إثر الظروف المعيشة الصعبة وانتشار الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة ، تزايدت ظواهر سلبية عديدة بالمجتمع المصري، في مقدمتها السرقة والتسول.
وأصبحت يوميات المواطنين كلها تدور حول البحث عن عمل، أو مال كافٍ، أو سلع رخيصة الثمن، وعن حياة أكثر تقشفا وزهدا، وأكثر تكيُّفًا مع سياسات القمع والإفقار التي يمارستها السيسي.
ومن ثم انتشرت في الآونة الأخيرة حالة انهزام جماعية، يأس وضجر وعدوانية ترسّخت في أجساد وأرواح وأحاديث جزء كبير من الشعب المصري.
وبات أغلب الشباب بين الإحباط من واقعهم الحالي، وبين التفكير باللهجرة التي باتت صعبة المنال، أو تدبير معيشتهم بالتحايل أو أي طريقة خارجة عن القانون والعقل والرشد.
وبسبب الغلاء والفقر وانهيار قيمة العملة، اضطر كثير الكثير منهم للجوء إلى أعمال غير قانونية، كالسرقة والتسول والخطف أو السلب او السرقة بالإكراه أو التحايل .
تحت شعار هندفع منين؟
ومن ضمن الظوار السلبية، انتشرت سرقة التيار الكهربائي ، والغريب أن السرقة لم تكن من أجل النهب بل جاءت تحت صعوبات توفير المال لسداد الفواتير، التي تأتي مبالغ فيها بدرجة معجزة للمواطن العادي ، وبات “هندفع منين؟” جملة تتردد على ألسنة الجميع، وسؤالا محيرا ، للغالبية العظمي من المصريين.
وولمواجهة «سرقة الكهرباء»، جاءت قرارات السيسي ونظامه، بلا رحمة ولا شفقة، وتجمع بين أكثر من عقوبة لجريمة واحدة، بالمخالفة للدستور.
فبجانب تشديد العقوبة المالية، قرر السيسي إلغاء الدعم التمويني عن المخالفين، ضمن حزمة من الإجراءات الأخرى.
وعدّ خبراء الإجراءات الحكومية «أنها لن تردع بسبب أن معظم السرقات لم تكن بغرض السرقة، ولكن كانت بسبب العوزة وقلة الحيلة»؛ مضيفين «إن الإشكالية ليست في تشديد العقوبات، لكن في إصلاح الوضع الاقتصادي ودعم هؤلاء الفقراء”.
ورغم أن شركات الكهرباء المصرية، نشرت قوائم بأسماء مواطنين جرى تحرير محاضر سرقة التيار الكهربائي بحقهم، لتقديمها لوزارة التموين المصرية، لتنفيذ قرار مجلس الوزراء المصري بـ«رفع الدعم التمويني عنهم». ووفقا لوسائل إعلام محلية، السبت، نقلا عن مصادر مسؤولة بوزارة الكهرباء، فإن قائمة المخالفين «ضمت نحو 500 ألف مواطن، بوصفها مرحلة أولى، وتتبعها كشوف أخرى بمن يتم ضبطهم».
انتشار التسول
كما انتشر المتسولون في الشوارع والمتنزهات وأمام المحلات والمطاعم، ومنهم من يدق أبواب المنازل يبحثون عن أي مساعدة، ويلحون في السؤال من أجل الرأفة والعطف عليهم، ولو أطلقت العنان قليلا ستجد أن أغلبية هؤلاء المتسولين من عامة الناس الذين تأثروا بالواقع المرير الذي يعيشه معظم المصريين في زمن السيسي.
وتشهد مصر انتشارا ملحوظا لظاهرة التسول في مختلف المحافظات، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها هؤلاء المواطنون، ولا تخلو أي منطقة في مصر من مظاهر التسول، وهو ما يعكس ارتفاع حالات الفقر بين أهلها، وعدم قدرة سلطات الانقلاب على إيجاد حلول اقتصادية لهم سوى الاقتراض وزيادة الأسعار، ليزدادوا فقرا وجوعا.
ويعد التسوّل في مصر من أكثر الظواهر الاجتماعية خطورة؛ بسبب كثرة المتسوّلين الذين أصبحت أعدادهم بالآلاف، لا سيما بعد الأزمات الإقتصادية التي تشهدها البلاد.
لا توجد إحصائيات رسمية عن عدد المتسولين، غير أن بعض الدراسات تذهب إلى أن يكون عدد المتسولين في مصر نحو 1.5 مليون متسول.
وأكدت الدراسة أن ارتفاع معدلات التسول بصورة مطردة كان نتيجة لاستمرار تدهور المستوى المعيشي لدى غالبية السكان، ولانتشار مشكلات الفقر والبطالة منذ الانقلاب العسكري .
