تتصاعد مطالبات الحقوقيين والصحفيين المصريين، والمؤسسات النقابية والحقوقية والمهنية، بوقف حجب المواقع الصحفية وإتاحة حريات الإنترنت، وكان آخرها مناشدة نقابة الصحفيين الحكومة، بوقف حجب المواقع والتي كان آخرها موقع “فكر تني”، بعد حكم رفض الترخيص للموقع.
ومع استمرار سياسات القمع الأمني، والبطش بكل قيم الحرية والمواطنة، تستمر مخاطر ملاحقة النشطاء والمعارضين، وقضم حريات الإنترنت بالبلاد.
ومؤخرا، أعلنت شركة ساندفاين الكندية فض شراكتها مع الحكومة المصرية وسحب تقنياتها من تحت يد السلطة في مصر بعد فضائح مدوية أعقبت ثبوت استخدام تقنياتها في تعقب المعارضين السياسيين، أبرزهم أحمد الطنطاوي، وأيمن نور، وحجب المواقع الصحفية المستقلة، منها موقع المنصة والحرية والعدالة والعربي الجديد عربي بوست وغيرهم.
وبعد فرض عقوبات تجارية أمريكية على الشركة الكندية، التي انسحبت من نحو 13 دلة قمعية ومتسلطة، توررطت في انتهاكات حقوق حرية الإنترنت وحقوق التعبير والرأي، إلا أن الخطر، ما زال قائما.
ورغم تعهد ساندفاين ببدء فصل جديد من عملها بالتركيز على دعم حرية الإنترنت والحقوق الرقمية، إلا أن نشطاء ومراقبين.
يرون إن السلطة “لن تغلب” وستجد وسائل عدة لاستمرار فرض الحجب على المواقع المستقلة أو التجسس على المعارضين، من خلال الشركات الأخرى التي يبدو أنها تتعاون معها بالفعل، فخلال السنوات الماضية، لم يقتصر تعامل الحكومة على ساندفاين، حسب خبراء التقنية، ففي أغسطس 2020 ثبت تورط ساندفاين مع حكومة بيلاروسيا في حجب الإنترنت أثناء قمع المعارضة وهندسة الانتخابات الرئاسية، ولأن الفضيحة كانت مدوية، أعلنت الشركة انسحابها من الدولة الشرق أوروبية قائلة: إن “هذا انتهاكا لحقوق الإنسان استدعى إنهاء التعاقد تلقائيًا” لكن بعد شهر واحد، أثبتت تحقيقات تقنية بواسطة مؤسسة Qurium السويدية أن شركتي المصرية للاتصالات TE وأورنج تحجبان وصول المستخدمين لمواقع صحفية عن طريق معدات ساندفاين.
بعدها، في يناير 2022، ذكرت بلومبرج أن الشركة أبرمت صفقات في الجزائر وجيبوتي وإريتريا والعراق وكينيا والكويت وباكستان والفلبين وقطر وسنغافورة والإمارات العربية المتحدة وأوزبكستان، كما ذكرت أن الموظفين السابقين في ساندفاين شعروا أن الشركة تخلت منذ عام 2017 عن سياسة عدم بيع تكنولوجيتها لمن قد يستخدمها لانتهاك حقوق الإنسان، بعدما استحوذت عليها شركة فرانسيسكو بارتنرز، والأخيرة هي شركة مساهمة شملت استثماراتها في وقت ما أغلبية الأسهم في مجموعة NSO؛ الشركة الإسرائيلية التي تقف وراء برنامج التجسس المثير للجدل بيجاسوس.
وفي أبريل 2022، نشرت Rest of World تحقيقًا مطولًا عن جرائم ساندفاين في حجب المواقع المستقلة في مصر وأوكرانيا، وتأثير ذلك في اقتصاديات الصحافة المستقلة وقدرة المواطنين على الحصول على المعلومات.
لم يمر الكثير من الوقت حتى أثبتت مؤسسة citizen lab الكندية، في سبتمبر 2023، تورط الشركة في اختراق هاتف السياسي المعارض أحمد الطنطاوي ببرنامج تجسس، عقب عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة.
لكن جاء أول رد فعل على كل تلك الانتهاكات الفجة من الولايات المتحدة الأمريكية، في فبراير الماضي، حين أدرجت ساندفاين على قائمة الكيانات المحظور التعامل معها، الخاصة بوزارة التجارة الأمريكية، ما يعني فرض قيود تجارية عليها، وذلك لتزويدها مصر بتكنولوجيا “تستخدمها في المراقبة الجماعية للمواقع الإلكترونية، والرقابة لحجب الأخبار، وكذلك استهداف الجهات الفاعلة السياسية ونشطاء حقوق الإنسان”.
