اللاعب أحمد رفعت ضحية القهر العسكري من “طلائع الجيش” و”مستقبل وطن” سطوة الجيش على الرياضة المصرية

- ‎فيتقارير

 

 

على طريقة وزير الدفاع والحربية بزمن جمال عبد الناصر، عبد الحكيم عامر، الذي كان مولعا بالتدخل العسكري في الرياضة المصرية، وإدارته نادي الزمالك، عبر أخيه المهندس حسن عامر، لدرجة وصلت تهديد الحكام والتلاعب بالقرعة لصالح النادي، ومعاقبة اللاعبين الذين يحرزون أهدافا في نادي الزمالك، وغير ذلك من التدخلات السمجة والقسرية في الرياضة المصرية، يواصل الجيش الانقلابي ممارسة نفس الدور بشراسة منقطعة النظير، عبر أندية الجيش في جميع الرياضات، ومنها كرة القدم، والتي كان أحد نتائجها مقتل الشاب الذي لم يبلغ الثلاثين من عمره أحمد رفعت مقهورا،  وقد استخدم نادي طلائع الجيش، سلاح التجنيد الإجباري لضم اللاعبين عنوة من الأندية المصرية، كأحمد رفعت وميدو جابر وغيرهم الكثير.

 

ومؤخرا، توفي لاعب نادي مودرن سبورت ومنتخب مصر أحمد رفعت عن عمر يناهز الـ31 عاما، إثر تعرضه لأزمة صحية مفاجئة، رغم خروجه من المستشفى في شهر إبريل الماضي، وظهوره إعلاميا منذ أيام، واستمراره في البرنامج العلاجي.

 

ووجه لاعبون ومدربون وأسرة اللاعب الاتهامات ضد مسؤولي أندية مودن سبورت وفيوتشر وطلائع الجيش، كما شملت الاتهامات عضو مجلس النواب ورئيس رابطة الأندية المصرية أحمد دياب مدير شركة المستقبل للرياضة، والتي أسسها حزب مستقبل وطن، والتي تدير نادي فيوتشر، ومسؤول بجهة سيادية أيضا، بصفتهم مسبّبي  الأزمة الصحية التي تعرض لها أحمد رفعت، وأدت إلى سقوطه في إحدى مباريات الدوري المصري في مارس الماضي.

 

اتهامات  

وكانت عدة بلاغات قُدمت للنائب العام للتحقيق في وفاة اللاعب، وأجمعت البلاغات على طلب استدعاء كل من هيثم عرابي المدير التنفيذي لنادي مودرن سبورت، ونادر شوقي وكيل اللاعبين، من النيابة العامة لسماع أقوالهما حول الواقعة، كونهما كانا شاهدي عيان عليها، ثم توجيه اتهام مباشر بارتكاب جريمة أفضت إلى موت شخص وأنهت حياته، لكل من يثبت أنه تورط في الواقعة التي نتج عنها مضاعفات الأزمة القلبية التي تعرض لها على أرض الملعب.

وتضمنت البلاغات أن اللاعب أحمد رفعت تعرض للتهديد والوعيد وضغوط نفسية شديدة، من خلال تهديده بحكم السجن ستة أشهر في قضية خاصة بالهروب من التجنيد، إذا لم يستجب للانضمام إلى نادي طلائع الجيش، وتم الضغط عليه نفسيا وإرهابه، ما سبب له أزمة صحية.

 

فيما طالب نادر شوقي وكيل ومدير أعمال اللاعب بمحاسبة أحمد دياب، رئيس رابطة الأندية المحترفة ورئيس نادي مودرن سبورت السابق، وأي مسؤول سبّب الأزمة الصحية التي تعرض لها نجم مودرن سبورت السابق، وكانت سببا في وفاته.

وقال نادر شوقي في تصريحات متلفزة: “بداية مشكلة أحمد رفعت كانت عندما أُعير إلى نادي الوحدة الإماراتي ليخوض تجربة الإعارة، ولكن لم يكن يحق لأحمد رفعت وقتها الخروج بسبب تجنيده في القوات المسلحة المصرية، وقيل له إن التصاريح جرى استخراجها بالفعل، ولهذا سافر، وتألق في أول شهرين ثم تراجع مستواه بعد معرفته بالأزمة ولم يستكمل العقد لنهايته، وفسخ نادي الوحدة عقده لعدم التركيز.

