بي بي سي : هدم مقابر القاهرة بعثرة للتاريخ وتنازع اختصاصات

- ‎فيحريات

اهتمت شبكة (بي بي سي) بأحدث فصول قصة هدم المقابر في القاهرة، حيث أزالت سلطات السيسي عددا كبيرا من المقابر التاريخية، التي يتجاوز عمر بعضها أكثر من ألف عام.
وأبرزت بيان مجموعة من الشخصيات السياسية والحقوقية اعتزموا خلاله التوجه لتقديم بلاغ للنائب العام ضد المسؤولين والجهات المشاركة في أعمال ‏الإزالة والهدم.
ونشرت الشبكة تقريرا لفت إلى استقالة مسؤول حكومي في مصر احتج على "حملات إزالة المباني التاريخية"، على حد تعبيره، وذلك قبل أن يسحب منشور الاستقالة من حسابه على "فيس بوك".
بداية الأزمة وأوضح التقرير أنه خلال السنتين الماضيتين، هدمت السلطات العديد من مقابر المسلمين التي تقع في مسار جسور، دشنتها لمبادرة تطوير القاهرة، ما اعتبره البعض فضلا عن كونه اعتداء على حرمة الموتى، فهو هدم للتاريخ وتفريط في ثروة كان يمكن الاستفادة منها اقتصاديا حال الحفاظ عليها.
وأشارت إلى رأي البعض "أنه يمكن تجنب الهدم من خلال البحث عن حلول هندسية ممكنة تحول دون الإزالة، خاصة أن المنطقة تضم مقابر لشخصيات ثقافية وسياسية ضاربة في جذور التاريخ".
 

الكل في القائمة
ولفت التقرير إلى أنه لم ينجح نفي السلطات المستمر لإزالة مقابر الرموز، في وقف الجدل، مع رصد وسائل إعلام جرافات أثناء هدمها العديد من المقابر دون تمييز، وتعرض مقابر أخرى للتخريب مثل مقبرة الشاعر أحمد شوقي التي قالت السلطات: إنه "بفعل لصوص مجهولين، واعتبر البعض أنها تُركت فريسة للإهمال والتدمير".
وعن اللجان المتخصصة التي شكلتها حكومة السيسي لتحديد موقف المباني والمقابر التاريخية، وخاصة تلك ذات الطراز المعماري المتميز لاتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها، ولكن تلك الخطوة كذلك لم تؤت ثمارها في تهدئة الرأي العام، استعرض التقرير استقالة أيمن ونس رئيس اللجنة الدائمة لحصر المباني والمنشآت ذات الطراز المميز بشرق القاهرة، معللا ذلك بعدم جدوى عمل اللجنة التي يرأسها، في ظل استمرار الحكومة في حملات إزالة المباني التاريخية، بحسب ما قال، قبل أن يسحب "ونس" منشور الاستقالة.

مناشدات وصرخات
ولفت التقرير إلى مناشدات منظمات حقوقية ونقابات مهنية وشخصيات عامة في بيان، السلطات، بوقف ما اعتبرته تعديا على مقابر القاهرة التي وصفها البيان، بالتاريخية، معربين عن نيتهم التقدم ببلاغ للنائب العام ضد وزراء السياحة والآثار والأوقاف ومحافظ القاهرة، للمطالبة بوقف التبديد والتدمير للمباني والمقابر بشرق القاهرة.
وفي بيان المنظمات أوضحت أنه تم عرض الحلول والبدائل عن إزالة المقابر، من خلال اللجنة المشكلة من مجلس الوزراء، ومنها الإقرار بكفاءة الطرق الحالية لعشر سنوات قادمة وعدم الجدوى الاقتصادية والمرورية للطرق التي تخترق المقابر.
وأشار التقرير إلى تنازع قانوني حيث يفرق القانون بين نوعين من المباني أولها الأثرية والتي مر على بنائها 100 عام، والثانية هي المباني التاريخية أو بالأحرى ذات الطراز المعماري المميز.
ونقل التقرير عن د. أحمد بدران، أستاذ الآثار المصرية بجامعة القاهرة، أن المباني الأثرية محمية بموجب القانون 117 لسنة 1983، ولا يجوز التصرف فيها بأي شكل سواء طمسها أو هدمها أو نقلها.

