عنوان ا
في مشهد صادم لكل مسيحي ومصري، بدت كلمات القيادة الدينية المسيحية الأكبر بمصر، تواضروس، في حواره مؤخرا، قبل ذكرى نكسة 30 يونيو، متفاخرا بدوره في التحريض بالكذب على الرئيس الشهيد محمد مرسي.
وساق تواضروس الأكاذيب في حديث لإحدى القنوات التابعة للأجهزة الأمنية المصرية قبل أيام، كشف البابا ما كان يخفيه من قبل، مثل حالة الفرح الشديد بتسرب أنباء فوز الفريق أحمد شفيق في الانتخابات الرئاسية عام 2012، التي انقلبت بعد دقائق قليلة إلى حالة حزن وبكاء وعويل بعد التأكد من فوز الدكتور محمد مرسي، ثم جملة من الانطباعات السلبية التي رسمها عن الرئيس مرسي عبر لقاءاته واتصالاته معه، عقب توليه رئاسة الجمهورية ورئاسة تواضروس للكنيسة، وادعائه أن مصر كانت تُسرق من أهلها بوصول مرسي إلى الرئاسة، وأن كلام مرسي الشفهي لا يعكس ما في قلبه، وكأنّ البابا شق عن صدر الرئيس فعلم ما يدور داخله.
تحريض على الانقلاب
واعترف البابا أنه كان داعما للانقلاب على مرسي، ليس فقط بحضوره مشهد الانقلاب يوم 3 يوليو 2013 بل قبل ذلك؛ حين زارته كاترين أشتون، مفوضة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي على رأس وفد أوروبي رفيع، التي حدثته أن مرسي رئيس منتخب، فكيف تناهضونه وتريدون عزله؟ ولكنه رد عليها ردودا لم تقنعها عن مبررات الخروج على مرسي، فراح يردد أمامها جملة من الأكاذيب التي انتشرت في ذلك الوقت، ومنها أن مرسي باع حلايب وشلاتين للسودان، وأنه يستعد لبيع سيناء، وقد يبيع القاهرة نفسها.
والغريب أنه بعد 10 سنوات من حكم الانقلاب والسيطرة على كل مصر، لم يخرج تواضروس ولا السيسي وثيقة واحدة، تؤكد ما كان يردده السيسي وإعلامه وتواضروس بأن مرسي باع حلايب وشلاتين، والغريب أن السيسي نفسه هو من يبيع مصر بالقطعة حاليا، دون أن يعترض تواضروس أو أي من أركان الكنيسة، كما باع تيران وصنافير وفرط في رأس الحكمة ومصانع وشركات مصر الرابحة للإماراتيين والإسرائيليين، بل يفرط في سيناء عبر مشاريع صفقة القرن، وغيرها من مشاريع مشبوهة.
علاقة مرسي بالأقباط
وتكشف مواقف تواضروس العنصرية من الرئيس مرسي، حجم الأكاذيب والتحريض ضد الوطن وقياداته، من أجل التقرب للعسكر، الذين لا يملكون سوى المؤامرات والإدارة بالخيانة لكل مصر.
فمن أجل أن يوافق السيسي بالتليفون على بناء الكنائس غير المرخصة، لعب تواضروس والأقباط أدوارا مشوبة بالخيانة، وكانوا عماد مسرحية الانقلاب المشئوم على مصر والمصريين.
وعلى عكس موقف تواضروس والكنيسة، جاء موقف مرسي وحكومته من الأقباط، بشكل متوازن ووطني قويم لا انحياز ولا عنصرية فيه، فمن المفارقات أن من عيّن تواضروس بابا للأقباط هو الرئيس مرسي، وذلك بعد إجراءات القرعة الهيكلية داخل الكنيسة، وسيظل توقيع مرسي على قرار تعيين البابا مسجلا غير قابل للمحو إلى يوم الدين، وإذا كان البابا يستحيي من هذا التوقيع، فعليه أن يعد كل إجراءات تنصيبه لاغية، ويعيدها ليقوم السيسي بالتوقيع عليها، لكنه حتما لن يفعل ذلك.
لم يكتف مرسي بتوقيع قرار تعيين تواضروس وهو إجراء بروتوكولي، بل إنه هنأه على اختياره، واستقبله في القصر الرئاسي مع وفد كنسي، وحاول تقديم رسائل طمأنة للمسيحيين من خلاله، وهي الرسائل التي ادعى البابا في حديثه الأخير، أنه لم يكن يصدقها، لأنها ليست نابعة من القلب، وحرص مرسي لاحقا على استشارة الكنيسة في تعيينات الأقباط في الوزارة، أو مجلس الشورى، أو بعض الهيئات الأخرى، ولكن كل ذلك لم يشفع لمرسي.