وقد صنفت الدراسات المتسولين إلى فئتين تتمثل الفئة الأولى في المتسولين، بسبب الفقر الدائم وعدم القدرة على العمل وغياب مصادر الدخل الكافية.
انهيار الطبقة الوسطى
وتتمثل الفئة الثانية في المتسولين الموسميين، وهم من أفراد الطبقة المتوسطة الذين تدهورت أوضاعهم المالية خلال السنوات الأخيرة، نتيجة لانخفاض معدلات الدخل وانخفاض قيمة العملة المحلية، إضافة إلى تأثير البطالة وارتفاع نسبة الإعالة الاقتصادية والفساد المتفشي بالبلاد.
الخطف والإتجار في الأعضاء
والخطر الأكقر ثتمثل في اتجاه بعض المتسولين والعاطلين عن العمل، ومن يعانون الجوع والفقر إلى خطف الأطفال والنساء وتجارة الأعضاء، ليتخطى ذلك حيز الخفاء في مصر، وبات الأمر علنياً تتداوله شبكة الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي.
وأثار موقع إلكتروني، عُرف مؤخراً، يحمل اسم “سوق العرب”، ضجة كبيرة بمصر؛ إذ يتبنى بيع الأطفال، في حين أعلن المجلس القومي للطفولة والأمومة، التابع لوزارة الصحة والسكان، أنه توصَّل إلى أحد مرتكبي بيع الأطفال بمصر من خلاله.
ويعرض الموقع أطفالا للبيع، يتراوح سعرهم بين 30 ألف جنيه و200 ألف جنيه للطفل؛ يُحدِّد السعر كون الطفل المعروض ذكرا أو أنثى، وحسب الحالة الصحية ولون الشعر والعينين والبشرة، حاملا شعار “لدينا أطفال للبيع من كل الأعمار للراغبين في التبني والشراء”.
الأمر أحدث حالة من الرعب داخل المجتمع المصري، الذي يئنُّ بطبيعة الحال من انتشار خطف الأطفال واستخدامهم للتسول، والتجارة بهم وبأعضائهم.
من جانبه، يصف رئيس شبكة الدفاع عن أطفال مصر، أحمد مصيلحي، خطف الأطفال بـ”الظاهرة” في مصر.
وقال في حديثه لـصحيفة عربية: إن “نحكم على الأمر بكونه ظاهرة من عدمه عندما تكون منتشرة وبشكل منظم وبعدد ملحوظ”.
وذكر أن هناك عدة عوامل ساعدت على انتشار خطف الأطفال، منها: الفقر، وعدم ملاحقة المجرمين، والتغاضي عمّا يعانيه الأطفال من مشكلات؛ كالتسرب من التعليم وانتشار العنف الأسري والفساد، ومؤخرا بيع الأطفال وشراؤهم على صفحات التواصل الاجتماعي.
وشدد مصيلحي على أن “الفقر هو أحد أهم أسباب انهيار المجتمعات وانتشار الجريمة والإبداع فيها؛ لزيادة الدخل، فضلاً عن أن انهيار القيم، وعدم ملاحقة المتهمين، وعدم وجود عدالة ناجزة، وغياب منظومة حماية الأطفال من الخطف، أدت إلى انتشار الظاهرة”.
وأضاف أن “ضيق الأحوال المادية والفقر أسهم في انتشار بيع الأعضاء والتسول بالأطفال واستخدامهم في ارتكاب الجرائم”.
ولفت النظر إلى أن “أعداد الأطفال الذين يتعرضون للخطف أكبر من الأعداد التي تحصرها الإحصاءات الرسمية حيال القضية”، مؤكدا أن محافظة القاهرة هي الأولى في ظاهرة خطف الأطفال، تليها الإسكندرية ومحافظات الدلتا والصعيد.
وأشار مصيلحي إلى أن “مصر تعمل بسياسة الجُزُر المنعزلة، ولا بد من توحيد الجهود”، مشدداً بالقول إن “الأمر يحتاج لتدخُّل رئاسي؛ لحماية الأطفال بمصر ورعاية الطفولة، ويحتاج لإدارة غير حكومية للملف، سواء من المجتمع المدني أو القطاع الخاص”.
الجدير بالذكر أنه منذ 2015، لم تصدر أية أرقام رسمية حول خطف الأطفال بمصر.
وتُشير آخر إحصائية رسمية إلى أن عدد حالات خطف الأطفال في 2015 بلغ 4112 حالة، مقابل 1700 حالة في 2014.
ورغم كل تلك الأزمات المهددة لاستقرار المجتمع، تعطي الحكومة ظهرها للجميع ، وتتفنن في عقاب الفقراء وزيادة أعبائهم وأزماته، سواء بغرامات مبالغ فيها ورسوم وضرائب وحرمان من جنة الدعم التمويني، الزهيد بالأساس.