تؤكد الأحداث الجارية في غزة، صحة موقف الرئيس الشهيد محمد مرسي، وتدحض سياسات رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وتؤكد فشله على أقل تقدير، إن لم يكن متورطا بخيانة كبرى لمصر وأراضيها.
فكثيرا ما تحدث الرئيس مرسي عن خططه لتعمير سيناء ونقل أكثر من 14 مليون مصري، للعيش فيها وتعميرها، وخلق حياة اقتصادية وأنشطة سكانية وإسكانية واسعة فيها، وإقامة المصانع والزراعات والعمران، بهدف استراتيجي واقتصادي، لتأمين مصر من الجهة الشرقية، إذ إن السكان والمساكن هو أول تأمين قومي للبلاد مع الجيران، واقتصاديا للاستفادة من مقدرات سيناء الزراعية والجوفية والمعدنية وغيرها.
ومع انقلاب السيسي على الرئيس الشرعي، سارع ونظامه العسكري في إفراغ سيناء من سكانها، فأوسع ضربا وعداء للسكان والقبائل والعوائل السيناوية بحجج الإرهاب المصنوع في إسرائيل، ومن أجل ذلك أزال السيسي مدنا تاريخية من سيناء كمدينة رفح المصرية ، وشمل التهجير والإزالات قرى بالشيخ زويد وجنوب العريش، وهو ما تستغله الآن أوروبا وأمريكا في تصعيد ضغوطها على النظام المصري، لاستيعاب نحو مليون وثلثمائة ألف فلسطيني من سكان شمال غزة.
حيث تتوسع إسرائيل في استخدام نيران مكثفة ضد الفلسطينيين لدفعهم نحو الهجرة من أراضيهم نحو مصر، وتتوسع أيضا بهمجية كبيرة في إزالة المستشفيات والمساجد والمدارس والمخابز والزراعات وآبار المياه ومحطات الكهرباء والطرق والمؤسسات والبنية التحتية من غزة لدفعهم نحو الهجرة ، إلا أنه مع صمود الفلسطينيين وتمسك أكثر من 80% من سكان شمال غزة بأراضيهم وبيوتهم المهدمة، أجبر الغرب والاحتلال على تعديل خططه ، بالتهجير تحت أزيز النيران والصواريخ.
وبدأت واشنطن في تعديل مخططاتها لتهجير الفلسطينيين ، نحو عدة دول عربية، سيجري تكليف كل منها باستيعاب إعداد من سكان غزة ، تصل لنحو ربع مليون فلسطيني في كل دولة عربية ، يذوبون في أوساط السكان المحليين ، بدلا من إقامة مخيمات لجوء، وذلك لضمان عدم إعادة المطالبة بإعادة المهجرين مجددا لأراضيهم بعد نهاية الحرب.
ولكن ما زال الفلسطينيون يرفضون تلك الحلول، كما أن رفض المؤسسة العسكرية في مصر مخططات التهجير تفشل الخطط الصهيو أمريكية، وهو ما يفسر تزايد الإغراءات المالية لمصر، من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي وألمانيا وإسرائيل وغيرها من الأطراف، مستغلين الأزمة الاقتصادية التي تضرب مصر.
وكانت عدة مصادر مصرية ودبلوماسية غربية في القاهرة، قد كشفت تفاصيل تعديلات “خطة شتات جديدة لسكان قطاع غزة”، تسعى الولايات المتحدة لترويجها لدى دول في الشرق الأوسط، وإقناعها بالمشاركة الفاعلة فيها، لضمان غطاء عربي لها، من أجل خلخلة الكتلة السكانية في القطاع البالغ عدد سكانه نحو 2.3 مليون نسمة.
إلا أن صمود المقاومة في القطاع ساهم بقدر كبير في تعديلات متكررة بشأن الخطط الغربية والأميركية المتعلقة بالتعامل مع قطاع غزة ومستقبله.
وكانت الحكومة الصهيونية قد طرحت التصور الأولي على الإدارة الأميركية وبعض الداعمين الغربيين قبيل بدء العدوان، وكان يتضمن تقديرات ميدانية أقل كثيرا مما ظهر في الميدان لقوة المقاومة وحركة حماس وقدرتها على المواجهة، وهو ما تسبب في ارتباك واسع في خطط الإدارة الأميركية.