يشار إلى أنه بعد ثورة 25 يناير، حرص الإخوان على التواصل مع الكنيسة المصرية، طلبا لحوار معها حول هموم وهواجس الإخوان، وذلك عبرالأنبا موسى، أسقف الشباب، وتم نقل طلب الإخوان إلى البابا شنودة في ذلك الوقت، ثم رد بأن البابا سيعرض الطلب على مجلس كنسي مشترك مع الطوائف المسيحية الأخرى، ثم لم يأت رد بعد ذلك.
فكان البديل لذلك هو حوار مع الأقباط خارج الكنيسة، عبر مسارين أحدهما شبابي بين شباب الإخوان والشباب القبطي، وقد تمت منه عدة جولات في مكتب الإرشاد ومكتب المهندس خيرت الشاطر، نائب مرشد الجماعة، وبعض الجمعيات المسيحية، ومسار آخر مع شخصيات مسيحية مدنية، وقد عقدت بعض جلساته في نقابة الصحفيين المصرية، وهي حوارات لم تستمر طويلا، لكنها أسست لعلاقة انفتاح بين الطرفين، وبنت قدرا من الثقة، وعبر خلالها الأقباط عن مخاوفهم، وتم التعاطي الإيجابي معها.
وعقب وفاة البابا شنودة في مارس 2011 توجه الدكتور مرسي بصفته رئيس حزب الحرية والعدالة على رأس من قيادات الحزب؛ ضم نائب رئيس الحزب الدكتور عصام العريان، وحسين إبراهيم، زعيم الأغلبية في البرلمان، والمهندس سعد الحسيني، رئيس لجنة الخطة والموازنة في البرلمان؛ إلى مقر الكاتدرائية لأداء واجب العزاء.
حين وصل مرسي إلى الحكم، كأول رئيس مدني عبر صندوق الانتخابات ـ وهو ما أحزن الأقباط بتعبير البابا ـ حرص على اختيار مسيحي لأول مرة كمساعد لرئيس الجمهورية، وهو المهندس سمير مرقس، صحيح أن شخصيات مسيحية تولت مناصب مثل رئاسة الحكومة أو البرلمان في العهد الملكي، ولكنها لم تتجاوز وزارات الدرجة الثانية في العهد الجمهوري، فكان منصب مساعد رئيس الجمهورية، هو الأرفع لشخصية مسيحية منذ 80 عاما على الأقل (تولى بطرس غالي الجد منصب رئيس الوزراء في 1908-1910 وتولى ويصا واصف منصب رئيس البرلمان في 1928).
كان سمير مرقس من المثقفين الأقباط غير الطائفيين، وشارك مع بعض المثقفين الأقباط الآخرين في بناء جسور تواصل حقيقية مع مثقفين ونخب إسلامية، ساهمت في خفض التوترات الطائفية.
وكانت مواقفه (سمير مرقس) الوطنية هي التي أهلته لمنصب مساعد الرئيس لأول مرة، وكان مكلفا ببعض الملفات الرئاسية، لكنه غادر الرئاسة مع احتدام الأزمة السياسية، بعد الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي أواخرنوفمبر 2012، لتحصين الجمعية التأسيسية للدستور حتى تنجز مهمتها.
وإلى جانب سمير مرقس، فقد اختار مرسي ضمن مستشاريه أيضا الدكتور رفيق حبيب، الذي كان نائبا لرئيس حزب الحرية والعدالة، ثم كان هو الرئيس الأخير للحزب بعد الانقلاب، والغريب أن سمير مرقس اعترف “بعظمة لسانه” أنه تحرك في الشأن القبطي دون علم الرئاسة التي منحته ثقتها، حيث أكد في حديث تلفزيوني، أنه وقع على وثيقة تجليس البابا تواضروس بطلب من الكنيسة ودون إبلاغ الرئاسة؛ خشية تأخر أو امتناع الرئيس مرسي عن التوقيع.
يكرر قادة الكنيسة بدءا من البابا تواضروس أسطوانة أن مرسي لم يزر الكنيسة لتهنئتهم في عيد الميلاد أو عيد القيامة، وهذا صحيح، لكن ما لا يذكره هؤلاء أنه لم يسبق مرسي أحد من الرؤساء السابقين إلى هذا التقليد، فلا الرئيس محمد نجيب ولا عبد الناصر ولا السادات ولا مبارك شارك في قداس عيد الميلاد، بل كان التقليد دوما هو إرسال مندوب من رئاسة الجمهورية، وأحيانا يكون أحد الوزراء المسيحيين، ومع ذلك فقد أرسل الرئيس مرسي رئيس وزرائه هشام قنديل إلى الكاتدرائية للمشاركة في حفل التجليس، وهنأ مرسي البابا الجديد، وقد زعم البابا أن التهنئة لم تكن من القلب، واستقبله مع وفد من كبار رجال الكنيسة بعد أيام من تجليسه كما ذكر تواضروس بنفسه، الذي أوضح أن الزيارة كانت لشكر الرئيس من ناحية ولتعزيته في وفاة أخته من ناحية ثانية.
