تصاعدت معدلات الجريمة فى المجتمع المصرى فى زمن الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي بصورة غير مسبوقة بسبب الأوضاع الاقتصادية المأساوية وتزايد معدلات الفقر والبطالة وانتشار المخدرات وتراجع الدخول وانشغال أمن الانقلاب بحماية المسئولين وتجاهل المهمشين والفئات الضعيفة من المصريين ما جعلها عرضة للقتل والذبح والنهب.
فى هذا السياق شهدت منطقة أبو الجود بمحافظة الأقصر قيام شاب في منتصف الثلاثينات من عمره، بمهاجمة جاره الخمسيني، وقطع رأسه ثم حملها وتجول بها بين المارة فى الشارع مهمهمًا بكلمات غير مفهومة، هذه الجريمة ليست الأولى من نوعها، فقد شهدت محافظة الإسماعيلية قبل سنوات جريمة مشابهة، ما يؤكد تزايد وتيرة العنف بشكل غير مسبوق في ظاهرة باتت تهدد المجتمع المصري بشكل خطير.
خلال شهر يناير الجاري شهد المجتمع المصرى سلسلة متصلة من العنف ففى نفس يوم حادث الأقصر المروع، قُتل ضابط داخل أحد البنوك بمحافظة الفيوم فى عملية سطو مسلح، وقبلها بأيام انتفض المجتمع نتيجة مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، يُظهر واقعة اعتداء مروع على طالبة من جانب زميلتها بإحدى المدارس الخاصة، كذلك تداولت مواقع صحفية خبر تحرير فتاة بعد ست سنوات من احتجازها وتقييدها بالسلاسل بمنزل عمها، لطلبها الانفصال عن زوجها.
كانت السنوات الماضية قد شهدت جرائم مروعة منها على سبيل المثال، جريمة “سيدة فاقوس” التي أقدمت في عام 2023 على ذبح طفلها، وطهيه وتناول أجزاء منه، كذلك هزت جريمة ذبح الطالبة نيرة أشرف على يد زميلها أمام جامعة المنصورة مشاعر المصريين بالعام نفسه، وفي عام 2024 تصدرت قضية سفاح التجمع اهتمام المصريين، إذ ألقي القبض على شاب بعد قيامه بقتل ثلاث سيدات بطريقة وحشية بعد استدراجهم لمنزله.
الأوضاع الاقتصادية
حول أسباب تزايد الجرائم فى المجتمع المصرى قالت انتصار السعيد – المحامية بالنقض ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون إن ازدياد وتيرة العنف ترجع إلى عدة عوامل متداخلة، في مقدمتها التوترات الاقتصادية، مؤكدة أن تدهور الأوضاع الاقتصادية من تضخم وارتفاع الأسعار وزيادة معدلات البطالة، يعزز من مشاعر الإحباط والضغوط النفسية، مما يؤدي إلى تصاعد العنف كوسيلة للتنفيس عن الغضب، بالإضافة إلى ذلك يؤثر الفقر والظروف الاجتماعية الصعبة على تزايد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وضعف الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، ما يؤدى إلى تعميق الإحساس بعدم العدالة الاجتماعية ويزيد من السلوكيات العدوانية.
وأكدت انتصار السعيد فى تصريحات صحفية أن تراجع القيم المجتمعية، أدى إلى تغيرات في التركيبة الاجتماعية وانخفاض الوعي بالقيم الإنسانية والتسامح وهذا تسبب فى انتشار السلوكيات العدوانية والعنف كجزء من سلوكيات الاحتجاج أو الدفاع عن النفس، إضافة إلى أن توافر مصادر الأسلحة والمخدرات في بعض المناطق يجعل العنف أكثر شيوعًا، إذ تصبح الوسائل سهلة ومتاحة لتحقيق أهداف فردية أو جماعية.
وحذرت من أن المجتمع المصري في الوقت الحالي يواجه تحديات مركبة تتطلب تدخلات شاملة في مجالات التعليم، الاقتصاد، الأمن، والعدالة الاجتماعية للحد من ظاهرة العنف.
مراقبة مستمرة
وأوضحت انتصار السعيد أن مواجهة العنف بين الأطفال، سواءً فيما بينهم أو بينهم وبين المعلمين في المدارس، يتطلب اتخاذ إجراءات وقائية وعلاجية متكاملة تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة وتعزيز بيئة تعليمية آمنة، تشمل هذه الإجراءات جوانب متعددة، أهمها التثقيف إذ يمثل حجر الزاوية في منع العنف، ويتضمن ذلك تعليم الأطفال والمراهقين قيم التسامح واحترام الآخر والتعامل بلطف من خلال الأنشطة الصفية وورش العمل والبرامج التعليمية التي تُركز على القيم الإنسانية.
وشددت على أن ذلك يتطلب مراقبة مستمرة لسلوك الطلاب في الفصول الدراسية والممرات والساحات، وتوفير بيئة يشجع فيها الطلاب على التعبير عن مشاعرهم بطريقة صحيحة مطالبة بتوفير أماكن آمنة داخل المدرسة، كغرف الإرشاد أو مكاتب المستشارين، ليتمكن الطلاب من التحدث مع مختصين في حال تعرضهم لموقف عنف أو شهادتهم عليه.
