انخفضت التحويلات المالية إلى مصر من قبل المواطنين المقيمين في الخارج بنسبة 30 في المائة للربع الأول من العام المالي 2023-2024 وفقا لبيانات البنك المركزي، ويؤدي هذا التراجع المستمر إلى عجز جديد في المحفظة المالية المصرية ويضع ضغطا كبيرا على الميزانية التي تعتمد على خمسة مصادر رئيسية للعملة الأجنبية: الصادرات والسياحة وقناة السويس والتحويلات من المصريين في الخارج والاستثمارات الأجنبية، بحسب ما أفاد موقع “ميدل إيست مونيتور”.
وبحسب التقرير، فمصر هي أكبر متلق للتحويلات المالية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وخامس أكبر متلق في العالم بعد الهند والمكسيك والصين والفلبين، وسجلت أعلى مستوى لها في 2021-2022 عند حوالي 31.9 مليار دولار، وفقا للبنك الدولي.
تبدأ السنة المالية في مصر في يوليو وتنتهي في نهاية يونيو من العام التالي، وفقا لقانون الميزانية المصرية، ووفقا للبنك المركزي المصري، بلغت التحويلات المالية من المصريين العاملين في الخارج حوالي 4.5 مليار دولار للربع الأول (يوليو وأغسطس وسبتمبر) من العام المالي الحالي، مقارنة ب 6.4 مليار دولار في نفس الفترة من العام المالي 2022/2023، و8.1 مليار دولار في نفس الفترة من 2021-2022.
ويأتي هذا الانخفاض في وقت تخطط فيه حكومة السيسي لزيادة التحويلات من المصريين العاملين في الخارج بنسبة 10 في المائة سنويا على مدى السنوات الست المقبلة، لتصل إلى 53 مليار دولار بحلول عام 2030. ومع ذلك، إذا استمر الانخفاض بنفس المعدل، فإن مثل هذه التحويلات ستصل إلى مستوى قياسي منخفض، مما سيجعل من الصعب بالتأكيد على حكومة السيسي الحصول على العملة الأجنبية، وهي نادرة بالفعل في الأسواق.
هناك ما يقدر بنحو 14 مليون مصري يعملون في الخارج، وفقا لتقديرات وزيرة الهجرة وشؤون المصريين المغتربين، سهى الجندي. ويأتي ما يزيد قليلا عن 68 في المائة من التحويلات من الخارج من المصريين العاملين في الدول العربية، تليها تلك الموجودة في الولايات المتحدة وكندا بنسبة 17.9 في المائة، ثم الاتحاد الأوروبي بنسبة 10.1 في المائة، وفقا للبيانات الحكومية.
ويعزى الانخفاض في قيمة التحويلات في معظمه إلى الفجوة الكبيرة بين سعر الصرف الرسمي للدولار الذي حدده البنك المركزي المصري، والسعر غير الرسمي الذي تحدده السوق السوداء، وقد دفع ذلك التحويلات المالية من المصريين في الخارج إلى استخدام طرق تحويل أخرى غير رسمية.
ويبلغ سعر الصرف الرسمي في البنوك المصرية نحو 31 جنيها مصريا للدولار، أما في السوق السوداء، فيتم تداوله بسعر 55 جنيها للدولار، وقد تصل إلى 57 جنيها، إذا تم تداول مبلغ كبير مع التجار والمستوردين والتجار في سوق الصرافة.
ونقل التقرير عن الخبير المالي محمد مصطفى، قوله: إن “هذا الانخفاض متوقع، وسيزداد كل عام، إذا استمر فرق سعر الصرف، وإن الفرق كبير، حيث يصل إلى نحو 90 في المائة بين الأسعار الرسمية وغير الرسمية، وأنه لا يعقل أن يتنازل أحد عن 24 أو 26 جنيها كفرق في سعر صرف كل دولار”.
وبحسب مصطفى، فإن الأهم هو تطوير التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي والأنظمة المصرفية الإلكترونية، التي توفر مسارات أكثر تقدما لبيع وتحويل العملات، دون الخضوع لقيود حكومية، وتشمل هذه المنصات الرقمية مثل نظام B2B، الذي يحظى بشعبية بين المصريين، وسوق الفوركس وغيرها، فالحكومة لا تواكب هذه المتغيرات المالية.
كما أفاد المصريون العاملون في الخارج أنهم يحتفظون بمدخراتهم في البنوك الخليجية والأوروبية حتى يستقر سعر الصرف في مصر، وهم يخشون التعرض لقيود مصرفية تمنعهم من سحب ودائعهم بالدولار، أو فرض ضرائب ورسوم عليهم.
ووفقا لهذه الشهادات، تتعدد الطرق المتاحة للمصريين لتحويل الأموال خارج الجهاز المصرفي، وأبرزها تداول الدولار مع التجار في الخارج الذين يقومون من خلال وسطاء بتسليم الأموال بالجنيه المصري بسعر السوق السوداء للأسر في مصر، يفعلون ذلك للاستفادة من الفرق بين أسعار الصرف الرسمية وغير الرسمية.