وتابع أن المباني التاريخية أو بالأحرى ذات الطراز المعماري المميز فتخضع للقانون 144 لسنة 2006 والذي تم استحداثه خصيصا للحفاظ على المباني المميزة معماريا.
وأوضح أن المشكلة تكمن في كون المباني ذات الطابع المعماري المميز لم يُسجل منها عدد كبير.
ولم تسجل اللجنة المشكلة لتطبيق القانون المعني بالمباني التاريخية، أكثر من 80 مبنى فقط لا غير على مستوى مصر كلها منذ صدور هذا القانون، وفق بدران، والذي علل ذلك بتداخل اختصاصات جهات متعددة معا بشأن هذه المباني لتصبح كما يقال "متفرق دمها بين القبائل".

الحل في الحفاظ وليس الهدم

وأضافت عنه أيضا أن الحل للحفاظ على جميع المباني سواء أثرية أو تاريخية ذات طراز معماري مميز أن يكون هناك قانون موحد يسمى قانون الآثار والتراث وأن تكون جهة واحدة منوطة بتنفيذه متمثلة بوزارة الآثار، يسهل محاسبتها.
ويرى بدران أن أزمة مقابر القاهرة كشفت عوار الوضع القائم، فالمقابر التي هُدمت تقول وزارة الآثار إنها غير مسجلة كآثار، ولجنة المباني المميزة كذلك لم تسجلها.
"صلاحية مهملة" ونقل التقرير عن مجدي شاكر، كبير خبراء الآثار بوزارة الآثار، اعتباره أن الزحف العمراني وخاصة في القاهرة وتداخل المباني السكنية مع المقابر، يستلزم تطوير المنطقة، والقيام ببعض الإزالات لعدد من المقابر.
وأضاف أن هذه المقابر وخاصة في منطقة الإمام الشافعي لها بالفعل طراز معماري مميز وفريد، ويحرص المصريون منذ القدم على الإنفاق الوفير على المقابر نظرا لقدسية طقوس الموت عندهم.
ويرى كبير خبراء الآثار بوزارة الآثار أن الإشكالية تكمن في خضوع تلك المقابر لقوانين مختلفة.

وأوضح أنه لا يوجد في مقابر الإمام الشافعي كلها أي مبنى مسجل وفقا لقانون الآثار سوى "تربة الست" من العصر المملوكي، ومئذنة قوسون من عهد المماليك البحرية، بالإضافة إلى أنه تم العثور في تلك المقابر على بئر مياه من عهد المماليك وكذلك ممر تحت الأرض وهذه فقط هي المباني التي سترممها وزارة الآثار ولا يمكن هدمها أو الاقتراب منها بموجب حماية قانون الآثار لها.
وتابع أن هناك بعض المباني في تلك المقابر ذات طراز معماري مميز وهي تخضع لقانون المباني المعمارية المميزة وهي بذلك تتبع وزارة الثقافة.
وكشف شاكر أن وزارة الآثار لم تستخدم صلاحية يكفلها قانون الآثار وهي أن أي مبنى ذي طابع مميز أو سكنت به أو يخص شخصية لها تاريخ يحق للوزير أن يرفع طلبا للحكومة لضمها وحمايتها، مؤكدا أن هذا لم يحدث مع المقابر ومن ثم لم تخضع لحماية قانون الآثار.
ويرى أن المسؤولين بالوزارة يتحججون بأن تلك المقابر ملكية خاصة ولا يمكن انتزاعها من أصحابها، ولكن كل هذه الأمور لها حلول لو كانت هناك إرادة.
شاكر أشار كذلك إلى أن هناك بعض المقابر تخضع لقانون الحكم المحلي لأنها تتبع إدارة الجبانات في محافظة القاهرة، ومن ثم فتنازع الاختصاصات هو ما أدى لعدم وجود جهة منوط بها السعي والحرص على تلك المباني المميزة والمهمة لتاريخ مصر.