مع تفاقم أزمة سد النهضة عقب إعلان إثيوبيا اكتمال الملء الخامس لخزانات السد، وإغلاق البوابات لمنع مرور المياه، قررت وزارة الري بحكومة الانقلاب تقليص المساحة المخصصة لزراعة الأرز إلى نحو 724 ألفاً و200 فدان للموسم الزراعي الجديد، الذي يبدأ في مايو المقبل بمحافظات الدلتا والوجه البحري مقارنة بمليون و74 فداناً في الموسم الحالي، بانخفاض قدره 349 ألفاً و800 فدان وهو ما تسبب فى ارتفاع أسعار الأرز.
وزعمت حكومة الانقلاب أن القرار يستهدف توفير ما لا يقل عن 20% من كمية المياه المستخدمة سنوياً في زراعة الأرز، ما يعني أن هناك نقصا في كميات المياه الواردة من نهر النيل، بسبب ملء خزانات سد النهضة.
يأتي ذلك في الوقت الذي تواصل أثيوبيا تعنتها وترفض التوقيع على اتفاق ملزم لإدارة وتشغيل السد بمشاركة دولتي المصب مصر والسودان وفي المقابل يتقاعس نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي عن اتخاذ أي إجراء قوي أو عمل عسكري لمواجهة التعنت الأثيوبي وتخطيط أديس أبابا لحرمان مصر من حقوقها التاريحية في مياه نهر النيل بضغوط من عيال زايد في الإمارات والذين يدعمون الموقف الأثيوبي مقابل استثمارات زراعية بملايين الأفدنة من المقرر أن يحصلوا عليها في الأراضي التي تحيط بسد النهضة .
كانت وزارة الري بحكومة الانقلاب قد أصدرت قراراً يحظر زراعة الأرز خارج المناطق المصرح بها، وفقاً للمادة 28 من قانون الموارد المائية والري رقم 147 لسنة 2021، مع تطبيق غرامات مالية على المخالفين وتحصيل مقابل مالي عن المياه الزائدة عن الحصة المقررة.
وحدد القرار مواعيد توصيل المياه لمشاتل الأرز في المناطق المصرح بها، بدءاً من أول مايو 2025، مع استثناء محافظتي كفر الشيخ والدقهلية، حيث تبدأ المناوبات من 15 أبريل القادم.
وشدد القرار على ضرورة الالتزام بضوابط توزيع مساحات الأرز، بما في ذلك تخصيصها لزمامات الترع المعتمدة، واستبعاد الترع ذات المناوبات الثلاثية أو التي تواجه صعوبات في توصيل المياه.
وتقتصر زراعة الأرز على تسع محافظات فقط من أصل 27، هي: الإسكندرية، والبحيرة، والدقهلية، والشرقية، وكفر الشيخ، والغربية، ودمياط، والإسماعيلية، وبورسعيد، مع فرض عقوبات تتضمن الغرامات والسجن للمخالفين في المحافظات الأخرى.
تداعيات خطيرة
من جانبه حذر الدكتور علاء عبدالله الصادق أستاذ تخطيط وإدارة الموارد المائية بالجامعات المصرية والعربية من أن مصر مهددة بالعطش والجفاف، وتعاني كثيرا من مخاوف نقص كميات المياه واضطرت إلى توجيه مليارات من أجل ترتيبات فنية وسيناريوهات تشغيلية وميزانية مالية عالية لمجابهة هذا الجفاف .
وأكد الصادق في تصريحات صحفية أن هناك مخاوف جدية من تأثيرات سلبية محتملة على مصر في حالة حدوث سنوات جفاف بعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي بدون توقيع أثيوبيا على اتفاق ملزم لتشغيله وإدارته مع دولتي المصب.
وأشار إلى أن مصر تعتمد بشكل شبه كامل على نهر النيل لتلبية احتياجاتها المائية، مشددا على أن حدوث أي نقص في تدفق المياه يمكن أن يؤدي إلى تداعيات خطيرة.
ونوه الصادق بأن أهم التأثيرات المحتملة من الجفاف، تتمثل في فقدان ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية، خاصة أن سد النهضة قد يتسبب في فقدان مصر أجزاء من مساحتها الزراعية خلال سنوات الجفاف، مما يؤثر سلبًا على الأمن الغذائي، إضافة إلى زيادة معدلات الجفاف، محذرا من أن التصرفات الأحادية لإثيوبيا في ملء وتشغيل السد قد تؤدي إلى زيادة فترات الجفاف، مما يفاقم من أزمة المياه في مصر.
الإنتاج الزراعي
وكشف أن تأثيرات الجفاف لا تتوقف على النشاط الزراعي، لكن تتعداها إلى إحداث تأثيرات اقتصادية واجتماعية، فقد يؤدي نقص المياه إلى تدهور الإنتاج الزراعي، وزيادة معدلات البطالة، وارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية.
وأكد الصادق أن هذه المخاوف تؤكد أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، من أجل ضمان توزيع عادل للمياه وحماية حقوق جميع الدول المشاطئة، خاصة خلال فترات الجفاف، مشددا على أن عدم التوقيع على هذا الاتفاق معناه الاستعداد لمجاعة تهدد البلاد وتجعلها عاجزة عن توفير احتياجاتها الزراعية والصناعية والتشغيلية .
اتفاق قانوني ملزم
وطالب الدكتور عباس شراقي أستاذ الموارد المائية بكلية الدراسات الإفريقية جامعة القاهرة حكومة الانقلاب بضرورة، العمل على تلافي أو تخفيض الأضرار التي ستنتج حتما عن سد النهضة، موضحا أن تلافي الأضرار، يتطلب إعداد أجهزة للإنذار المبكر وتبادل البيانات؛ لأن الأضرار الناتجة عن السدود ومنها السد الإثيوبي تسبقها مؤشرات على ذلك قبل حدوث الكارثة بفترة زمنية، وبيان معدلات الجفاف وسنوات الجفاف للمياه.
وقال شراقي في تصريحات صحفية: إن “سد النهضة سوف يسبب أضرارا كثيرة لمصر، ربما تختلف عن الإضرار التي قد يسببها للسودان مشددا على ضرورة العمل على مواجهة هذه الأضرار وتقليصها إلى أدنى حد ممكن”.
وأشار إلى أن إثيوبيا مطالبة بتنفيذ المطلوب في بند أمان سد النهضة الذي حددته الدراسات التي أعدتها لجنة الخبراء الدولية وإنشاء آلية لإدارة السد بين الدول الثلاث لضمان متابعة السد وتفعيل الإنذار المبكر، مشددا على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لضمان حصول مصر والسودان على المياه خلال فترات الجفاف.