ضمن إطار القمع السلطوي الذي يمارسه السيسي، يسارع نظام الانقلاب الزمن لتعديل قانون الإجراءات الجنائية، لتقنين توسع الحبس الاحتياطي بلا سقف، وبالتفاف على المغزى الأساسي الذي يطالب به الحقوقيون والمنظمات الحقوقية، بتحديد سقف له، وتوفير ضمانات للقبض على المتهم والتحقيق معه وتمكين من لقاء محاميه وغيرها من الإجراءات القانونية.
وتجري عملية الترقيع -وفق حقوقيين- بلا حوار مجتمعي ولا تشاور مع أحد، سوى دائرة السيسي الضيقة التي تحركها المخابرات في مجلس النواب، وحتى بعيدا عن لجان الحوار الوطني الدائر بالبلاد.
وقبل أيام انتهت اللجنة الفرعية في مجلس النواب المشكلة لصياغة ومراجعة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد المقدم من الحكومة، من إعداد مسودة المشروع تمهيدا لعرضه على لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، ومن ثم عرضه على مجلس النواب في جلسته العامة، من دون النظر إلى مطالب الجماعات الحقوقية في مصر، والتي نادت على مدار سنوات بالعديد من المطالب منها تخفيض مدد الحبس الاحتياطي.
واستعرضت اللجنة الفرعية بمجلس النواب في اجتماعها الأخير، الأحد الماضي، الصياغات النهائية لمواد مشروع القانون، وأبرزها تخفيض مدد الحبس الاحتياطي في الجنح والجنايات، إذ وافقت في اجتماعها، يوم 6 مارس الحالي، على تخفيض المدد لتكون في الجنح 4 أشهر بدلا من 6 أشهر، وفي الجنايات 12 شهرا بدلا من 18 شهرا، و18 شهرا بدلا من سنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد أو الإعدام.
كما عيّنت وفق تعديلات قانون الإجراءات الجنائية حدا أقصى للحبس الاحتياطي من محكمة جنايات الدرجة الثانية، أو محكمة النقض في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد، ليصبح سنتين بحد أقصى، بدلا من عدم التقيّد بمدة.
لكن الخطير أن التعديلات أفقدت القانون إلغاء الحد الأقصى للحبس الاحتياطي في بعض الجرائم وإعطاء المحكمة الحق في عدم سماع الشهود، كذلك أفقدت المحكوم عليه، الحق بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر، وأن يطلب تشغيله خارج السجن بدلا من تنفيذ العقوبة.
وخلصت اللجنة إلى نتائج عملها حول مشروع القانون في ظل غياب دور الحوار المجتمعي حوله، ومن دون النظر إلى المطالبات الحقوقية المزمنة، ورؤيتها حول هذا القانون، لضمان محاكمات عادلة، وذلك بعد سنوات من استنزاف أعمار المتهمين في الحبس الاحتياطي من دون مبرر، إذ يعد قانون الإجراءات الجنائية الحلقة الأولى والأهم لضمان عدالة المحاكمة.
وخضع قانون الإجراءات الجنائية لمراحل من التعديلات على مدار سنوات، طمست ملامحه الأولى، بالالتفاف على نصوصه التي كانت عليه قبل ثورة 25 يناير 2011، لتأتي مسودة القانون الصادرة أخيرا، قبل عرضه للمناقشة العامة في مجلس النواب، لتلتف ثانية على تلك النصوص ولا تحقق الحد الأدنى حتى مما كان عليه سابقا.
وأجرى المشرّع المصري، ممثلا في رئيس الجمهورية ومجلس النواب، 6 تعديلات منذ 2011، على قانون الإجراءات الجنائية، وذلك في أعوام 2013 و2014 و2015 و2017، إلى جانب تعديل القانون الخاص بطرق الطعن أمام محكمة النقض (2016 و2022)، والذي يرتبط ارتباطا وثيقا بقانون الإجراءات الجنائية.
لتكون أحدث التعديلات من قبل اللجنة الفرعية في مجلس النواب، المشكلة لصياغة ومراجعة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد المقدم من الحكومة في 6 مارس الحالي.
تحايل لزيادة مدد الحبس الاحتياطي
واعتبر رئيس مؤسسة “دعم العدالة بالمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة” في مصر، المحامي الحقوقي ناصر أمين، في تصريحات صحفية، أن “ملامح المشروع الذي تم طرحه، تحايل واضح للنصوص غير الدستورية التي نظمت الحبس الاحتياطي خلال الفترة الماضية، تحايل واضح على تخفيض مدد الحبس الاحتياطي، وإتاحة الفرصة لزيادتها مرة أخرى”.
وأضاف أنه “لم ينظر إلى الطلبات التي قُدمت للحوار الوطني والتي كانت تطالب بالرجوع إلى قانون الإجراءات الجنائية، وتحديدا إلى تعديلات القانون عام 2006، والتي لا تزيد فيها فترة الحبس الاحتياطي في الجنايات عن 12 شهرا، وفي بعض الحالات التي تكون فيها العقوبة السجن المؤبد أو الإعدام تصل إلى الحبس الاحتياطي 18 شهرا كحد أقصى، إلا أنها لم تؤخذ أيضا في الاعتبار”.
وتابع أمين أن “الإصرار على تمديد وزيادة فترة الحبس الاحتياطي، وحتى عدم الأخذ بما جاء في الحوار الوطني، هو تحايل مرفوض، لأن جهات التحقيق إذا أرادت أن تمد حبس متهم لمدد طويلة، ما عليها إلا أن تضيف مواد اتهام فقط تصل عقوبتها إلى المؤبد أو الإعدام، ومن ثم يمكنها مد الحبس لمدد طويلة عن طريق التحايل على التعديلات”.
واعتبر أن هذا الأمر “غير قانوني وغير دستوري ويخالف قواعد العدالة، والتي تنص على أن إجراء الحبس الاحتياطي هو إجراء احترازي احتياطي مؤقت، الغرض منه هو حفظ الأدلة وإتاحة الفرصة للتحقيق وليس للتنكيل”.