مع انطلاق مسرحية الانتخابات الرئاسية في مصر والتي يتوقع فوز عبدالفتاح السيسي فيها بولاية ثالثة، يخشى المراقبون من عدم حل الأزمة الاقتصادية في مصر ولا الوضع المتردي لحقوق الإنسان.
وبحسب تقرير نشره موقع التليفزيون الألماني “دويتشه فيله”، فتحت صناديق الاقتراع أبوابها في مصر يوم الأحد في انتخابات رئاسية، طغت عليها الحرب في غزة المجاورة وأزمة اقتصادية محلية خطيرة، وسيستمر التصويت حتى يوم الثلاثاء، على أن تعلن النتائج الرسمية في 18 ديسمبر.
ومن المرجح أن يشهد التصويت فوز عبد الفتاح السيسي البالغ من العمر 69 عاما بولاية ثالثة، والتي ستكون الأولى في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 113 مليون نسمة.
حتى عام 2019 ، سمح الدستور بفترتين رئاسيتين فقط وانتخب السيسي دون معارضة للحديث عنها بحوالي 97٪ من الأصوات في عامي 2014 و 2018، ثم ضغط من أجل إجراء تعديلات دستورية تضفي الشرعية على بقاء الرؤساء المصريين لولاية ثالثة، ومدد فترات ولايته من أربع إلى ست سنوات.
وفي الوقت نفسه، قالت الهيئة الوطنية للانتخابات في بيان: إن “العملية الانتخابية التي شارك فيها ما مجموعه أربعة مرشحين كانت نزيهة وعادلة”.
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات أيضا أن المصريين في الخارج قد انتهوا من الإدلاء بأصواتهم.
ومع ذلك، في الفترة التي سبقت الانتخابات، اتهم المراقبون ومنظمات حقوق الإنسان السيسي مرارا وتكرارا بقمع مرشحي المعارضة الواعدين.
وقال تيموثي إي كالداس ، نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط ومقره واشنطن ، لـ “دويتشه فيله”، “هشام قاسم حاليا في السجن بتهم سياسية وأحمد الطنطاوي يواجه اتهامات، بينما يتم اعتقال العشرات من أعضاء حملته” .
وتأتي إعادة انتخابه المتوقعة في وقت من غير المرجح أن يواجه فيه السيسي الكثير من الانتقادات الدولية في ضوء دور البلاد في الحرب الحالية في غزة.
تأثير الحرب على غزة
منذ بداية الحرب بين الاحتلال وحماس، تحول الاهتمام العالمي من سجل مصر الرهيب في مجال حقوق الإنسان، وحملتها على المعارضة السياسية والحالة الاقتصادية السيئة إلى دورها كشريك سياسي موثوق به في المنطقة، ووسيط ونقطة وصول للسلع الإنسانية للسكان الفلسطينيين.
لم يعزز ذلك سمعة السيسي الدولية فحسب، بل من المرجح أن يكون له تأثير إيجابي على الموارد المالية للبلاد.
وقال كالداس: إن “المفوضية الأوروبية أعلنت عن استثمارات تصل إلى 9 مليارات يورو في مصر، بينما تشير تقارير أخرى إلى أن صندوق النقد الدولي يدرس مضاعفة حجم القرض المصري، استجابة للوضع، مضيفا أن هذا يحدث على الرغم من حقيقة أن مصر فشلت إلى حد كبير في الوفاء بالتزاماتها الإصلاحية خلال العام الماضي، منع صندوق النقد الدولي من استكمال المراجعة وصرف شرائح القروض”.
الاستثمارات والقروض المخطط لها هي حقنة مرحب بها في ذراع بلد يعاني من أزمة اقتصادية منذ عام 2022.
ووفقا للبنك المركزي المصري، بلغ التضخم 38٪ في أكتوبر، في حين فقد الجنيه المصري نصف قيمته مقابل الدولار الأمريكي، تشير التقديرات الرسمية إلى أن 30٪ من السكان يعيشون في فقر، الاحتياطيات الأجنبية ، اللازمة لسداد القروض تكاد تنضب.
