يذهب خبراء ومتخصصون في السياسة والاقتصاد، إلى أن إصرار نظام السيسي على بيع أصول الدولة المصرية من شركات حكومية وأراضي وعقارات، في وقت الأزمات التي تضرب المنطقة أو المحيط الجيوسياسي المصري، أو الأزمات الداخلية، يمثل إهدارا لمقدرات الشعب المصري وبيع الأصول بأسعار بخس.
وتتزايد مخاوف الاقتصاديين في مصر من تداعيات هرولة الحكومة إلى بيع الشركات العامة والعديد من الأصول في ظل الظروف الحالية، حيث تمر المنطقة بمنعطف خطير، إذ تلوح في الأفق حرب إقليمية بفعل العدوان الإسرائيلي غير المسبوق على لبنان، واستمرار تدمير غزة، ما يلقي بظلال سلبية قاتمة على اقتصاد مصر، ويؤثر سلبا في تقييم الأصول التي يحذر كثيرون من بيعها بأثمان بخسة.
يتهم خبراء في سوق المال الحكومة بتقييم الأصول دفتريا وبيعها، دون طرحها في البورصة أو الحصول على السعر العادل لقيمة أسهمها وفقاً للسوق، الأمر الذي تكرر عند بيع شركات لديها أصول رأسمالية هائلة، منها شركات في قطاعات الحديد والصلب والبتروكيماويات والفنادق التاريخية، ويخشى هؤلاء من توسع الحكومة في بيع شركات عامة مطروح بعضها في البورصة، بثمن بخس، لمستثمر استراتيجي، يخرجها من التداول فور إتمام صفقة البيع، ما يقلص حجم الشركات المتداولة، ويحرم المستثمرين المحليين والأجانب فرصة التعامل على أسهم جيدة، تدفعهم إلى البحث عن أسواق بديلة أكثر قوة في الخليج والبورصات الدولية.
وفي مواجهة فجوة تمويلية يقدّرها خبراء بنحو 40 مليار دولار بنهاية العام المالي الجاري 2024-2025 ، تسرع الحكومة نحو بيع الأصول العامة، لمواجهة أزمة ديون سيادية عميقة، أثرت في مناحي الأنشطة الاقتصادية، زادت حدتها، منذ عام 2022، مع تراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة، ونقص حاد في الواردات، وانهيار العملة، وارتفاع قياسي في معدلات التضخم فاق 40% في يونيو 2023.
ولدت الأزمة رغبة محمومة من الحكومة للحصول على الدولار، واعتمادها على الأموال الساخنة، المدفوعة بالزيادة الهائلة بالفائدة على أذون الخزانة والسندات، وشهادات الإيداع، مع تأثر الدولة بالمخاطر الجيوسياسية في المنطقة وارتفاع الفائدة على العملات الرئيسية.
مسلسل البيع
وأعدت الحكومة قائمة جديدة لبيع مساحات واسعة من الأراضي في رأس بناس ورأس جميلة على ساحل البحر الأحمر وأصول 35 شركة عامة، لم تطرح بعضها من قبل في برنامج “وثيقة ملكية الدولة” التي تعهدت بتنفيذها منذ عام 2018. تشمل القائمة بيع 20% من حصة المال العام في بنك الإسكندرية، لمؤسسة “انتيسا سان بالو” الإيطالية، المشتري لأصول البنك، وطرح “المصرف المتحد” في البورصة، عقب فشل صفقات الاستحواذ التي أجريت لصالح مستثمرين خليجيين، على مدار الأعوام الثلاثة الماضية.
كما منحت الحكومة كلاً من صندوق الاستثمار الإقليمي “SPE PEF III” المدار من قبل “إس بي إي كابيتال” والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية وشركة “كابيتال فنتشرز للاستثمار” المباشرة المصرية، و”برتيش إنترناشيونال” البريطانية، حق الاستحواذ على شركة “تمويلي” المملوكة لبنك الاستثمار القومي والهيئة القومية للبريد، مقابل 2.8 مليار جنيه (57.9 مليون دولار). وقعت الصفقة 8 سبتمبر الجاري،
وتدرس الحكومة بيع 46.6% من الأصول المملوكة لها في شركة الشريف للبلاستك “الأمل” في بورصة الأوراق المالية وبنك القاهرة.
يأتي هذا في وقت يدفع فيه صندوق النقد الدولي، الحكومة إلى الإسراع في برنامج طرح الأصول العامة، قبل إتمام المراجعة الرابعة للصندوق التي ستجري الشهر المقبل، والإفراج عن قسط رابع مستحق بقيمة 825 مليون دولار من قرض متفق عليه بقيمة 8 مليارات دولار، بالإضافة إلى تمويل بقيمة 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة والصلابة التابع للصندوق، تسعى الحكومة للحصول عليه.
ووفق تقديرات الخبراء، تتصاعد مخاوف من عمليات الطرح المتعددة التي تستهدفها الحكومة، خلال الوقت الحالي، مع تعرّض المنطقة لظروف جيوسياسية تثير مخاوف لدى المتعاملين، ونظراً لعدم وجود ثقافة التعامل في البورصة لدى شريحة واسعة من المصريين، الذين يفضلون اللجوء بثرواتهم إلى الذهب والعقارات، فإن أغلب من ينتظرون الطروحات العامة، يشترون الأسهم وسرعان ما يعيدون بيعها بمجرد استقرار سعر الطرح، مكتفين بتحقيق عائد، دون أن يشاركوا في تعميق السوق وتوسيع أعداد المتعاملين به.