وفود أوربية في سيناء
وقد قدمت حكومة الاحتلال تصورا للإدارة الأميركية في بداية العدوان يشير إلى القضاء على الجانب الأكبر من قدرات المقاومة خلال أسبوعين على أقصى تقدير، يُستخدم خلالهما حجم نيران ضخم وغير معتاد، هذا التصور كان يهدف إلى الحصول على الدعم الأميركي إزاء الضغوط التي ستتولد جراء حجم النيران المستخدمة.
ووفق سرديات دبلوماسية مصرية وعربية، فإنه حتى الوقت الراهن، تحرص وفود أوروبية وأممية على التوجه إلى شمال سيناء، إذ إن مخطط التوطين أو النقل المؤقت لعدد من سكان القطاع إلى سيناء لا يزال يراود بعض الدوائر الغربية، رغم موقف مصر الرافض للمخطط، ، نتيجة موقف ممانع من أجهزة ومؤسسات نافذة في البلاد، على رأسها الجيش وجهاز الأمن القومي بالمخابرات المصرية.
إذ لوحظ أن بعض الوفود الأوروبية الموجودة في شمال سيناء حاليا تجمع معلومات تفصيلية عن الوضع في المنطقة، من حيث عدد السكان، وحجم المساحات غير المأهولة، ومقومات المنطقة بشكل عام.
ويرجح أن يكون المراقبين الدوليين والأوربيين، الذين اشترطت إسرائيل إشرافهم على شاحنات المساعدات المقدمة لأهالي غزة، أن يكون لهم دور كبير.
وكان الجيش المصري كثف خلال الأيام الأخيرة من وجود قوات حرس الحدود على طول الشريط الحدودي مع قطاع غزة، حيث قام بزيادة عدد نقاط المتابعة والتمركز على الشريط، البالغ طوله 14 كيلومترا، بنحو عشر نقاط جديدة.
مخطط بديل للتهجير
فيما تحدثت مصادر دبلوماسية غربية، عن أن هناك تقدما في أحد التصورات المطروحة بشأن سكان القطاع، مضيفا في تصريحات صحفية، أن الإدارة الأميركية تعمل على تصور يقود في نهاية الأمر لاستيعاب مليون ومائة ألف من سكان القطاع في عدد من الدول العربية، وسط مواطنيها والأجانب العاملين فيها، وليس في صورة مخيمات أو تحديد مناطق محددة لهم.
فيما أن عددا من دول بالمنطقة، وخارجها، أبدى استعدادا لبحث الموافقة على الخطة وتحديد أعداد يمكن استيعابها على أراضيها، موضحا أن بعض الدول يمكنها استيعاب 250 ألف غزّي لديها.
يشار إلى أن التهجير هدف استراتيجي كان موضوعا على طاولة العدو، وطاولة الداعمين له، وإن كانت قد تراجعت حماسة الأوروبيين والغربيين له حاليا، لأنهم اصطدموا بتمسك أسطوري لأبناء الشعب بأرضهم ووطنهم، وبمقاومة شرسة، وبموقف عربي وإسلامي متماسك برفض فكرة التهجير وتكرار مشهد النكبة.
كما أن الواقع يشير إلى أن مسألة التهجير مطروحة من أمد طويل ، وليس مرتبطا بـ”السابع من أكتوبر” الماضي، ولا بحركة حماس، بل بقضية سياسية بدأت منذ 75 عاما.
وقد حاول الصهاينة أكثر من مرة إعادة ترتيب قواته، وتغيير خطط عمله، مرات بالهجوم البري، ومرات بالقصف الدموي الوحشي لتجمعات سكانية من دون أي مبرر، سواء لمدارس اللجوء، أو للأحياء السكنية المدنية، أو لغيرها، بالإضافة إلى حرمان الناس من خدمات تساعدهم على البقاء في المدن، مثل تدمير المستشفيات، وقصف آبار المياه، وتدمير المخابز، والحصار الوحشي على مدار أكثر من 45 يوما بحرمان الناس من الماء والدواء والوقود والاتصالات.
وكل ذلك يأتي في إطار استعمال أقصى ما في يديه من أوراق، لتحقيق هذا الهدف.
إلا أن الصهاينة حتى الآن فشلوا في تحقيقه، والدليل على ذلك آخر الإحصائيات التي تشير إلى أن أكثر من 80 % من سكان شمال قطاع غزة في مناطقهم، يرفضون الخروج رغم كل القصف والدمار، وهو ما يؤكد أن المقاومة الفلسطينية هي العامل الوحيد القادر على تغيير المعادلة على الأرض.