في أزمة جديدة تضاف إلى سجل المنقلب السفيه السيسي المأزوم، هذه المرة مع أحد أهم أركان نظامه من لقضاة، الذين تسببت شروط عسكرة القضاء التي يطبقها السيسي للتحكم بالدولة المصرية وتسييرها وفق نهجه القمعي، جاء رسوب أبناء عدد من القضاة في الدورات العسكرية التي باتت الشرط الأساسي للتعيين بالوظائف الحكومية، ليمثل أزمة كبيرة ، تهدد باستقرار نظام السيسي.
فوفق مصادر قضائية، استحدث مجلس الوزراء في 22 إبريل من عام 2023، شرط مفاجئ يُلزم جميع المعينين في كافة قطاعات وجهات وهيئات الدولة بالحصول على دورة تأهيل في الأكاديمية العسكرية بالقاهرة مدة ستة أشهر، بما في ذلك المعينين الجدد في الجهات والهيئات القضائية المختلفة سواء كانت نيابة عامة أو مجلس الدولة أو نيابة إدارية أو هيئة قضايا الدولة.
قبل قرار مجلس الوزراء، كانت تعيينات أعضاء الجهات والهيئات القضائية تخضع فقط لـ قانون السلطة القضائية وتحديدًا المادتين 38 و 116 الخاصتين بشروط تعيين أعضاء الهيئات القضائية والنيابة العامة، والتي خلت من أي شرط إلزامي بخضوع المعينين الجدد لدورات تأهيلية بالكلية الحربية واجتيازها كشرط للتعيين، بل إنهما حددتا طرقًا محددة جميعها تخضع للسلطة القضائية، تتمثل في أن يشترط فيمن يولى القضاء والتعيين أن يكون متمتعًا بالجنسية المصرية، وكامل الأهلية المدنية، ولا يزيد سنه عند التعيين عن 30 سنة، وألا يقل سنه عن 30 سنة إذا كان التعيين بالمحاكم الابتدائية وعن 38 سنة إذا كان التعيين بمحاكم الاستئناف وعن 41 سنة إذا كان التعيين بمحكمة النقض، وأن يكون حاصلاً على إجازة الحقوق من إحدى كليات الحقوق بجامعات مصر أو على شهادة أجنبية معادلة لها وأن ينجح في الحالة الأخيرة في امتحان المعادلة طبقًا للقوانين واللوائح الخاصة بذلك، وألا يكون قد حُكِمَ عليه من المحاكم أو مجالس التأديب لأمر مخل بالشرف ولو كان قد رُدَ إليه اعتباره، وأن يكون محمود السيرة حسن السمعة، ولا يجوز أن يعين أحد مباشرةً من غير معاوني النيابة في وظيفة مساعد إلا بعد تأدية امتحان تحدد شروطه وأحكامه بقرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى.
واستمرت التعيينات في السلطة القضائية بتلك المحددات حتى استحدث الشرط الجديد الخاص بالدورة التأهيلية، ما أثار غضب القضاة حينها وأعلنوا عن رفضهم القاطع لقرار رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، بإخضاع المعينين في القطاع الحكومي إلى دورات تدريبية حكومية بالأكاديمية العسكرية كشرط رئيسي ضمن مسوغات التعيين، وشمول المعينين في الهيئات القضائية ضمن هذا الشرط.
وبحسب خطاب رسمي تداولته وسائل إعلام مستقلة، فقد عبّر القضاة عن غضبهم من خلال رئيس نادي القضاة وقتها المستشار محمد عبدالمحسن، الذي أرسل الخطاب إلى رئيس محكمة النقض ورئيس المجلس الأعلى للقضاء وقتها المستشار محمد عيد محجوب، بتاريخ 9 يوليو 2023، أكد خلاله أن هذا القرار يمس باستقلال القضاء بشكل صريح، ويعد تدخل من قبل الحكومة في أعمال السلطة القضائية المنوط بها أعمال التدريب واختيار من يعمل في القضاء ويتولى عملية تدريبه، خاصة في ظل وجود مركز تدريب لأعضاء النيابة العامة، يُخضع المعينين حديثًا لدورات تدريبية مكثفة قبل انخراطهم في العمل المهني.
وطالب رئيس نادي القضاة من رئيس مجلس القضاء الأعلى، التدخل في الأمر بعد رفضه القاطع له، والتعامل معه بالطريقة التي يراها لمنع التدخل في أعمال السلطة القضائية، والمساس باستقلال القضاء الناتج عن هذا القرار.
تعجيز التوريث
ورغم غضب القضاة ومخاطبة رئيس مجلس القضاء الأعلى وقتها للتدخل في الأمر، إلا أن المجلس فشل في تلبية رغبة القضاة وعدم تنفيذ القرار عليهم. ومع بداية التطبيق رسب عدد من أبناء القضاة والمستشارين في الكشوف الطبية المؤهلة للدورة التدريبية بالكلية الحربية وذلك في دفعات 2021 نيابة عامة، وتظلمات نيابة عامة سابقة، وأيضًا تظلمات نيابة إدارية 2020، ودفعة مجلس الدولة.