بعد كل هذا، حددت ساندفاين في بيان، 31 مارس 2025، موعدًا لإنهاء تقديم خدماتها للحكومة المصرية، و31 ديسمبر 2025 للعملاء المصريين المتبقين ومجموعة من الدول القمعية الأخرى، وإن كان البيان خص مصر دون غيرها باستخدام تقنيات ساندفاين لفرض رقابة على المحتوى المنشور على الإنترنت.
ويعتبر خبراء أن الضغوط التي فرضتها وزارة التجارة الأمريكية منذ فبراير الماضي هي التي دفعت الشركة لهذا التغيير الجذري.
مع اعترافها بتوظيف تقنياتها في انتهاكات حقوق الإنسان، تتجه الشركة لتقديم امتيازات دعمًا للحقوق والحريات الرقمية، معلنة تخصيص 1% من جميع الأرباح لحماية الحقوق الرقمية.
بالإضافة إلى خطتنا الجديدة التي تستهدف الديمقراطيات فقط، سنبدأ اعتبارًا من عام 2025 بالتبرع بنسبة 1% من أرباحنا المستقبلية للمنظمات التي تعمل على حماية حرية الإنترنت ومعالجة حالات انتهاك حقوق الإنسان والحقوق الرقمية، في محاولة لجبر الضرر الذي أحدثته.
فيما لم تعلن الشركة عن آلية لتعويض ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان جراء استخدام تقنياتها.
مع تغيير الإدارة والسياسات، أعلنت الشركة تغيير اسمها بدءًا من عام 2025 “سنعمل تحت اسم جديد يعكس ريادتنا في حماية الحقوق الرقمية.
وكان التحقيق الذي أجرته Qurium في سبتمبر 2020 كشف أن مقدمي خدمة الإنترنت في مصر يستخدمون تقنيات شديدة التطور تستخدم wildcard لحجب مئات المواقع دون تمييز لنطاقاتها،عبر حجب أسماء النطاقات الفرعية والبديلة التي تستخدمها المواقع للوصول إلى جمهورها، من تطوير ساندفاين.
مصر مستمرة بالقمع
ورغم تغيير ساندفاين استراتيجيتها، فإن هذا لن ينعكس بالضرورة على سياسات السلطات المصرية؛ بحسب خبراء التقنية، إلى تعدد شركات الخدمات التكنولوجية التي تتعاون معها مصر، والتي قد تمدها ببرامج تسهِّل استمرار حجب المواقع وفرض الرقابة على الإنترنت، يمكن بسهولة استمرار مصر في نفس السياسات من خلال طرق أخرى وشركات أخرى.
وكان المجلس الأعلى للإعلام فرض عقوبة الحجب على موقع مدى مصر لمدة ستة أشهر كان المرة الأولى الذي يجري فيها الإعلان عن الحجب بشكل رسمي استنادًا للقانون، رغم أن موقع مدى محجوب فعليًا منذ عام 2017.
باستثناء قرار الأعلى للإعلام حجب مدى في أكتوبر 2023، تمارس السلطة حجب المواقع في مصر خارج إطار القانون، ودون أن تُعلن أي جهة رسمية مسؤوليتها عنه…
بينما تؤكد مؤسسة حرية الفكر والتعبير حجب 563 موقعًا في مصر، منها 123 موقعًا صحفيًّا، مشددةً على أن السياسة التي تتبعها مصر لن تتأثر بقرار ساندفاين منفردة، وإنما يجب أن تتبعها قرارات مشابهة من شركات تقديم خدمات الإنترنت.
كان التقرير السنوي لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، حول حرية الصحافة، أكد تراجع مصر أربعة مراكز على مؤشر التصنيف العالمي لحرية الصحافة خلال العام الحالي، لتحتل المركز 170 من أصل 180 دولة شملها التصنيف، مقارنة بالمركز 166 خلال العام الماضي.
ويستمر حجب المئات من المواقع الإخبارية والحقوقية في مصر خارج إطار القانون. وسبق وانتقدت الخارجية الأمريكية، في تقريرها السنوي حول حالة حقوق الإنسان في مصر “فرض قيود على حرية الصحافة”، واستمرار حجب المواقع الصحفية، بما في ذلك المنصة ومدى مصر منذ 2017.
وهو ما يؤكد استمرار نفس النهج القمعي، حتى لو انسحبت كل الشركات من مصر، وبقي السيسي ذو العقلية العسكرية القامعة لكل ما يخالفه.