ومع ذلك، لم يتوقع أي من الخبراء الذين تحدثت إليهم “دويتشه فيله”، أي رد فعل دولي كبير.
وقال كريستيان أشرينر، الباحث في جامعة روسكيلد الدنماركية، والذي نشر على نطاق واسع عن مصر، لـدويتشه فيله “في الماضي، لم يكن الغرب ينتقد الانتخابات في مصر أيضا، وكان ينظر إلى السيسي والجيش بانتظام في الغرب على أنهم الجهات الفاعلة الوحيدة التي يمكنها منع الفوضى في البلاد”.
موقع مصر في منطقة مضطربة
علاوة على ذلك، ليس فقط غزة، ولكن أيضا الدول المجاورة الأخرى لمصر، السودان وليبيا واليمن في حالة حرب، والبحر الأحمر على وشك أن يصبح ساحة معركة للميليشيات الوكيلة لإيران ضد الاحتلال.
وأضاف أشرينر: “سيكون سيناريو مرعبا لصناع القرار الأوروبيين إذا أصبحت مصر، باعتبارها أكبر دولة عربية وشمال إفريقيا من حيث عدد السكان، غير مستقرة أيضا”.
ويردد هذا الرأي جمال عبد الجواد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الذي يتخذ من القاهرة مقرا له، والذي تعتبر ميوله السياسية متحالفة بشكل وثيق مع الحكومة.
وقال عبد الجواد: “لا المنطقة ولا العالم مستعدان للتعامل مع الوضع المضطرب في مصر، بسبب التداعيات الاقتصادية”.
وبرأيه، فإن الحرب في غزة والتهديد بتهجير الفلسطينيين ونقل الصراع إلى مصر، يشكل خطرا على الأمن القومي المصري الذي أدى إلى حالة من الوحدة وزيادة الدعم للرئيس”.
بالنسبة لتيموثي كالداس، هذا يعني أيضا أن “التخفيف الأخير لموقف الغرب تجاه سوء الممارسة الاقتصادية للسيسي وانتهاكات الحقوق في خضم الحرب على غزة، يعطي سببا إضافيا للشك في أن الإصلاحات المطلوبة تلوح في الأفق”.
فرصة لتحسين سجل السيسي الحقوقي؟
ويعتقد أحمد مفرح، المدير التنفيذي للجنة مراقبة حقوق الإنسان من أجل العدالة ومقرها سويسرا، أن أحد سيناريوهات إعادة انتخاب السيسي المتوقعة، سيؤدي في أحسن الأحوال إلى استمرار السياسات التجميلية الحالية عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان.
وفي حين أطلق النظام سراح ما بين 1000 و1500 سجين سياسي هذا العام، كجزء من الحوار الوطني والانفتاح السياسي، تزعم جماعات حقوق الإنسان المصرية أن ما لا يقل عن ثلاثة أضعاف عدد السجناء السياسيين الذين اعتقلوا في نفس الفترة.
قال كالداس من معهد التحرير: “لا يزال العديد منهم محتجزين دون محاكمة أو حتى تهم، كما لا يزال السجين السياسي الأبرز في مصر، علاء عبد الفتاح في السجن”.
وقال مفرح لـ “دويتشه فيله”: “السيناريو الثاني هو العودة إلى القمع المباشر، بما في ذلك استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات حقوق الإنسان داخل مصر وفي المنفى”.
وأضاف: “الفرق الرئيسي سيكون ما إذا كان النظام يتعرض لضغوط كبيرة لتحسين سجل حقوق الإنسان خلال الأزمة الاقتصادية الحالية، أم لا، فالصراع الأخير بين إسرائيل وغزة أظهر أنه لا يوجد ضغط جدي كاف على النظام المصري، وهذا يجعل السيناريو الثاني أكثر ترجيحا في الفترة المقبلة”.
رابط التقرير: هنا