في ظل سلبية منقطعة النظير من قبل السيسي ونظامه، وطوال 100 سنوات، نجحت أثيوبيا بإرادة سياسية منفردة في بناء سد النهضة، السد الأعظم بالقارة الأفريقية، دون أن تلتزم بأي شيء لمصر والسودان، بل تقوم بالإعداد لبناء عدة سدود أخرى على النيل الأزرق، وصولا إلى مبتغاها غير القانوني، بتقسيم مياه النيل الأزرق، المغذي لأساس للنيل والذي يمد مصر بنحو 95% من حصة مصر المائية، وتماديا في فرض إرادتها على حوض النيل والقرن الأفريقي وعموم دول الجوار، تقوم أثيوبيا خاليا ببناء قاعدة عسكرية بدولة صوماليلاند الانفصالية غير المعترف بها دوليا، بمساعدة الإمارات، التي لها استثمارات مالية وزراعية كبيرة في أثيوبيا، والتي تقوم بدور قذر في السيطرة على مصر وامتداداتها الإقليمية.
وعلى الرغم من خطورة القاعدة العسكرية الإثيوبية، والتي تمثل تحصينا لسد النهضة، وإيذانا بدخول أثيوبيا في معادلة الأمن القومي العربي والأفريقي، والتأثير في مجريات الأمور في المنطقة، لا تزال مصر تتعامل بضبط النفس والإعلان عن القلق، وعدم الرضا عن الأمر، والتشديد على اتخاذ المسارات القانونية والدبلوماسية فقط.
وهي نفس اللغة التي ظل السيسي متمسكا بها طوال عقد من الأزمات مع أثيوبيا، نجحت في تحقيق ما أرادته على حساب مصر، بل إنه حينما خرج خبراء بالإعلام المصري ليتحدثوا عن ضرورة تهديد مصر بالاتجاه نحو التصعيد العسكري، أو التهديد باستخدام القوة، خرج السيسي نفسه لينتقد ذلك، وليقول للمصريين “اطمئنوا، هو أنا عمري ضيعتكوا”، وطبل إعلامه بالمانشيتات “خلاص السيسي حلها” وغيرها من التراهات والأكاذيب والخداع، الذي طعن الأمن القومي في مقتل.
وإلى الآن، ما زالت بيانات وزارة الخارجية المصرية، تؤكد أن مصر تتابع بشكل حثيث كل التحركات في منطقة القرن الأفريقي، ولا سيما الوضع في الصومال، وخطة إثيوبيا لبناء قاعدة بحرية في منطقة أرض الصومال (صوماليلاند غير المعترف بها)، وتتحسب لجميع السيناريوهات المحتملة للأزمة.
ولعل المثير في الأمر والغريب، هو موقف دولة الإمارات ، التي تساعد أثيوبيا ببناء السد، ثم تقوم حاليا بمساعدتها في بناء القاعدة البحرية على البحر الأحمر، على الرغم من تضرر مصر منها، وبالرغم من ذلك يقدم لها السيسي أراضي مصر ومصانعها وشركاتها وأصولها الاقتصادية، برخص التراب ، لتقيم عليها مشاريعها وتحقق أرباحا خيالية، في رأس الحكمة أو مصانع الأسمدة والبتروكيماويات والأدوية والمستشفيات الخاصة.
وساعدت الإمارات أثيوبيا عبر وساطة قامت بها مع صومالي لاند، مستغلين قربها من حكومة صوماليلاند، إذ تقدم لها الكثير من الخدمات الأمنية والعسكرية.
وكانت الإمارات بدأت في عام 2017 إنشاء قاعدة في موقع بمطار مدينة بربرة في الإقليم، وسُمح لها بالبقاء فيها مدة ثلاثين عاما.
وبحسب خبراء العلوم السياسية، فإن وجود قاعدة تجارية أو عسكرية إثيوبية في صوماليلاند يشكل تهديدا صريحا، وفرض نفوذ بالقوة من الجانب الإثيوبي، وهو جزء من دعم غربي له، وهذا التوسع يقلق مصر وإريتريا والصومال وجيبوتي، مع الأخذ في الاعتبار المواقف العدائية تجاه مصر، ومحاولة الإضرار بأمنها المائي، من قبل أثيوبيا.
