قرارات وقوانين حكومة الانقلاب الخاصة بالتصالح فى مخالفات البناء واشتراطات التراخيص تسببت فى «وقف حال» العاملين فى قطاع المقاولات حيث توقفت أعمال البناء فى القرى، كما أن تقليص عدد طوابق المبانى فى المدن، ألحق خسائر كبيرة بالمطورين العقاريين وأدى إلى توقف حركة التشييد والبناء.
توقف البناء وفرض شروط تراخيص تعجيزية، كان له تداعيات سلبية على القطاع الصناعى والعمالة فى مجال المقاولات حيث تعرضت الحرف الصناعية، مثل المحارة، المبلط، السباك، البناء، المقاولات المسلحة، وغيرها لتراجع غير مسبوق وأصبحت «شبه متوقفة»، كما كان لهذه التوقف تأثيره فى قطاع الأدوات الكهربائية والمفروشات، والأثاث، وهو ما عرض رجال الأعمال لخسائر طائلة فى الإنتاج وتوقفت بعض المصانع، مما ينعكس على زيادة معدلات البطالة وارتفاع الفقر.
الحرفيون والعمال فى قطاع البناء والتشييد، أكدوا أنهم منذ صدور قرار وقف البناء فى القرى والمدن، وهم يعيشون حالة من اليأس بسبب قلة العمل، مما أثر على قوت يومهم.
وقالوا إن العاملين بالقطاع «على باب الله»، ويعملون باليومية، مؤكدين أنهم ينتظرون الفرج وعودة البناء على النظام القديم.
تراخيص البناء
حول هذه المأساة أكد المهندس إمام جمعة، خبير عقارات وعضو اللجان الفنية للتصالح، أن اشتراطات تراخيص البناء التى فرضتها حكومة الانقلاب تداعياتها سلبية على المواطن والمطور العقارى.
وأضاف «جمعة» فى تصريحات صحفية أن الاشتراطات حكمت البروز بألا تزيد عن نسبة 10% للبلكونة، و 5٪ للأبراج، لافتًا إلى أن تقنين جانب البروز للوحدات السكنية.
وأشار إلى أن اشتراطات تراخيص المبانى التى وضعتها حكومة الانقلاب، خاصة فى المدن «تعجيزية» أمام المواطنين والمطورين العقاريين، ولا تشجع على التطوير والبناء، موضحا أن أبرز تلك الاشتراطات هو مساحة الأرض المراد ترخيصها والتى يجب ألا تقل عن 120 مترًا، بجانب واجهة أرض لا تقل عن 10,5 متر، وهذه الاشتراطات بها «عوار»، ولا تسمح بأقل من هذه المساحات فمن يملك قطعة أرض أقل من 120 مترا لا يستطيع البناء، وبالتالى نشهد وقف حال البناء.
ولفت «جمعة» إلى أن النسبة البنائية المقررة للعقارات بالمدن تقدر بـ 80%، والـ 20 الباقية، ردود تهوية للمبنى، وبالتالى هذه النسبة تهدر مساحة الأرض بالنسبة للمطور وتعرضه للخسارة، حيث أن قطعة أرض مقرر بناء وحدتين عليها هذه النسب تلزمه ببناء وحدة سكنية واحدة فقط ولا يستطيع بناء الثانية ويتعرض لخسارة كبيرة.
وأوضح أن فساد المحليات والشروط التعجيزية ترغم المواطن على مخالفة الشروط، بجانب أنها تضعه أمام المسئولية القانونية، واللجوء للتصالح الأمر الذى لا يختلف كثيرا فى إجراءاته عن شروط تراخيص البناء.
المصالحات
وقال «جمعة» أن النسبة البنائية فى القرى بلغت 100%، لكن اشتراطات التراخيص ضيقت على المواطن فيما يخص ردود التهوية، كالبروز والمناور التى تشترط ألا تقل مساحتها عن 10 مترات مسطحة، فالمساحات القليلة لا تساعد على بناء أى عقار، والمواطن لن يرضى بترك هذه المساحة التى تقرها الاشتراطات، والتى يعتبرها مهدرة، لذلك يجب صياغة الاشتراطات بما يتماشى مع ثقافة المواطن المصرى، لعدم تعرضه للمساءلة القانونية وإرغامه على مخالفة البناء.