تنشط تجارة تحويل الأموال في دول الخليج، حيث يستقبل التجار العملات الأجنبية من المصريين بالخارج ويوصلها بالعملة المحلية لأسرهم بسعر أعلى من السعر الرسمي، دون الحاجة إلى تحويلها عن طريق البنوك.
وقال أحد الباحثين الاقتصاديين، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: إن “الفرق الكبير بين السعرين خلق نشاطا متزايدا في تداول الفوركس داخل المجتمعات المصرية في مختلف البلدان، وبالتالي تجنب التحويلات المصرفية، أولئك الذين يحولون أموالهم بالدولار إلى البنوك المصرية يجدون صعوبة في سحبها بالدولار، وفي بعض الحالات، يضطرون إلى قبولها بالجنيه المصري”.
وتوقعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني هذا الانخفاض قبل أشهر، عازية ذلك إلى استمرار الفجوة بين أسعار صرف الدولار الرسمية وغير الرسمية، وقالت: إن “التحويلات المالية من المصريين في الخارج عبر القنوات الرسمية مرتبطة بالحد من التقلبات في سوق الصرف في البلاد”.
ويعتقد الخبراء أن المبادرات الحكومية لتشجيع المصريين على زيادة التحويلات المالية قد أتت بنتائج عكسية، على سبيل المثال، أدت مبادرة جلب سيارات المصريين العاملين في الخارج إلى البلاد مقابل إعفاءات من دفع الجمارك إلى حجب حوالي 900 مليون دولار، وفقا لتقديرات غير رسمية، وبموجب هذه المبادرة، يحق للمصريين العاملين بالخارج استيراد سيارة بدون أي جمارك أو رسوم، على أن يتم إيداع قيمة الجمارك والرسوم في حساب وزارة المالية المصرية بالدولار، مع استرداد المودعين قيمة الوديعة بعد خمس سنوات بالجنيه المصري، بسعر صرف الدولار في تاريخ سحب الوديعة.
ويحاول آخرون تجنب التحويلات النقدية تماما ويشترون الذهب بدلا من ذلك، ويستفيدون من القرار الحكومي رقم 1801 لعام 2023، الذي يمنح إعفاء جمركيا لواردات الذهب حتى 10 مايو من هذا العام.
وشملت المبادرات الحكومية تقديم سندات ذات فائدة عالية بالدولار، وعرض الأراضي والعقارات للمشتريات بالدولار، والإعفاء من التجنيد في الجيش مقابل 5000 دولار أو 5000 يورو، وبلغ المبلغ الذي تم ضخه في هذه المبادرات بمثابة خصم من قيمة إجمالي تحويلات المصريين إلى الخارج.
هناك أسباب أخرى وراء انخفاض التحويلات، وفقا لأحد المهندسين المصريين العاملين في الخارج ، فقد بعض العمال المصريين وظائفهم بسبب جائحة كوفيد، ويتم فصل آخرين لأن حكومة السيسي رفضت تمديد إجازاتهم ، لأنهم موظفون حكوميون، أدى ذلك إلى خسارة الحكومة قيمة التأمين السنوي الذي اعتاد هؤلاء العمال دفع ثمنه بالدولار إلى الخزانة.
والأخطر من كل ما سبق هو انعدام الثقة الواسع النطاق في الاقتصاد المصري، فقدان المصداقية في السياسات والقرارات الحكومية ؛ الترقب على تاريخ تحرير سعر الصرف؛ المخاوف المتزايدة من بيع البنوك الحكومية؛ وعدم قدرة البلاد على سداد ديونها الخارجية البالغة نحو 165 مليار دولار وربما إعلان إفلاسها.
ومما يعزز انعدام الثقة تصريحات تثير القلق والريبة بين المصريين العاملين بالخارج، لعل أكثرها إثارة للقلق بيان صدر في مارس الماضي عن المستشار بهاء الدين أبو شقة، ممثل مجلس الشيوخ المصري، بشأن تخصيص جزء من رواتب المصريين العاملين بالخارج للدولة، من باب الولاء ورد الجميل لبلدهم، وأثارت كلماته انتقادات واسعة النطاق في الداخل والخارج.
كما يفقد المصريون العاملون في الخارج الثقة في حكومة السيسي لأنهم يتوقعون منها اتخاذ أي عدد من القرارات للحصول على العملة الأجنبية التي تحتاجها لسداد الديون الخارجية الضخمة والفوائد، والتي تصل إلى 42.3 مليار دولار لعام 2024، وفقا للبنك المركزي.
مع تراجع التحويلات من المصريين في الخارج، فضلا عن تراجع عائدات السياحة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والحرب في غزة، انخفاض حركة المرور في قناة السويس بسبب تصاعد التوتر في البحر الأحمر في أعقاب هجمات الحوثيين على السفن المتجهة من وإلى دولة الاحتلال؛ واستمرار الإنفاق الحكومي الضخم على المشاريع العملاقة غير المجدية، فمن المرجح أن تتفاقم مشاكل مصر المالية والاقتصادية في السنوات المقبلة.
رابط التقرير: هنا
https://www.middleeastmonitor.com/20240116-theres-a-new-deficit-in-egypts-finances-and-matters-are-likely-to-get-worse/