في الذكرى الـ 76 لاستشهاد الإمام حسن البنا، لاتزال دعوة الإخوان المسلمين لها أكبر الأثر في نشر الوعي الإسلامي وتأصيل منهج الوسطية الإسلامية، وكذلك تحقيق معني شمولية الإسلام علي أرض الواقع.
ولعل بساطة الفكرة ومبادئها وواقعيتها التي لم تمت باستشهاد قائدها الأول، بل انتشرت في شتي أرجاء المعمورة، وكانت هذه المبادئ البسيطة التي ركز عليها الإمام الشهيد حسن البنّا هي ما جعلت الدعوة والفكرة تلقي هذا القبول.
وفي 12 فبراير استشهد الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية في مصر والعالم، الجريمة النكراء دبرها القصر والإنجليز بهدف واحد هو القضاء على الدعوة وتهميش الروح الإسلامية العالية التي بثها الإمام الشهيد وجماعة الإخوان المسلمين.
فلم يكن المقصود بعملية اغتيال الشيخ حسن البنا قبل ستة وسبعين عاما (12 فبراير 1949م) شخصه فقط، وإنما المشروع الذي جاء به وانتشر في المنطقة كانتشار ضوء الشمس، ولم تقبل عليه النخب فقط، وإنما تسابقت إليه الجماهير من كل الطبقات والشرائح في بلاد شتى.
لقد جاء اغتيال البنا وقد كاد مشروعه الجهادي أن يحرر فلسطين من العصابات الصهيونية، وبعد أن حاصر مجاهدو الإخوان والحركة الوطنية 20 ألف صهيوني في القدس، وكاد الجوع والعطش يحصد أرواحهم، ولولا قبول النظام العربي الهدنة لكانت فضحية كبرى للصهاينة، وهو ما أقر به مناحم بيجين في مذكراته.
وبعد هذه الهدنة تم اغتيال البنا بعد حل جماعته وتم سحب مجاهدي الإخوان من الميدان وزجهم السجون، تنفيذا لقرار دولي اتخذه سفراء خمس دول كبري في معسكر فايد (الإخوان المسلمون- أحداث صنعت التاريخ – الجزء الأول).
إن عملية اغتيال الشيخ البنا جاءت في إطار مخطط شامل لتصفية رموز الأمة وأدوات نهضتها في شتى الميادين، وكل الساحات حتى تظل بلادنا جاثية على الأرض محصورة في شرنقة التخلف ومطية للاستعمار ومشاريعه.
واليد التي اغتالت حسن البنا هي نفس اليد التي تقتل إخواننا في فلسطين وهي نفس اليد التي ستظل تعبث وتعيث في بلادنا قتلا لخيرة أبنائها حتى تظل جاثية على ركبتيها دون حراك.
المولد والنشأة
وُلِد حسن البنَّا، في 14 أكتوبر 1906، ببلدة المحمودية في محافظة البحيرة.
كان أكبر إخوته الستة (4 أولاد وبنتان) لعائلة ريفية عملت بالزراعة في قرية شمشيرة، وغادرها والده عام 1903 لحفظ القرآن والدراسة تحقيقا لرغبة جدته.
وصفه
كان البنا متوسط القامة وكان له جسم تَعوَّد الخشونة على ضآلته، وأَلِف المشقة على نحافته”، كما وصف نفسه، كما كان يجيد الرماية والسباحة، ويقطع على قدميه مسافات طويلة.
وكان ابن مؤلف مصنف “الفتح الرباني”، متمسكا بزي الشيوخ، وهي الجبة والعمامة، وقبيل تخرجه ارتدى البدلة والطربوش نزولا على رأي ناظر دار العلوم.
زواجه
في عام 1923، تزوج أثناء إقامته في الإسماعيلية من ابنة حسن الصولي (أحد وجهاء الإسماعيلية)، وأنجب 5 بنات، وابنا واحدا كان في الـ14 من عمره عند اغتيال والده، وفيما بعد أصبح محاميا وعضو مجلس الشعب عام 1987.