وحين تعرضت الكنيسة للاعتداء عقب أحداث منطقة الخصوص، أمر الرئيس مرسي بتشكيل لجنة تحقيق، وقال: إن “الاعتداء على الكنيسة اعتداء عليه شخصيا” وهنا نشير إلى ما قاله البابا في تصريحاته الأخيرة؛ أنه اتهم علنا خلال تلك الأحداث الرئاسة بالتواطؤ، وهو اتهام خطير لكنه لم يحدث، وما حدث بالفعل وسجلته وسائل الإعلام جميعا التي نقلت تصريحات البابا، هو الاتهام بالتقصير في مواجهة المعتدين، وفارق كبير بين التقصير والتواطؤ، وفي كل الحالات فإن تلك مسؤولية وزارة الداخلية، التي ثبت أنها لم تكن مخلصة للرئيس مرسي.
عشق الحكم العسكري
عن زيارته الأولى للرئيس مرسي لشكره على إصدار قرار تعيين البابا، زعم تواضروس أنه لم يكن مقتنعا بالرئيس مرسي من حيث الفكر أو حركة الجسد، وأنه لم ير هيبة المنصب التي كان يراها في مبارك والسادات وعبد الناصر، وأنه خرج بانطباع أن مصر كانت تستحق ما هو أفضل، وبهذا الانطباع يؤكد البابا عشقه للحكم العسكري وبطشه الذي يعتبره هيبة، وليس للحكم المدني وسماحته التي يعدها غيابا للهيبة.
كما يدعي البابا أنه استقبل السفير رفاعة الطهطاوي، رئيس ديوان الرئاسة، بعد شهرين أو ثلاثة من جلوسه على كرسي البابوية، وأن طهطاوي طلب منه زيارة الرئيس مرسي لالتقاط بعض الصور معه؛ بهدف تخفيف الاحتقان الطائفي، وأنه رفض ذلك، وهذا كلام لا يصدقه عقل، فلا السفير رفاعة يمكن أن يطلب طلبا كهذا، ولا البابا يمكن أن يرفض الطلب حال حدوثه، ولو كان السفير الطهطاوي حرا طليقا، لقدم روايته الحقيقية لهذا الحدث.
من غرائب ما ذكره البابا في حديثه، هو شكواه للرئيس مرسي بأن سيدة مسيحية اتهمت بازدراء الأديان، وحكم عليها القضاء بغرامة 100 ألف جنيه، بينما حكم القضاء على مسلم في تهمة مماثلة بغرامة 3 آلاف جنيه، وأن مرسي عرض عليه تحمل الرئاسة لغرامة السيدة المسيحية، وقد سخر البابا من هذا الرد الذي اعتبره مفتقدا للياقة، والحقيقة أن ما عرضه البابا هو الذي يفتقد إلى اللياقة، إذ ليس من حق مرسي أن يتدخل في أحكام القضاء، وكان يمكن للكنيسة عبر محامي السيدة التقدم بشكوى للمجلس الأعلى للقضاء حول تلك الواقعة، وليس إلى رئاسة الجمهورية التي حاولت المساعدة في الحل بما تستطيع.
لم يخف البابا تواضروس إذن كراهيته للرئيس محمد مرسي قبل وبعد انتخابه، ولم يتقبل محاولات الرئيس لطمأنته، ولم يخف أنه كان الأكثر حماسا لإتمام الانقلاب عليه، وذلك في الجلسة التي سبقت إعلان بيان الانقلاب يوم 3 يوليو 2013، حيث استدعت وزارة الدفاع عدة شخصيات للتشاور، فكان منهم من أبدى ترددا أو مخاوف من عواقب الانقلاب، لكنه هو لم يتردد للحظة واحدة كما ذكر في حديثه الأخير، متجاهلا أن موقفه ذاك مع مواقفه اللاحقة ساهم في زيادة الاحتقان الطائفي.
وإجمالا فإن حديث تواضروس الطائفي الذي يزيد من العداوات والانقسام المجتمعي المصري، يمكن توصيفه وتسكينه في دائرة الخيانة الوطنية والتحريض ضد رئيس الدولة، وإثارة مخاوف الأوروبيين وإيصالهم رسائل للتدخل ضد مرسي والانقلاب في مصر، كما أن تواضروس قد وقع في خانة الوقاحة بالحديث الكذب والسب لشخص فارق الحياة لا يستطيع الرد، ومؤيدوه أسرى السجون والمنافي، وكان الأجدى به أن يحفظ لسانه عن الوقوع في الكذب في شخص رئيس ظلم ومات محبوسا، بعد انقلاب دموي جائر عليه، إلا أن الكنيسة والأقباط باتوا في موقع لا يمكن وصفه إلا بالمزري ، وعليهم الرد على تصريحات قسهم الأعظم المتنافية مع الأخلاق والوطنية أساسا، والتي يبدو أن لها ثمنا آخر، يريده تواضروس من السيسي ونظامه العسكري، الذي يتلذذ في تملقه، طاعنا كل مسيحي شريف في دينه وأخلاقه، فهل سترد الكنيسة ؟.