فوضى وعشوائية ومراكز وهمية وانتحال صفة.. العلاج الطبيعي كوارث بالجملة في زمن الانقلاب

- ‎فيتقارير

 

 

في ظل الإهمال والتجاهل واللامبالاة في زمن الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي تحول العلاج الطبيعي إلى مهنة من لا مهنة له، حيث هناك أعداد كبيرة من غير المؤهلين تعمل في هذا المجال، وهو ما تسبب في مضاعفات وإصابات لكثير من المرضى.

وبين غياب الرقابة وانتشار الفوضى في هذا القطاع الحيوي، تتزايد آلام المرضى مع انتشار منتحلي الصفة ومراكز العلاج الوهمية، إضافة إلى الارتفاع الجنوني في أسعار الجلسات التي لا تخضع للتسعير من قبل الجهات المعنية. 

 

 

خطر جسيم

 

من ضمن الحالات التي تعرضت لكوارث العلاج الطبيعي أحد مشجعي النادي الأهلي ويدعى “أمّح  الدولي”،  وهو مصاب بمتلازمة داون، حيث تعرض لإصابة خطيرة في عموده الفقري بعد خضوعه لجلسة علاج طبيعي على يد غير متخصصين، تسببت فى كسر في الفقرتين 11 و12 وشرخ في فقرات أخرى، ما أفقده القدرة على الوقوف والحركة. 

وأظهرت لقطات فيديو انتشرت على الإنترنت “أمّح” وهو يخضع لعلاج باستخدام تقنية الكيروبراكتيك، التي تعتمد على الضغط المباشر على العمود الفقري أو ما يُعرف بالطرقعة”.

ورغم أن هذه التقنية تُستخدم في حالات بسيطة، إلا أنها تشكل خطرًا جسيمًا على المرضى الذين يعانون من مشكلات هيكلية أو مفصلية، كما في حالة “أمّح”. 

 

تأهيل أكاديمي

 

وقالت إلهام مصطفى (60 عامًا): إنها “تعاني من خشونة مزمنة في الركبتين وخضعت لـ 12 جلسة علاج طبيعي بناءً على توصية طبيبها، لكن حالتها لم تتحسن، بل تفاقمت آلامها بعد تمديد الجلسات، لتكتشف لاحقًا إصابتها بانزلاق غضروفي نتيجة تمارين خاطئة”.

وأكدت إلهام أنها اكتشفت أن الأخصائية التي أشرفت على علاجها لم تكن سوى حاصلة على دورة تدريبية بسيطة، وتعمل في مركز علاج طبيعي دون تأهيل أكاديمي. 

وأضافت: بعد أن علمت بحقيقة مؤهلات الطبيبة، قررت عدم العودة للمركز والبحث عن مختص مؤهل لتجنب أي مضاعفات جديدة.  

 

خريج تربية رياضية

 

وقال أحمد رضا (43 عامًا) : تعرضت لإصابة في قدمي اليمنى أثناء مشاركتي في مباراة كرة قدم، وبعد تشخيص حالي بتمزق في الأربطة، خضعت لتثبيت جبيرة لمدة شهر، ومع انتهاء فترة التثبيت، نصحني الطبيب بالبدء في جلسات علاج طبيعي لاستعادة حركتي الطبيعية. 

وأضاف رضا : ذهبت لمركز علاج طبيعي، وخضعت لـ ست جلسات، لكني لم ألحظ أي تحسن، بل بدأت أشعر بآلام إضافية في مواضع أخرى.  

وأكد أنه اكتشف فيما بعد أن الشخص الذي كان يشرف على جلساته لم يكن متخصصًا في العلاج الطبيعي، بل خريج كلية التربية الرياضية، مشيرا إلى أن هذا الشخص، رغم خبرته في التمارين الرياضية، لم يكن مؤهلاً للتعامل مع إصابات الأربطة الدقيقة، ما أدى إلى تفاقم حالته. 

وأشار رضا إلى أنه لم يكن يعلم أن المركز لا يضم مختصين بالعلاج الطبيعي، وبعد معرفته بالأمر، توجه لمركز آخر متخصص، لكنه صُدم من ارتفاع تكاليف الجلسات بشكل كبير مقارنة بالمركز الأول.