وأكد أن حجم الملفات التى تم إنجازها فيما يخص المصالحات على مخالفات البناء لا يتجاوز 10%، لافتًا إلى أن 70% من المواطنين محرومون من البناء بسبب الاشتراطات التعجيزية وقيود الارتفاع ومساحات الأراضى المسموح بترخيصها للبناء.
ولفت «جمعة» إلى أن اشتراطات البناء أثرت على حالة العمالة وإنتاج مصانع مواد البناء ومستلزمات التشطيب العمرانى، على رأسها الحديد والأسمنت، بخلاف الأدوات الكهربائية والمفروشات، وهناك العديد من الحرف والعمالة توقفت مثل عمال البناء ومبلطين المحارة وفنى الكهرباء والسباكة وغيرهم، بسبب تراجع نسبة البناء مع الاشتراطات التى تم فرضها وهذا مؤشر ينذر بخطر، ولابد من مراجعة الأمر.
سوق مواد البناء
وقال المهندس محمد حنفى، مدير عام غرفة الصناعات المعدنية، إن اشتراطات البناء الجديدة عملت على تشتت المطورين العقاريين والمواطنين فيما يخص البناء، حيث تم إصدار قانون التصالح على مخالفات البناء، ثم اجريت عليه تعديلات ولم تنته بعد، مؤكدا أن الجميع ينتظر خروج القانون بصورته النهائية حتى يتمكنوا من إعادة البناء والتشييد فى المدن القرى.
وأضاف «حنفى» فى تصريحات صحفية أن اشتراطات الترخيص الجديدة أثرت على سوق مواد البناء بشكلٍ كبير، خاصة الحديد والأسمنت، حيث كانت المصانع تنتج 9 ملايين طن حديد خلال آخر 3 سنوات تكفى احتياجات السوق، واليوم مع اضطراب قطاع البناء، تنتج المصانع 7 ملايين طن منها 6 مليون للسوق المحلى، ومليون طن يتم تصديره للخارج.
وأوضح أن استهلاك قطاع البناء من مواد الحديد والأسمنت، يقسم لثلاث شرائح، الأولى تخصص لمشروعات البنية التحتية، مثل الطرق والكبارى، ومحطات المياه والكهرباء، والتى تستهلك ما يقرب من 30% من الإنتاج، والشريحة الثانية، للمبانى والإنشاءات الحكومية السكنية وعلى رأسها مشروعات الإسكان الاجتماعى.
أما الشريحة الثالثة فتوجه للأفراد فى القطاع الخاص بالمدن والقرى، حيث تستهلك هذه الفئة ما يقرب من 40% من إنتاج مواد البناء، وتمثل أغلبية الاستهلاك وهى الأكثر تأثرا باشتراطات تراخيص البناء، ونتيجة لتراجع استهلاك هذه الفئة تقلص الإنتاج العام للمصانع حسب العرض والطلب فى السوق.
اشتراطات هندسية
وقال الدكتور حسام الغايش، خبير أسواق المال، ودراسات الجدوى الاقتصادية، إنه مع وجود اشتراطات للبناء، برزت عقبات بسبب قانون الانشاءات الذى تراجعت عنه دولة العسكر بالعودة إلى قانون 119 لسنة 2008 لفتح فرصة للتصالح وهو محاولة لدفع القطاع خاصة فى ظل ارتفاع تكاليف البناء إلى ما يقرب من عشرة أضعاف خلال العشر سنوات الأخيرة مما يعد عائقاً كبيراً أمام حجم الالتزامات والاشتراطات التى أرهقت الأفراد حتى أصبح البناء الخاص مكلفًا للغاية.
وأضاف «الغايش» فى تصريحات صحفية أن حجم إنتاج مصر من حديد التسليح بلغ 8 ملايين طن فى عام 2023 مقابل 8,4 مليون طن فى عام 2022، منخفضًا بنسبة 4%، فيما ارتفع حجم الصادرات المصرية من حديد التسليح بأكثر من 3 أضعاف ليصل إلى 1,54 مليون طن مقارنة بـ523 ألف طن فى عام 2022.
ولفت إلى أنه مع فرض اشتراطات هندسية خاصة فى الأحياء القديمة ذات الطرق الأقل حجمًا أصبح من الصعب تحقيق عائد اقتصادى مع تقليل عدد الأدوار المتكررة مما يعيق حركة البناء والتشييد فى هذه المناطق، مطالبًا بمراجعة هذا الأمر بشرط أن تكون البنية التحتية لهذه المناطق تتحمل المزيد من الوحدات.