الإخفاء القسري لأرقام الفقر والمستهلكين  منذ  2021 مخالفة دستورية للتستر على جرائم السيسي الاقتصادية

- ‎فيحريات

من ضمن الحقوق الدستورية المقررة للمصريين، حرية المعلومات وتسهيل الحصول عليها، وتمكين مراكز البحث والإعلام من الحصول عليها، إلا أنه في ظل النظام العسكري الفاشي باتت كل الحقوق مهدرة، إما لرغبات خفية للنظام الحاكم بستر عوراته و عدم رغبة منه في كشف حقيقة الواقع المعاش لملايين الشعب المصري، الذي بات محشورا في نفق الفقر والكوارث والعوز والأزمات التي لا تنتهي. 

الإخفاء القسري للمعلومات بمصر ديدن معتاد في ظل الاستبداد والقمع، الذي لا يمكن تصور الاستمرار في إخفائه، في ظل الكثير

من التقارير الدولية الكاشفة، التي يستحيل معها  إخفاء الحقائق التي باتت واضحة كالشمس.

  

ومع محاولات الإخفاء المقيتة، كان آخر بحث عن الدخل والإنفاق والاستهلاك ومعدل الفقر، أصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء  عام 2020، وفيه حدد خط الفقر القومي لأسرة من أربعة أفراد بـ3218 جنيها في الشهر، أي 804.5 جنيه للفرد.

  

هذا البحث، الذي يحدد خط الفقر ويكشف عدد الفقراء ونسبتهم، من المفترض أن يصدر كل سنتين، وذلك بعدما كان يصدر كل خمس سنوات حتى عام 2009، ولكن الجهاز لم ينتظم في إصدار البحثين الأخيرين، إذ صدر بحث 2017/ 2018 في يوليو 2019، وصدر بحث 2019/ 2020 في ديسمبر 2020.

 

المرة الأولى

 

لكن البحث الجديد 2021/ 2022 لم يصدر أصلا حتى الآن، في واقعة لم تحدث من قبل في تاريخ الجهاز إلا مرة واحدة عام 1986، ورغم تصريح اللواء خيرت بركات رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في أغسطس الماضي بأن البحث سيصدر في شهر أكتوبر 2023، فإن ذلك لم يحدث، على الرغم من أهميته لواضعي السياسات.

 

وعلى أي حال، لم يعد ممكنا الاعتماد على آخر نسخة منشورة من البحث لتعيين خط الفقر وقياس معدلاته بشكل جاد، فالتقرير الأحدث، الصادر في 2020، تجاوزه الزمن بعد ارتفاع الأسعار بشكل كبير على وقع انخفاض قيمة الجنيه رسميا من نحو 15.6 جنيها للدولار في سنة إصدار البحث، إلى أكثر من 48 جنيها الآن، بالإضافة إلى ارتفاع التضخم وأثر الحرب الروسية الأوكرانية.

  

يشار إلى أن  المرة الوحيدة التي لم يصدر فيها البحث كانت سنة 1986، بل إنه في سنة ثورة 25 يناير صدر بحث 2010/2011، وفي سنة الاضرابات التي شهدتها البلاد في عهد الإخوان صدر بحث 2012/2013، وبالتالي لا يوجد مبرر فني لتعطيل إصدار البحث، فق مصادر مطلعة تحدثت للمنصة.

 

ورجح المصدر أن تكون نسبة الفقر هي التي تعطل صدور البحث حتى الآن، مستنكرا، أنا مش فاهمهم، هم اللي بيعلنوا نسبة التضخم، وطالما بترتفع يبقى عدد الفقراء بيزيد، يبقى ليه يتفاجئوا أو يتضايقوا؟.

  

ويُعد تأخر صدور البحث مخالفة للدستور، الذي نص على أن المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية.

 

وفي أبريل 2020، أي قبل ثمانية أشهر من صدور بحث الدخل والإنفاق 2019/ 2020، نقلت صحيفة البورصة عن مصادر أسمتها “ذات صلة”، أنه تم الانتهاء من مراجعة وتدقيق المؤشرات النهائية لبحث الإنفاق والدخل منذ فبراير 2020، إلا أن ارتفاع معدل الفقر أدى إلى اعتراض جهات عُليا على النتائج لتعارضها مع الإنجازات التي قامت بها الدولة خلال العامين الماضيين.

 

ومن المرجح أن يكون هذا هو السبب حاليا للاستمرار في إخفاء البيانات الحكومية.

  

ومن المنتظر أن يتضمن التقرير الجديد، تأثيرات الحرب الأوكرانية الروسية ووباء كورونا، وهي مبررات ووذرائع طالما تمسك بها النظام المصري، لتبرير الغلاء وارتفاعات الأسعار.

 

إذ إنه ووفقا لدراسة أعدها المركزي للتعبئة والإحصاء عن تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على نمط الاستهلاك، وصدرت في نوفمبر 2022، نجد أن 74% من الأسر خفضت استهلاكها للسلع الغذائية، إذ خفضت 90% من الأسر استهلاك البروتينات، فيما خفض 74.7% استهلاك الأرز، ونحو 70% خفضوا شراءهم للبيض والزيت والفاكهة، وأشارت بيانات الدراسة إلى أن سبب انخفاض استهلاك الأسر يرجع إلى ارتفاع أسعار السلع كسبب رئيسي.

 

أما عن أحدث الأرقام المتعلقة بالرقم القياسي لأسعار الطعام في العامين السابقين، فيرصد الجهاز المركزي قفزة كبيرة، إذ وصلت نسبة الزيادة من يناير 2023 حتى يناير 2024 نحو 47%، فيما بلغت نسبة زيادة اللحوم والدواجن 48.2%، والأسماك والمأكولات البحرية 58.5%، والخضروات 68.1%.

  

ووفق دراسة خاصة بأستاذة الاقتصاد هبة الليثي، فقد توصلت  إلى أن مستوى الفقر في عام 2022/ 2023 ارتفع إلى 35.7%، معتمدة على أن التضخم هو العامل الأساسي وراء ارتفاع معدل الفقر.

 

كما أن الفقر مرتبط بعدم التنوع الغذائي، بالتالي تنتشر بين أطفال الأسرة الفقيرة أزمات صحية تتعلق بسوء التغذية، مثل النحافة والتقزّم.

  

وتُشير هبة الليثي خلال ندوة عقدها مشروع حلول للسياسات البديلة، بالجامعة الأمريكية في أكتوبر الماضي، إلى أن الإحصائيات ترصد أن 23% من فقراء مصر ينفقون أكثر من 10% من دخلهم على الصحة، ووفقا لمعايير منظمة الصحة العالمية فإن نسبة الـ10% فأكثر تُعد مؤشرا على تدهور الوضع المعيشي بما لا يسمح بالحصول على التأمينات الصحية.

 

والفقر أيضا مرتبط بمستويات التعليم المنخفضة، تشير الإحصائيات إلى أن 9.4% فقط من الحاصلين على التعليم الجامعي من الفقراء، في حين أن نسبة الفقراء من الأميين تصل إلى 35%.

  

يشار إلى أن البنك الدولي يقدر إعداد الفقراء بمصر إلى أكثر من 60% من المصريين ، وفق إحصاءات العام 2022، وسط تزايد مطرد إثر الغلاء وارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات وتراجع القوة الشرائية للجنيه المصري وندرة السلع بالأسواق، وتضاءل فرص العمل وزيادة نسب البطالة وسط إغلاق لأكثر من 50 ألف مصنع منذ انقلاب السيسي على الرئيس محمد مرسي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

‫أُرسلت من الـ iPhone