وشدد على أن غياب التسعير الموحد وتفاوت الأسعار بين المراكز يجعل المرضى عرضة لاستغلال مالي إضافي. 

 

انتحال صفة

 

وكشف عبد العاطي محسن، أخصائي علاج طبيعي، أن القطاع يعاني من تزايد حالات انتحال الصفة وغياب الرقابة الصارمة.

وقال محسن في تصريحات صحفية : العلاج الطبيعي هو فن التعامل مع أنسجة الجسم بطريقة علمية عبر التدليك والتمارين العلاجية، لكنه قد يتحول إلى خطر حقيقي إذا مارسه غير المتخصصين.  

وأكد أنه لا يحق ممارسة مهنة العلاج الطبيعي إلا لخريجي كليات العلاج الطبيعي، مشيرًا إلى أن المهنة شهدت اختلاطًا ملحوظًا بخريجي كليات التربية الرياضية، وهو ما يتعارض مع قانون مزاولة المهنة رقم 3 لعام 1985 وقانون النقابة العامة رقم 209 لعام 1994.   

وحذر محسن من أن إصابات مرضى العظام في مراكز العلاج الطبيعي في تزايد مستمر نتيجة تعيين غير متخصصين، يُفترض أن يقتصر دورهم على التأهيل الحركي فقط بعد انتهاء العلاج الطبي، إلا أن بعض المراكز تسمح لهم بإجراء جلسات علاجية دون تأهيل كافٍ، بل تمنحهم شهادات دبلوم لمزاولة المهنة، ما يعرض المرضى لمخاطر جسيمة. 

وأشار إلى أن المشكلة لا تقتصر على خريجي التربية الرياضية فقط، بل تمتد إلى أشخاص لا علاقة لهم بالمجال الصحي، حصلوا على دورات تدريبية قصيرة أو دبلومات غير معترف بها، وبدأوا في ممارسة المهنة دون أي تأهيل علمي، مؤكدا أن هذه الممارسات قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل الشلل، أو الشعور الدائم بالألم والتنميل، بل وقد تتفاقم الحالة الصحية بدلًا من علاجها.  

 

فوضى

 

وأكد علاء غنام – مسئول الحق في الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن قطاع العلاج الطبيعي يعاني من عدم التنظيم والفوضى، لا سيما مع انتشار المراكز غير المرخصة في ظل غياب الرقابة القانونية اللازمة على هذه المراكز، ما يعرض المرضى لتحمل أخطار مضاعفة في حالة اللجوء لهذه المراكز التي في الأغلب تستعين بغير متخصصين. 

وقال “غنام” فى تصريحات صحفية: إن “قانون مزاولة المهنة لعام 1985 وكذلك قانون النقابة العامة لعام 1994، يحددان آلية عمل تلك المراكز، والشروط التي يجب توافرها في الأطباء الممارسة لمهنة العلاج الطبيعي، مؤكدا أن الاستعانة بخريجي كلية التربية الرياضية للعمل في مراكز العلاج الطبيعي غير قانوني”.

وأشار إلى أن الاستعانة بأشخاص حاصلين على الدبلومات والكورسات المنتشرة عبر وسائل التواصل الإجتماعي يعد غير قانوني ويعرض هؤلاء الأشخاص والمركز العاملين فيه للمسائلة القانونية والسجن بتهمة انتحال صفة أطباء، لا سيما مع الأخطاء الجسيمة التي تحدث للمرضى، بسبب هؤلا الأشخاص غير المعنيين. 

وشدد “غنام” على ضرورة الرقابة على هذه المراكز من قبل الجهات المعنية للحفاظ على الحالة الصحية للمرضى، من جهة، والعمل على تقنين أوضاعها من جهة أخرى. 

واعتبر أن زيادة عدد الكليات الخاصة بالعلاج الطبيعي من 15 كلية في نهاية عام 2022، إلى نحو 60 كلية بجامعات مختلفة حاليا، يصب في صالح سوق العمل بما يتناسب مع زيادة عدد المرضى، وأيضًا يساعد ذلك في مواجهة وجود أشخاص غير مؤهلين للعمل في العلاج الطبيعي، متوقعًا أن يساهم زيادة عدد الخريجين في تخصصات مختلفة في توفير آليات جديدة للعمل بهذا القطاع الطبي الهام.