وقال شقيق اللاعب محمد رفعت: “اسألوا أحمد دياب رئيس رابطة الأندية المحترفة، ماذا فعل في أحمد رفعت؟”.

 

الكرة والجيش ومحطات النهاية 

وتعود تفاصيل النهاية أن اللاعب ،  يوم  11 مارس الماضي، حيث سقط أحمد رفعت، 31 عاما، على أرض الملعب خلال الدقائق الأخيرة من مباراة فريقه فيوتشر (تغير اسمه قبل أيام إلى مودرن سبورت) أمام نادي الاتحاد بالإسكندرية، ونقل إلى المستشفى، حيث تعرض لتوقف عضلة القلب لمدة تصل إلى حوالي ساعتين، قبل أن تكتب له النجاة.

بعدها، وعقب تعافيه، خرج رفعت في مقابلة تلفزيونية، مؤكدا أن ما حدث له كان نتيجة ضغوط عصبية، وتعرضه لأذى نفسي، من شخص يتمتع بنفوذ كبير.

 

ثم جاء الإعلان المفاجئ عن وفاة رفعت، صباح السبت، ليحدث صدمة لدى جماهير كرة القدم في مصر، مما أدى إلى تفجر الجدل عن المتسبب في أزمة اللاعب، وما حدث له حتى وفاته.

 

ويرى الناقد الرياضي محمد البنهاوي في تصريحات صحفية، أن ما حدث لرفعت، يبدو واضحا أنه نتيجة ظلم وقهر وضغوط نفسية مارسها عليه مسؤول عن الرياضة، وقد أخطره الأطباء أن تلك الضغوط كانت أهم أسباب توقف قلبه والانتكاسة الصحية التي حدثت له داخل المستطيل الأخضر.

 

وأضاف البنهاوي: “لا نحتاج للبحث كثيرا في ملابسات وأسباب وفاة رفعت في تلك السن مبكرة، خاصة بعدما أفاق من غيبوبته الطويلة، واستعاد وعيه كاملا لمدة تزيد عن 3 أشهر خرج خلالها على شاشة التلفزيون ليحكي بنفسه، ويمنحنا خيوطا تقربنا من الحقيقة”.

 

وأضاف أن رفعت تعرض لظروف قاسية للغاية، إذ إنه، حسب رواية وكيله، لم يستطع جمع أموال ذات قيمة من كرة القدم طوال مشواره، وتركز أمله الوحيد على فترة احترافه في الوحدة الإماراتي، ولكن هذا الحلم تبخر، بسبب عدم استخراج ناديه تصاريح التجنيد الخاصة باللاعب بشكل صحيح، ليتمكن من السفر للاحتراف الخارجي”.

 

ويرى البنهاوي أن همّ إدارة نادي فيوتشر السابقة كان جني المقابل المادي من احتراف اللاعب ولم تهتم بما سيحدث له، ليفسخ الوحدة تعاقده سريعا معه، ويعود إلى مصر ليجد نفسه متهما بالتهرب من التجنيد، ليختفي عن الأنظار فترة طويلة قاربت 6 أشهر، وهو ما أدخله في حالة اكتئاب شديد وأثر على نفسيته”.

وبدأت  المأساة مع طلب استدعاء أحمد رفعت للتجنيد عام 2021 أثناء لعبه للنادي المصري، وهو ما كان سيضطره للانتقال إلى نادي طلائع الجيش التابع للقوات المسلحة، لكن النادي المصري نجح في تسوية الأمر مع نادي طلائع الجيش، من خلال انتقال اثنين من لاعبي المصري إلى طلائع الجيش، مع بقاء رفعت في النادي المصري.

 

لاحقا، انتقل رفعت إلى نادي فيوتشر الذي أسسته مجموعة من قيادات حزب “مستقبل وطن” على رأسهم النائب بالبرلمان أحمد دياب، ووقتها انضم رفعت إلى منتخب مصر وتألق في البطولة العربية كما هو معروف، وأصبح في دائرة الأضواء.

