أثار مشهد طفلة صغيرة تلوح لرجل مدجج بالسلاح، وهي تعبر عن الرضا والامتنان، حالة من الاستغراب والدهشة عن الطريقة التي عاملت بها كتائب القسام أسراها حتى يظهروا لأفرادها كل هذا الود والحب.
وشملت الدفعة الثانية من صفقة تبادل الأسرى الجزئية بين دولة الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، إطلاق حركة حماس 13 من النساء والأطفال الإسرائيليين، مقابل إفراج الاحتلال عن 39 من النساء والأطفال الفلسطينيين.
وأظهر مقطع فيديو لتسليم الأسرى الإسرائيليين للصليب الأحمر، عناصر كتائب عز الدين القسام وهم يربتون على الأطفال ويترفّقون بالمسنين، في فصل واضح بين صورة المقاوم الفلسطيني ذي البأس الشديد في الميدان، وصورته كإنسان يعطف على الضعيف والصغير ويحترم الشرائع والمواثيق.
كما ظهر الأسرى المفرج عنهم خلال مقطع الفيديو بصحة جيدة ويرتدون ملابس مرتبة، وظهرت فتيات وسيدات يبتسمن لرجال المقاومة ويلوحن لهم بالود والتودد.
وهذا المشهد حدث أيضا في تسليم الدفعة الأولى من الأسرى يوم الجمعة الماضي، فقد تبادل الطرفان مشاعر الود أثناء الوداع وظهر عنصر من القسام يحمل سيدة مسنة كما لو أنها جدته إلى أن أجلسها على كرسي داخل سيارة، ويترفق بطفل صغير يرتدي ثيابا زاهية كأنما يسكب عليه حنان الأبوة.
وكان من الصعب الادعاء بأن هؤلاء الأسرى تعرضوا لمعاملة قاسية لا من حيث الجانب النفسي ولا الجسدي، ولذلك اعترفت دولة الاحتلال أنهم كلهم عادوا في وضعية صحية جيدة وفي ظروف نفسية طبيعية.
وأوضح مستشفيا “فوولفسون” و”شنايدر” في تل أبيب أنهما استقبلا مجموعة من الأسرى الذين أفرجت عنهم حماس وأنهم جميعهم في وضعية صحية جيدة.
صدمة إسرائيلية
ورفضت أصواتا إسرائيلية الصورة الإنسانية المكثفة القادمة من غزة التي يتوقع منها الانتقام والحقد أمام عدوان إسرائيلي استمر 48 يوما وأدى لسقوط نحو 15 ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب تدمير القطاع الصحي ومختلف المرافق الحيوية وتهجير وتجويع السكان.
وزعمت بعض وسائل الإعلام العبرية أن حماس طلبت من الأسرى المفرج عنهم إظهار الود لعناصرهم والتلويح لهم، لتحول المناسبة إلى فيلم دعائي.
وقال ناشطون إسرائيليون إنهم لم يقتنعوا بما سموها الدعاية الفظيعة التي تنتجها حماس، لكن حديث المفرج عنهم بعد وصولهم إلى دولة الاحتلال، كشف أن مقاطع التسليم لم تكن عملا دعائيا، وإنما كانت انعكاسا فعليا للمعاملة الحسنة التي تلقوها منذ اقتيادهم إلى غزة في 7 أكتوبر الماضي، إلى لحظة الإفراج عنهم.
وقالت الإسرائيلية أدريانا، لصحيفة “جيروزاليم بوست”، إن جدتها يافا عادت من غزة “جميلة ومشرقة” وفي وضعية صحية جيدة.
واتفق معها في الرأي قريب إحدى الأسيرات قائلا: “لحسن الحظ، لم يتعرضوا لأي تجارب غير سارة أثناء أسرهم، بل تمت معاملتهم بطريقة إنسانية.. خلافا لمخاوفنا، لم يواجهوا القصص المروعة التي تخيلناها.. كان يتابعون الراديو والتلفزيون، حيث سمعوا الأخبار من إسرائيل”.
وقبل أسابيع تحدثت أسيرة إسرائيلية أفرجت عنها حماس عن المعاملة الحسنة، قائلة “كانوا ودودين معنا وعالجوا رجلا كان مصابا بشكل سيئ في حادث دراجة.. كان هناك ممرض يعتني به وأعطاه الأدوية والمضادات الحيوية”.
وتضيف “كانوا ودودين وحافظوا على نظافة المكان وتناولنا الطعام سويا. وعندما وصلنا قالوا إنهم مسلمون يؤمنون بالقرآن ولن يؤذونا. لقد كانوا كريمين للغاية وهذا يجب أن يقال”.
طوفان الأقصى
وفي السابع من أكتوبر الماضي، شنت كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقتلت حتى الآن أكثر من 1400 إسرائيلي.
كما أسرت المقاومة الفلسطينية أزيد 200 إسرائيلي وأعلنت أنها تريد مبادلتهم بأكثر من 6 آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال.
من جانبها، شنت دولة الاحتلال طيلة 48 يوما عدوانا وحشيا على غزة، حيث قصفت المساكن والمدارس والمستشفيات والمساجد، مما أدى إلى استشهاد نحو 15 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب إصابة 36 ألفا وفقد 7 آلاف وتدمير أحياء بكاملها وتشريد معظم السكان.
وأثناء العدوان نفذت دولة الاحتلال توغلا بريا في غزة استمر لنحو شهر بهدف استعادة أسراها والقضاء على حماس، لكنها لم تحرر أيا من الأسرى، بينما واصلت المقاومة دك المدن الإسرائيلية بالصواريخ.
وبعد خسائر ميدانية فادحة في الأرواح والعتاد، قبلت دولة الاحتلال بالدخول في هدنة مؤقتة مع حماس يتخللها تنفيذ صفقة تبادل جزئي للأسرى، بواسطة قطرية وبدعم من مصر والولايات المتحدة.