وقد رسب في الكشوف من أبناء القضاة والمستشارين عدد 47 بدفعة مجلس الدولة، و 26 بدفعة تظلمات النيابة الإدارية، ونحو 100 بدفعة النيابة العامة وتظلماتها، بينما هيئة قضايا الدولة لم تصدر نتيجتها.
الأمر أثار غضب القضاة مجددًا بعد رسوب أبنائهم وبدأوا في الهجوم على شرط التعيين الجديد في الهيئات القضائية، وطالبوا بإلغائه، مشيرين إلى أن ذلك يعد تدخلًا في السلطة القضائية من قبل السلطات الأخرى في الهيكل الإداري بالدولة.
ووفق مصادر قضائية، فإن قرار إلزام المتقدمين لشغل وظائف القضاء بالحصول على الدورة يمثل خطورة تثير العديد من المخاوف والانتقادات، لما قد يترتب عليه من آثار تمس الطابع المدني لمؤسسات العدالة واستقلاليتها، هذا القرار يعد تعديًا على طبيعة العمل القضائي الذي يتطلب استقلالًا تامًا بعيدًا عن أي نفوذ عسكري، كما أن اشتراط الحصول على الدورة التأهيلية يشكل عائقًا أمام المؤهلين من الشباب الراغبين في الالتحاق بالسلك القضائي، خاصة في ظل الأعباء المالية والإدارية التي يفرضها، يضاف إلى ذلك أن هذا الشرط قد يفسر بأنه محاولة لجني عوائد مالية للكلية الحربية، ما يحول الدورة إلى أداة للربح بدلًا عن تطوير المهارات القضائية.
ويرى قضاة اخرون أن فرض اختبارات بدنية ونفسية كشرط للتعيين في وظائف قضائية يتعارض مع متطلبات المهنة، كما قد يمثل تمييزًا ضد شرائح مثل النساء وأصحاب الاحتياجات الخاصة، علاوة على ذلك فإن غياب الشفافية بشأن إجراءات الدورة، مثل تكاليفها ومعاييرها، يثير تساؤلات حول هذا القرار، هذا التوجه يشكل خطرًا على مبدأ استقلال القضاء وحياديته، الذي يعد أحد ركائز الديموقراطية وسيادة القانون، كما يقوض مبدأ تكافؤ الفرص ويمنح المؤسسة العسكرية نفوذًا غير مبرر على السلطة القضائية، ما يتعارض مع الدستور ومبادئه، لذا من الضروري إجراء مراجعة شاملة لضمان الحفاظ على استقلال القضاء وهيبته، مع احترام المبادئ الدستورية التي تؤكد على مدنية مؤسسات الدولة، وتجنب تحميل المتقدمين أعباء إضافية لا تساهم في تعزيز كفاءة العمل القضائي.
وقال رئيس نادي القضاة في رسالته للقضاة: “بخصوص ما يثار حاليًا بشأن أبنائنا من دفعة 2021 ممن لم يخطروا بالاختبار الرياضي، فقد تم التواصل مع وزير العدل، لإنهاء الأمر”، مطالبًا القضاة بإرسال بيانات أبنائهم إليه بشكل خاص.
يشار إلى أن المتسبب في قرار خضوع المعينين في الهيئات القضائية إلى دورات تدريبية تأهيلية بالأكاديمية العسكرية كشرط رئيسي ضمن مسوغات التعيين، هو وزير العدل الأسبق المستشار عمر مروان، رئيس مكتب السيسي الحالي.
ووفق عدد من القضاة على جروباتهم الخاصة، فإن هذه التدريبات واعتبارها شرطًا من شروط التعيين مخالف للدستور، وقانون السلطة القضائية والمعايير الدولية الخاصة بقواعد اختيار وتعيين أعضاء السلطة القضائية، كما أن هذه الدورات التدريبية تعرض كل من يشارك فيها إلى فقدان صلاحية ولاية القضاء، التي تفترض أن توضع المناهج المعرفية لتدريبهم عبر أعضاء السلطة القضائية وتحت إشراف السلطة القضائية وليست تحت إشراف السلطة التنفيذية أو أي جهة تتبع للسلطة التنفيذية بأي حال من الأحوال.
كما أن هذه الدورات مخالفة لمبادئ الأمم المتحدة المعنية باستقلال السلطة القضائية الصادرة في عام 1985، كما أنها تؤدي إلى تشويه المحتوى المعرفي للمرشحين للعمل في النيابة العامة ومن ثم القضاء فيما بعد، وبالتالي يجب أن تتوقف فورًا، لما تمثله من تعدي من السلطة التنفيذية على مسألة تكوين وتأهيل أعضاء السلطة القضائية.
يؤكد رئيس مؤسسة دعم العدالة أن رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل وكذلك أعضاء نادي القضاة سوف “يحاسبون أمام التاريخ على قبولهم لهذه الإجراءات المشينة بشأن تأهيل وتدريب أعضاء السلطة القضائية، وقبولهم بتعريض المتقدمين إلى مثل هذه الدورات باعتبارها أحد شروط التي يمكن أن يقبل على أساسها العاملين في العمل القضائي”، مشيرًا إلى أن هناك تشوها كبيرا جدا يحدث الآن بفعل تلك الدورات التدريبية في الجسد القضائي، لا يعلم مدى أثره الضار والسلبي على منظومة القضاء في المستقبل.