وتابعت انتصار السعيد: علاوة على ذلك يلعب المعلمون دورًا حاسمًا في منع العنف والتعامل معه. لذا، يجب أن يتلقوا تدريبًا مُكثّفًا حول كيفية التعامل مع السلوكيات العدوانية وتطبيق استراتيجيات تهدئة فعّالة معتبرة أن تدريبهم على تقنيات إدارة الصراع أمرًا بالغ الأهمية، لأنه يُساعدهم في التعامل مع المواقف المتوترة قبل أن تتصاعد إلى العنف.
وأكدت أنه مع انتشار استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح التنمر الإلكتروني يُمثّل تحديًا جديدًا، لذا، يجب توعية الطلاب بكيفية التصرّف بمسؤولية في العالم الرقمي، إضافة إلى تعليمهم كيفية التصدّي للتنمر الإلكتروني وحماية أنفسهم منه.
الأفلام والمسلسلات
وأرجع عبد العظيم الخضراوي – إخصائي الطب النفسي والأمراض العصبية وعلاج الإدمان- تزايد معدلات العنف إلى عدة عوامل متداخلة، تشمل الضغوط النفسية المتزايدة، وشعور الفرد بأنه لا يستطيع الحصول على حقه إلا بالقوة، بالإضافة إلى بعض المفاهيم الثقافية التي تُمجّد العنف كشكل من أشكال البطولة.
وقال الخضراوي فى تصريحات صحفية: الصورة النمطية للبطل في وسائل الإعلام، خاصةً في الأفلام والمسلسلات التي تُروّج للعنف، تُسهم في تفاقم المشكلة، يُضاف إلى ذلك تعاطي المخدرات بأنواعها المختلفة، بدءًا من الحشيش وصولًا إلى الأنواع الحديثة كالأستروكس والشابو، التي يُؤدّي إلى زيادة العنف إما بسبب تأثيرها النفسي أو الحاجة إلى المال لشرائها.
وأكد إن العنف ليس حكرًا على الأمراض النفسية وحدها، موضحا أن بعض حالات العنف ترتبط باضطرابات نفسية خطيرة تُسبّب للشخص الشكّ والتهيّج وسهولة الاستثارة، لكن هذه النسبة تُعتبر قليلة نسبيًا، كما هو متعارف عليه علميًا، من أمثلة هذه الاضطرابات: الفصام، والاضطراب الوجداني (الذي يُعرف أيضًا بالاضطراب ثنائي القطب)، وأحيانًا الاكتئاب في حالات مُعيّنة كالانتحار، أو ما يُعرف بالانتحار الموسّع الذي يمتد ليشمل أفراد الأسرة. في هذه الحالات، يكون المرض النفسي عاملًا مُحفّزًا أو مُباشرًا للسلوك العنيف.
وأضاف الخضراوي: من المهم التمييز بين هذه الحالات وبين حالات أخرى يكون فيها العنف ناتجًا عن تركيبة شخصية مُختلّة، تتشكّل عبر الزمن نتيجة عوامل مُتعدّدة، منها التنشئة والظروف الاجتماعية والخبرات الحياتية. لافتًا الى أن هذه التركيبة المرضية تُؤدّي إلى تصرّفات عنيفة، إضافة إلى سمات أخرى كعدم القدرة على التعاطف مع الآخرين، ما يُسهّل إلحاق الأذى بهم دون الشعور بالندم أو التأنيب، في هذه الحالة، لا يُعتبر الشخص بالضرورة مُصابًا بمرض نفسي بالمعنى الطبي، بل يُعاني من اضطراب في الشخصية يُؤثّر على سلوكه وعلاقاته.
مكافحة المخدرات
وأشار إلى إن الطفل نتاج تربية والديه، فسلوكياته العنيفة قد تكون انعكاسًا مباشرًا لمعاملة الأهل العنيفة، أو قد تنشأ نتيجة إهمال الأهل لتقويم سلوكه العنيف بل وتشجيعه عليه بشكل أو بآخر.
وأكد الخضراوي أن التصدي لظاهرة العنف يبدأ من أساس المجتمع، وهو الأسرة، فالأهل يتحملون مسؤولية كبيرة في تشكيل سلوك أبنائهم من خلال الطريقة التي يتعاملون بها معهم، سواءً كانت تربية قائمة على الحوار والتفاهم والاحترام، أو على العنف والإهمال. إلا أن هذه المسؤولية لا تقع على عاتق الأهل وحدهم، بل تتطلب تضافر جهود المجتمع بأكمله.
وطالب سلطات الانقلاب بوضع سياسات وبرامج تُساهم في توعية الأهل وتثقيفهم بأساليب التربية السليمة موضحا أن الإعلام والفن يلعبان دورًا حيويًا في صياغة القدوة المجتمعية الإيجابية، ونشر الوعي الجمعي بأهمية نبذ العنف وتبني قيم التسامح والمحبة. إضافة إلى ذلك، تُعدّ مكافحة المخدرات بكل أنواعها ووسائل انتشارها خطوة حاسمة في الحد من العنف، حيث تُعتبر المخدرات سببًا مباشرًا وغير مباشر في زيادة مستويات العنف، والجرائم التي تُثير الرأي العام.