراضي الفلسطينية.
كما شارك المصريون في إعادة إعمار غزة بعد هجوم 2021 من خلال التعهد بتقديم 500 مليون دولار لإعادة بناء الوحدات السكنية التي دمرت.
ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، كانت مصر شريكا للاحتلال في الحفاظ على الحصار المفروض على قطاع غزة، ودمرت أنفاق التهريب ، في الوقت الذي جلبت فيه الأسلحة، جلبت أيضا إمدادات حيوية ساعدت في التحايل على الحصار.
الوساطة المصرية هي من اختصاص جهاز المخابرات العامة في البلاد، وهو ما يسلط الضوء على أهمية الحفاظ على الهدوء في غزة بالنسبة للأمن القومي المصري.
كما يوضح سبب عدم رغبة الكثيرين في غزة، بمن فيهم سياسيون بارزون، في مناقشة الموضوع بشكل علني في كثير من الأحيان.
سهيل الهندي، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، أوضح للجزيرة أنه بينما فضل عدم الحديث عن تفاصيل وساطة مصر مع الاحتلال، فإن حماس تقدر الجهود المصرية لتهدئة التوتر بين غزة والكيان الصهيوني، والدور الذي تلعبه القاهرة في نقل رسائل الفصائل الفلسطينية إلى جميع الأطراف.
وقال الهندي إن "حماس استخدمت قناة الاتصال هذه لإبلاغ إسرائيل بأن الأقصى خط أحمر، والمقاومة لها الحق في الدفاع عن شعبها".
بدوره صرح مشير المصري، القيادي البارز بحماس لقناة الجزيرة بأن الحركة كانت نشطة في جهودها الدبلوماسية وأن ذلك كان جزئيا بفضل مصر.
وقال المصري "لا شك أن لمصر الدور الأكبر في ذلك ، إذ أنها لعبت دور الوسيط خصوصا بعد هجوم مايو الماضي".
الوساطة والحصار
اكتسب دور مصر في غزة أهمية أكبر بعد أن هزمت حماس منافستها فتح في 2007 وتولت السيطرة الكاملة على القطاع.
وقد حاولت القاهرة عدة مرات الضغط من أجل التوصل إلى عملية مصالحة بين الطرفين لحل النزاع القائم منذ فترة طويلة، من دون تحقيق نجاح طويل الأمد.
كما لعب جهاز المخابرات العامة في مصر دورا رئيسيا كوسيط في التوسط في صفقة تبادل الأسرى بين حماس والاحتلال في عام 2011.
جاء التوتر في أعقاب الانقلاب العسكري عام 2013 ضد الرئيس المصري محمد مرسي، الذي كان إلى جانب حزبه الإخوان المسلمين، حليفا أيديولوجيا لحماس، واشتد هذا التوتر عندما اتخذ عبد الفتاح السيسي موقفا صارما ضد حماس وأمر بتدمير شبكة من أنفاق التهريب التي حافظت على اقتصاد غزة.
وفي هذه الفترة، اتهمت سلطات الانقلاب حماس بأثر رجعي أيضا بالتورط في ثورة 2011، كما أطلقت وسائل الإعلام المصرية حملات سلبية ضد حماس، متهمة إياها بدعم الجماعات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء.
ومع ذلك، أخذت العلاقات منحى جديدا تدريجيا بعد العام 2017، عندما أصدرت حماس وثيقة سياسية جديدة لم تشر إلى أي علاقة رسمية وتنظيمية مع جماعة الإخوان المسلمين، ومنذ عام 2018، كان هناك تبادل للزيارات بين شخصيات رفيعة المستوى في حماس ومسؤولين كبار في المخابرات المصرية.
في نهاية المطاف، تأتي السلطة المصرية في غزة من خلال سيطرتها على معبر رفح الحدودي، وهو شريان الحياة بالنسبة إلى الأراضي ونقطة الدخول والخروج الوحيدة التي لا تسيطر عليها إسرائيل.
تستطيع سلطات الانقلاب إغلاق معبر رفح متى شاءت، مما يجعل من المستحيل تقريبا على أي من مليوني شخص في غزة أن يغادر أو يدخل.
وبينما بذلت جهود لتخفيف القيود على السلع والأشخاص الذين يعبرون الحدود، فإن مجرد وجودها يعزز قوة مصر في العلاقة بين الجارين.
شريك مهم
أما الكاتب والباحث في الشؤون المصرية يوسف أبو وطفة، فشرح الديناميكية بين حماس ومصر والدور الذي تلعبه مصر في الشؤون الفلسطينية.
وقال إن "حماس تكن احتراما كبيرا للجانب المصري، والفصائل الفلسطينية منضبطة للغاية في خطابها الإعلامي حول مصر"، على حد قول أبو وطفة للجزيرة، مضيفا أن مصر تستفيد من دور الوساطة الذي تلعبه في الملف الفلسطيني، لأنه يمنحها وجودا سياسيا وأهمية في المنطقة، وهو الدور الذي يمكنها أن تثبته للإدارة الأميركية التي يترأسها الرئيس جو بايدن".
فقد واجهت مصر صعوبة في إقامة علاقة مع إدارة بايدن، وألغت الولايات المتحدة 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان.
ولكن بالنسبة لحماس، تظل مصر شريكا مهما، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى قربها الجغرافي.
وأضاف أن "حماس وباقي الفصائل الفلسطينية مجبرة على الوساطة، وليس هناك أي ممر آخر إلى غزة غير مصر، وبالتالي لا جدوى من معارضة النظام المصري".
ويشكل التراجع التدريجي للتوتر في الأيام القليلة الماضية منذ تبادل إطلاق الصواريخ والهجمات الجوية في الأسبوع الماضي، وفقا لأبو وطفة، مؤشرا على أن الوساطة المصرية ناجحة ، على الرغم من أن القاهرة لا تزال تفتقر إلى النفوذ عندما يتعلق الأمر بالاحتلال.
وقال أبو وطفة إن "الهدوء الذي أعقب إطلاق الصواريخ من غزة والقصف الإسرائيلي يبين أن هناك جهودا مصرية واضحة لمنع تطور الأمور".
"ولكن بينما يحاول الجانب المصري منع أي تصعيد ، لا يملك الوسطاء قوة للضغط على الاحتلال".
https://www.aljazeera.com/news/2022/4/26/egypts-role-gaza-more-than-mediator