حُرمة التنازل عن أرض فلسطين [2/ 2]

- ‎فيمقالات

وإنّ الحقُّ الثابتُ للمسلمين فى فلسطين لا تسقطه معاهدة صلح ولا وعد ولا وثيقة، ولا حلول سياسية، والمسلمون غير معنيين بأىٍّ منها؛ ذلك لأنها اتفاقيات إذعان أُبرمت من غير مشورة المسلمين، وأنها أقرّت اليهود على ما أخذوه من أرض الإسلام عنوة وغدرًا، وأن بها فسادًا بارزًا لدنيا ودين المسلمين، والأصلُ: العملُ على إسقاطها، وتوحيد الأمة على التصدى لعلوّ اليهود، فإذا تخيل البعض أن فيه مصلحةً للمسلمين فهى للعدو أعظم.

 كما أن المقرر فى الفقه الإسلامى: (إذا تعيَّن الجهادُ بطل الصلح، كما إذا دخل العدو أرض المسلمين أو كان طالبًا لهم)، والإجماعُ منعقدٌ على حُرمة التنازل لأعداء المسلمين عن شبرٍ من أرض الإسلام فضلًا عن السماح لهم بإقامة دولةٍ فى دياره، ويندرج ضمن هذا السياق فتوى الشيخ «حسن مأمون»، مفتى الديار المصرية الأسبق، حول بيان الحكم الشرعى فى الصلح مع «إسرائيل»: (فإذا كان على أساس ردِّ الجزء الذى اعتُدِى عليه إلى أهله كان صلحًا جائزًا، وإن كان على إقرار الاعتداء وتثبيته فإنه يكون صلحًا باطلًا؛ لأنه إقرار لاعتداء باطل، وما يترتب على الباطل يكون باطلًا مثله)..

 وهذا ما أكدته لجنة الفتوى بالأزهر فى يناير عام ستة وخمسين التى حرّمت الصلح مع الصهاينة (لما فيه من إقرار الغاصب على الاستمرار فى غصبه، والاعتراف بأحقية يده على ما اغتصبه، وتمكين المعتدى من البقاء على دعواه).

وينسحب أمر الصلح على التطبيع، ويُقصد بـ«التطبيع» أن تُقبلَ «إسرائيل» من دول وشعوب المنطقة ويُعترف بها كجارة، وبالتالى تحويل آليات الصراع إلى المهادنة والاستسلام، والغرض منه: كسر الحاجز النفسى بين المسلمين واليهود، وإلغاء المقاطعة، وتهيئة الظروف لاستقبال المزيد من الصهاينة على أرض فلسطين، ومن ثمَّ استكمال محاولات التوسّع لتنفيذ حلمهم التوراتى المزعوم بإقامة دولتهم الممتدة من الفرات إلى النيل.

 وحكمُ التطبيع حكمُ المتخاذل عن النصرة والدفع، وهو فى رأى العلماء خروج وردّة عن الإسلام؛ إذ لا يجوز التعاون مع العدوّ فيما يثبته على بلاد المسلمين، قال الشيخ «عبد العزيز بن باز»: (وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأى نوع من المساعدة فهو كافرٌ مثلهم)، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين)..

 وهو صلح باطل لما فيه من الشروط الباطلة المضادة للإسلام، يقول الدكتور القرضاوى: (هؤلاء الخونة، الذين يعاونون أعداء أمتهم على الإثم والعدوان، هؤلاء حكمهم حكم اليهود المحتلين؛ لأن ولاءهم لهم، وعونهم لهم، بل الحق أنى أرى هؤلاء شرًّا من اليهود الغزاة المعتدين، فإن اليهودى عدو واضح معروف، وهذا عدو من جلدتنا، ويتكلم بلساننا، فهو من المنافقين الذين قال الله عنهم: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا»، فالمنافق شر من الكافر).