ألقابه
يقرن اسم البنَّا بواحد من 5 ألقاب: “الشيخ” (لقب خريجي دار العلوم)، “الأفندي” (لقب لاحق للخريجين)، “الإمام” الذي كان يضاف له غالبا وصف “الشهيد” أو “المرشد العام” (اللقب الذي اختاره لنفسه).
مشاركته في العمل العام
كان البنَّا -الذي وصفه سيد قطب بأنه “سيد البناء”- في كل مرحلة من حياته يبادر إلى العمل الجماعي، في مواجهة الوضع الجديد الذي يصطدم به تلميذا وطالبا ثم معلما.
شارك وهو صبي يافع بمظاهرات الثورة المصرية عام 1919، ونظم الشعر الوطني، ورشحه زملاؤه رئيسا لـ”جمعية الأخلاق الأدبية” التي تشكلت في الإعدادية، ثم دفعهم الحماس لإنشاء أخرى خارج حدود المدرسة باسم “جمعية منع المحرمات”.
حين كان طالبا في دمنهور، عمل على إنشاء “الجمعية الحصافية الخيرية”، وتركز نشاطها أساسا في مقاومة الإرساليات التبشيرية، وعام 1923، انضم إلى “جمعية مكارم الأخلاق” وكانت الوحيدة بالقاهرة في ذلك الوقت.
وفي عام 1927، شارك في إنشاء “جمعية الشبان المسلمين”، وكان من أهدافها الأساسية مقاومة المد التبشيري والموجة الإباحية والإلحادية.
في مارس 1928، أسّس المدرس الوافد على الإسماعيلية، وهو في الـ22 من عمره، جمعية “الإخوان المسلمين”، وكان المرشد العام لها.
واعتبرت حركة إصلاحية في واقع اجتماعي، كان يشعر فيه بالخطر على الدين والأخلاق، وفي سياق الدعوة التي قادها زار حوالي 3 آلاف قرية من قرى مصر 4 آلاف أنداك.
أدى البنا، دورا استثنائيا في توجيه وقيادة مرحلة تأسيس الجماعة من 1928 إلى1937، ثم مرحلة العمل السياسي من عام 1938 إلى 1948.
وركزت الجماعة جهودها آنذاك في قضيتين كبيرتين هما، القضية الوطنية المصرية، والقضية الفلسطينية، حيث أنشأ البنَّا وقاد تشكيلات فدائية عسكرية لمواجهة الاحتلال البريطاني لمصر، والدفاع عن فلسطين في حرب 1948.
رشح نفسه للانتخابات البرلمانية مرتين، الأولى عام 1942، والثانية عام 1945، وتنازل عن الترشيح بطلب من الحكومة حينئذ.
وجاء العام 1946 حاملا معه ذروة أحداث سياسية واضطرابات في ظل الاحتلال الأجنبي للبلد والتبعية، أدت في النهاية إلى إعلان رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي حل جماعة الإخوان المسلمين، ومصادرة أموالها واعتقال معظم أعضائها، في الثامن من ديسمبر 1948.
استشهاده
استشهد حسن البنَّا يوم 12 فبراير 1949، أمام مقر جمعية الشبان المسلمين، وفارق الحياة متأثرا بست رصاصات أطلقت عليه، ولم ينقع نقله إلى مستشفى القصر العيني في وقف نزيفه، وكان عمره آنذاك لا يتجاوز 43 عاما.
دُفن بمدافن الإمام الشافعي تحت تشديدات أمنية، وحملت نعشه زوجته وابنتاه، ولم يُصَلِّ عليه في جامع قيسون غير والده، وظلت الشرطة تحرس قبره مدة 6 شهور.
حُفِظ التحقيق، وقُيدت القضية ضد مجهول، حتى قيام ثورة يوليو 1952، إذ قُبض على المتهمين وصدرت في حقهم أحكام تفاوتت بين الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة.
وقال القاضي في حيثيات الحكم: إن “قرار اغتيال البنَّا اتخذنه الحكومة السعدية في عهد إبراهيم باشا عبد الهادي رئيس الوزارة، وتم ذلك بمباركة البلاط الملكي”.