افتتاح مصنع سماد تابع للجيش في محافظة السويس ليس بالحدث المهم الذي يستوجب أن يتحرك "رئيس دولة" لافتتاحه والخروج على الناس بطلته غير البهية متباهيا بذلك متحدثا عن مشروعاته العملاقة التي لا يعرف الناس عنها شيئا. كان هذا الأمر (افتتاح مصنع هنا وهناك) يمر قبل عهد السيسي مرور الكرام؛ وكان الرئيس عادة لا يفتتح إلا المشروعات العملاقة الكبرى حقيقة لا ادعاء، لكن المصريين اعتادوا في عهد السيسي أن يشاهدوا العجب؛ فالسيسي يمكن أن يفتتح مصنعا صغيرا من اجل الخروج على وسائل الإعلام بثرثرته المعتادة وهذيانه الذي لا يتوقف.
وخلال افتتاحه، أمس الأربعاء 15 مارس 2023، مصنع سماد تابع للجيش؛ شكا السيسي من ثلاثة أشياء:
الشيء الأول هو قلة المال؛ يقول السيسي إن «المشروعات التي تنفذها الدولة تحتاج إلى أموال طائلة»، ويضيف: «من حق المواطنين أن يروا المشاريع الزراعية الجديدة، التي تحتاج إلى مبالغ كبيرة جداً من أجل تنفيذها»! وراح السيسي يتحدث عن تداعيات قلة المال مدعيا أن «الدولة تبذل جهوداً كبيرة لتنفيذ مخطط زراعة ثلاثة ملايين ونصف المليون فدان بحلول نهاية العام المقبل، مع الأخذ في الاعتبار أن تكلفة مشروعات معالجة المياه في مناطق مثل الدلتا الجديدة وسيناء مرتفعة للغاية». وزاد السيسي: "الحكومة حددت أسعار ضمان لأربعة من المحاصيل الزراعية الهامة الموردة إليها، هي القمح والذرة وفول الصويا وعباد الشمس، وهذه الأسعار تمثل الحد الأدنى لها، ومن الممكن زيادتها عند الحصاد في حال ارتفاع أسعارها عالمياً". وأضاف أن " العالم كله يواجه أزمة في الإنتاج الزراعي، مع زيادة الطلب بسبب النمو السكاني، وهو ما يتطلب الحفاظ على الرقعة الزراعية الحالية في البلاد، ووقف التعديات على هذه الأراضي بغرض تبويرها". وواصل قائلاً: "نعمل على إعادة معالجة مياه الصرف الزراعي من خلال محطات عملاقة، وهي عملية تتكلف مبالغ مالية ضخمة، ولكن ليس لدينا خيار آخر. أحاول أن أكون صادقاً وأميناً معكم في كل كلمة، ولا أطلق الوعود التي لا أستطيع تنفيذها"، على حد زعمه.
الشيء الثاني الذي يشكو منه السيسي هو عدم معرفة المصريين بهذه المشروعات العملاقة الضخمة؛ ويتهم الإعلام بالسبب في ذلك رغم أن أجهزة الدولة وضعت يدها كاملة على كل وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة منذ انقلاب يوليو 2013م. والراصدون لمحتوى هذه الصحف والفضائيات يدركون تماما أنها مسخرة لخدمة أجندة النظام من الألف إلى الياء؛ وتعرض ما تسمى بإنجازات السيسي كل دقيقة دون كلل أو ملل، لأن الأوامر الصادرة لهم من المخابرات والأمن الوطني تلزمهم بذلك. ولا تجرؤ فضائية واحدة على مخالفة هذه التعليمات، فلا حديث مطلقا في فضائيات السلطة عن أوجاع وآلام الناس بل عن إنجازات السيسي الوهمية العبثية. يقول السيسي: «هذه المشروعات تحتاج إلى أموال طائلة وتغطية إعلامية كبيرة»، مطالباً القوات المسلحة بـ"تنظيم رحلات لتلاميذ وطلاب المدارس والجامعات إلى المشروعات الزراعية في مناطق توشكى والدلتا الجديدة، حتى لا يعبث أحد بعقول الشباب، ويشككهم في ما تنفذه الدولة من مشاريع قومية"!! مشكلة السيسي هنا أنه يرى القصور في التغطية الإعلامية، لكنه لم يفكر ولو للحظة واحدة أن المشكلة قد تكون في نوعية هذه المشروعات وحجمها مثلا. فلا يتوقع أحد أن تكون هناك دولة بلا مشروعات، فكل الدول والحكومات تقوم بعمل مشروعات قومية لكن السؤال البديهي والكاشف هو: هل تحقق هذه المشروعات الاكتفاء الذاتي؟ وهل تسهم في زيادة الدخل القومي؟ وهل هي مشروعات إنتاجية توفر فرص عمل لملايين الشباب؟ وهل تكفي هذه المشروعات بهذا الحجم أم انها لا تتناسب مع احتياجات السكان؟ وهل تسهم هذه المشروعات في سد الفجوة الغذائية ؟ وإلى أي مدى تنجح في ذلك؟ وهل تسهم هذه المشروعات في الحد من فاتورة الاستيراد أم أن فاتورة الاستيراد لا تزال كما هي؟ والمعلوم بيقين أن مصر لا تزال تستورد نحو 70% من غذائها من الخارج!!