ويمثل وجود قاعدة عسكرية إثيوبية على البحر الأحمر تهديدا للأمن الملاحي فيه، لأنها علاقة صراعية وغير تعاونية، فوصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر في هذا الوقت الذي يشهد فيه باب المندب توترا شديدا بسبب ما يفعله الحوثيون باليمن، وفي ضوء سلوكيات إثيوبيا الصراعية في منطقة القرن الأفريقي وسد النهضة.
كما أن شراكة أديس أبابا في إقليم انفصالي غير معترف به قد فتحت الباب إلى مزيد من الصراعات في منطقة القرن الأفريقي بشكل عام، وتشكل خطرا على مصالح مصر الملاحية في هذه المنطقة الملتهبة.
ويرى أساتذة علوم سياسية ومختصون بالشأن الأفريقي، أن هناك عدة مسارات يمكن من خلالها أن تدعم مصر الصومال، منها ؛ دبلوماسي، عبر تحريك الجامعة العربية واستخدام نفوذها داخل الاتحاد الأفريقي، وفي الأروقة الأممية والدولية والإقليمية، للتأثير على مواقف القوى الكبرى والفاعلين المعنيين في أمن المنطقة واستقرارها، بما يرفع مخاوفهم ومحاذيرهم إزاء الخطوة الإثيوبية.
والثاني قانوني، عبر تسخير خبرتها في هذا الجانب بما في ذلك عبر محكمة العدل الدولية، والثالث قد يكون على شكل تقديم المزيد من التدريب والتسليح للجيش الصومالي، إلى جانب ممارسة ضغوط على صوماليلاند لوقف مثل هذا الاتفاق، ومساندة ودعم الصومال في عدم الاعتراف بهذا الاتفاق من ناحية أخرى.
من جهته، يقول المساعد السابق لوزير الخارجية المصري السفير رخا أحمد حسن، في حديث للصحافة العربية، ، إن “مسألة إقامة إثيوبيا قاعدة عسكرية في ميناء بصوماليلاند وحق استخدام نحو 20 كيلومترا من الميناء لأغراض تجارية وعسكرية بحرية، بالاتفاق مع حكومة الإقليم متخطية الحكومة الاتحادية في مقديشو، مسألة بالغة التعقيد”.
ويضيف حسن أن “الحكومة الاتحادية في مقديشو في غنى عن الدخول في مواجهة عسكرية مع إقليم صوماليلاند أو مع إثيوبيا، لظروفها الاقتصادية والأمنية، رغم أنها صاحبة السيادة والحق في قبول أو الاعتراض على ما أقدمت عليه إثيوبيا، وقد يكون تفكير حكومة الصومال الاتحادية الآن هو التوصل إلى تفاهمات مرضية لها مع إقليم صوماليلاند من ناحية، ومع إثيوبيا من ناحية أخرى، واحتواء الموقف بأن يصبح الاتفاق على استئجار إثيوبيا الميناء اتفاقا ثلاثيا، وأن تتوافق إثيوبيا مع الحكومة الاتحادية الصومالية تجنبا لإشعال صراع آخر في القرن الأفريقي”.
والغريب أن تراجع لدور المصري في القارة الأفريقية، منذ انقلاب 2013 ، فتح المجال واسعا لأثيوبيا، للتتمدد في الفراغ الأفريقي، والذي يعد امتدادا طبيعيا للأمن القومي المصري.
وهو ما يحتاج إعادة نظر في مسار العلاقات المصرية، وبناء تحالفات أقوى لتحقيق المصلحة المصرية، إلا أن النظام الأمني الحاكم لمصر، لا يفهم في الدبلوماسية أو الشئون السياسية، علاوة على رخاوة مواقفه السابقة من سد النهضة، ما يشجع أثيوبيا على المزيد من توجيه اللطمات لمصر في القارة الأفريقية وفي البحر الأحمر، والذي يمثل مسار تجاريا عالميا بالمنطقة، تستفيد منه قناة السويس، التي تدر على مصر سنويا نحو 9 مليار دولار، خسرت مصر أكثر من نصفهم مؤخرا ، بسبب الحرب على غزة، ومع إقامة الصومال لقاعدتها العسكرية بالبحر الأحمر، من المحتمل أن تتفاقم أزمات الملاحة الإقليمية وتخسر مصر المزيد من دخلها لقومي، ودورها الأقليمي أيضا في ظل نظام عسكري غاشم على الداخل أمام كل دول العالم.