وفي أكتوبر 2022، تلقى فيوتشر عرضا من الوحدة الإماراتي لاستعارة اللاعب لموسم واحد مقابل 29 مليون جنيه مصري، بحسب ما نقلت وسائل إعلام وقتها، أو 500 ألف دولار مثلما قال وكيله نادر شوقي في مقابلة تلفزيونية مساء السبت.

 

وقتها كان رفعت في غانا لخوض مباراة أفريقية مع فيوتشر، وتلقى رسالة من رئيس شركة الكرة  بالنادي أحمد دياب، للتوجه مباشرة إلى الإمارات، دون العودة إلى مصر.

ووفقا لتصريحات وكيل اللاعب، في مقابلة تلفزيونية، السبت الماضي، فإن رفعت كان يريد الالتزام بالقانون وعدم السفر إلا بتصريح من القوات المسلحة، طالما هو على ذمة التجنيد، لكن دياب وعده بأنه سيحل المشكلة.

وبعد ذلك بشهرين شعر رفعت بقلق شديد باعتبار أن ما حدث له غير قانوني، لأنه لم يتم استصدار تصريح من القوات المسلحة بالبقاء لمدة طويلة في الخارج، وفسخ تعاقده بالتراضي مع نادي الوحدة، وعاد إلى مصر في يناير 2023، لكنه عاد ليجد نفسه متهما بالتهرب من التجنيد ليتم لاحقا القبض عليه، وهو ما أثر عليه نفسيا بشكل كبير.

 

والسبت الماضي، تبادل دياب التعليقات مع المتحدث الرسمي لوزارة الرياضة على الهواء ببرنامج بث على قناة “ام بي سي مصر” إذ قال دياب إن سفر اللاعب للإمارات جاء بناء على قرار وزاري، فيما أكد المتحدث الرسمي للوزارة، محمد الشاذلي، أن إجراءات سفر اللاعب واستخراج تصريح التجنيد مسؤولية النادي، وليس الوزارة.

 

ووفق دوائر رياضية، فإن قصة رحيل رفعت، على مرارتها، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إذا لم يتم إصلاح المنظومة الكروية ، اذ أن مسألة ضغط نادي طلائع الجيش التابع للقوات المسلحة لانتقال لاعبين له، حتى قضاء فترة التجنيد، حالة متكررة جدا في مصر حدثت مع أكثر من لاعبين مثل عمرو جمال، وميدو جابر، ومحمد رزق وغيرهم، بل إن قائد المنتخب الحالي ، نجم نادي ليفربول الإنجليزي محمد صلاح نفسه واجه مشكلة مشابهة بمسألة التجنيد في 2014 حين كان يلعب لتشلسي، لم تحل سوى بتدخل رسمي من إبراهيم محلب، رئيس الوزراء وقتها.

 

كما تكرر نفس الموقف مع لاعب الزمالك أحمد توفيق الذي تم استدعاؤه للتجنيد بعد تهديد من رئيس نادي الزمالك السابق مرتضى منصور بعد توجيهه سيل من الإهانات للاعب على خلفية أدائه في إحدى المباريات، ليختفي اللاعب ويظهر بعدها بأيام في مقطع فيديو معتذرا لمرتضى منصور وشاكرا له حله لمشكلة التجنيد.

يشار إلى أن اسم أحمد دياب  ظهر على السطح عام 2020 بصفته رجل أعمال يترأس شركة الصعيد للصلب ويملك مؤسسة فيوتشر أوتوموتيف، وتم ترشيحه من قبل حزب “مستقبل وطن” القريب من الأجهزة الأمنية في انتخابات مجلس الشيوخ عن محافظة الجيزة، وفي سبتمبر 2021، ظهر اسم دياب بشكل مفاجئ في عالم كرة القدم، إذ تأسست شركة “فيوتشر للاستثمار الرياضي” من قبل قيادات في حزب مستقبل وطن واستحوذت على نادي “كوكاكولا” الصاعد للدوري، وغيرت اسمه لنادي فيوتشر، وبات دياب مسؤولا نافذا بالنادي.

بعدها تحول دياب لرئاسة رابطة الأندية، وأهم شخص في منظومة الكرة في مصر.

وهكذا  تتحول كرة القدم إلى محاصصة بين الأجهزة والهيئات السيادية، والجيش،  كما تتحول وسائل الإعلام الرياضي، إلى لجان إلكترونية يدافع بعضها عن النظام والأجهزة والوزارة.