الشيء الثالث، هو الشكوى المستمرة من الزيادة السكانية، يقول السيسي: «معدل النمو السكاني لا يزال يمثل تحدياً للدولة، على الرغم من جهودها المبذولة لتقليل الفجوة الغذائية». ويضيف: «مصر شهدت زيادة سكانية تتراوح ما بين 20 و25 مليون نسمة في السنوات العشر الماضية، وهذه الزيادة تتطلب رفع معدلات الإنتاج للحد من قيمة فاتورة الاستيراد الهائلة والضخمة». وهذا اعتراف صريح من السيسي بالفشل وأن هذه المشروعات العملاقة التي يتباهى بها غير كافية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء أو غيره. فما معنى ذلك؟ النجاح الحقيقي هو بمقدار تحسين مستويات المعيشة للمواطنين وهو ما لم يحدث بل بالعكس فقد تدهورت مستويات المعيشة على نحو مخيف وتزايدت معدلات التضخم والغلاء والفقر. كما يقاس النجاح أيضا بمستوى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء وهو أيضا لم يتحقق؛ فعن أي نجاح يتحدث الجنرال والفشل يحاصره من كل جانب؟!
الشي الأخير والعجيب في تصريحات السيسي هو حديثه عن زيادة إنتاج مصر من الغاز خلال الفترة الأخيرة، بقوله: "القيمة المضافة من الغاز الطبيعي تتمثل في استخدامه في الصناعة، وليس بيعه كوقود مباشرة. وإنتاج الأسمدة الأزوتية في مصر استغرق نحو 4 سنوات، بالاشتراك مع شركات عالمية متخصصة في هذا المجال، وذلك رداً على الاتهامات الموجهة للحكومة بشأن عدم الاهتمام بملف الصناعة". لكن العجيب في ذلك أن مصر قبل اكتشاف حقل ظهر الذي يصفه السيسي ونظامه وآلته الإعلامية بالحقل الأضخم في شرق المتوسط الذي رفع مستويات الاحتياطي المصري من الغاز، كان المصريون قبل حقل ظهر يحصلون على أنبوبة غاز الطهي بنحو 20 جنيها حتى 2016م، لكنهم بعد اكتشاف ظهر في 2017م، ارتفعت أسعار الغاز باستمرار حتى وصلت اليوم إلى (80 جنيها) للأنبوبة الواحدة! بمعنى أن مستوى معيشة المصريين تراجع بظهور حقل (ظهر) للغاز ولم يتحسن! تماما كما حدث مع المشروعات القومية العملاقة الضخمة التي يتحدث عنها السيسي؛ فالشيء الوحيد الذي يعرفه المصريون أن مستوى معيشتهم ينهار كل شيء من حولهم ينهار، أسعار الغذاء والسكن والصحة والتعليم وكل شيء أصبح نار وجحيما لا يطاق؛ فهل يمكن بعد ذلك أن تقنعهم بمشروعاتك العبثية وهو يئنون من الفقر والجوع؟!
المشكلة ليست في الإعلام كما يروج السيسي، المشكلة فيك وفي سياساتك العقيمة التي خربت البلد ودمرت حاضرها وتهدد مستقبلها! ليتك ومن حولك تفهمون قبل فوات الأوان!
Facebook Comments