على الرغم من تأكيد وزير العمل بحكومة الانقلاب ، محمد جبران، أن الوزارة ستتخذ إجراءات صارمة ضد الشركات التي لا تلتزم بالحد الأدنى للأجور بعد الزيادة التي أقرها المجلس القومي للأجور برفعه إلى سبعة آلاف جنيه بدلاً من ستة آلاف جنيه ، وتشديد جبران أن القرار لا يتضمن أي استثناءات، ويشمل جميع العاملين في القطاع الخاص، ويهدف إلى تحسين مستوى معيشة العمال في مصر، مشيراً إلى أن قانون العمل ينص على فرض عقوبات رادعة على المنشآت التي لا تلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور.
إلّا أن التجربة السابقة مع قرارات مماثلة تثير تساؤلات جدية حول مدى التزام القطاع الخاص بتنفيذها، وجدوى هذه الزيادة في تعزيز مستوى المعيشة للمواطنين في ظل غياب آليات رقابية صارمة تضمن التطبيق واستمرار الضغوط التضخمية.
ويظل التنفيذ أمراً نظرياً أكثر منه واقعياً، إذ تشير شهادات العمال والنقابيين إلى أن أغلب الشركات والمؤسسات الخاصة لم تلتزم به، مستغلة ضعف الرقابة الحكومية والمرونة القانونية التي تسمح لها بالحصول على استثناءات من التطبيق.
وكان حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي قد أعلن مؤخراً تطبيق حزمة اجتماعية “جديدة واستثنائية” بزعم مواجهة غلاء الأسعار والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها البلاد في الفترة الأخيرة، بعد تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، الذي يلزم الحكومة بتحرير أسعار السلع والخدمات الأساسية، وتطبيق سعر صرف مرن للجنيه مقابل الدولار ، ولكن قرر تأجيل تطبيق زيادة الحد الأدنى للمرتبات وكذلك المعاشات ،إلى يوليو المقبل .
لا زيادة للأجور في القطاع الخاص
لكن على أرض الواقع يقول الموظف في إحدى شركات التصنيع غرب الإسكندرية، محمد عاطف فى تصريحات صحفية “طوال السنوات الماضية، نسمع عن قرارات رفع الحد الأدنى للأجور، ولكن رواتبنا لم تزد جنيهاً واحداً، لأن الشركة لم تلزم ذاتها بهذه القرارات، بحجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة”.
ويضيف: “عندما نُطالب بحقوقنا، خاصة في ظل التضخم وارتفاع الأسعار في الفترة الأخيرة، يكون الرد أن من لا يعجبه الوضع يمكنه المغادرة، في ظل سوق عمل يعاني البطالة والتشبع”.
أما الموظف في شركة لأعمال الدعاية والإعلان، أحمد سيف، فيقول: “غالبية الشركات في مختلف أنحاء البلاد لا تلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور، وقليل جداً من المؤسسات نفذت الزيادة الماضية التي أُقرّت في مايو/ أيار 2024 الماضي، ورغم أن الحد الأدنى الآن أصبح سبعة آلاف جنيه، لكن في الواقع لم يتغير شيء، ما زلت أتقاضى 4500 جنيه، وعندما طالب هو وزملاؤه القائمين على إدارة الشركة بتطبيق القرار، قالوا إنهم غير ملزمين، لأن لديهم استثناء بسبب ظروف مالية، وأي زيادة في الأجور ستجعلهم مضطرين لتقليل عدد العمال”.
استثناء بعض الشركات في مصر
ووفقاً لقرارات المجلس القومي للأجور، يمكن للشركات التي تواجه ظروفاً اقتصادية صعبة التقدم بطلب استثناء من تطبيق الحد الأدنى للأجور، وهو ما فتح الباب أمام تحايل واسع، إذ تستغل العديد من الشركات هذا الاستثناء كغطاء لعدم الالتزام.
ويؤكد المحاسب في شركة استيراد بالإسكندرية، حمدي حفني، فى تصريحات صحفية أنه لا توجد ضوابط لإلزام أصحاب الأعمال بدفع الزيادات المقررة في الأجور في مواعيدها، فالحكومة تُصدر قرارات لا تُراقب تنفيذها، وعندما يشتكي العمال لمكاتب العمل يكون الرد أن علينا التفاهم مع الشركة، وكأننا في مفاوضات خاصة، وليس في دولة يُفترض أن لديها قوانين ملزمة للجميع.
ويشير إلى أن بعض الشركات تتحايل على القرار بطريقة أخرى، حيث يرفعون المرتب الأساسي ليصل إلى الحد الأدنى المطلوب، ولكنهم يخصمون الحوافز والمكافآت التي كان يحصل عليها العامل، وبالتالي يبقى صافي الدخل كما هو دون أي زيادة فعلية”.
أما العامل في مصنع ملابس بالمنطقة الحرة في الإسكندرية، محمود عبد الرسول، فيقول: “الشركات كلها تتبع ذات الأسلوب في التهرب من تنفيذ القرارات، ونحن مضطرون للقبول بهذه الرواتب الضعيفة؛ لأن فرص العمل والتوظيف قليلة”.
لا حماية للعمال في مصر
يوضح الباحث الاقتصادي أحمد سامي رغم أن الدولة تتبنى خطاباً يدّعي الحرص على العمال، ولكنها في الوقت ذاته لا توفر لهم أي حماية حقيقية، فالجهات الرقابية ضعيفة، وعقوبات عدم الامتثال للحد الأدنى للأجور غير رادعة، والشركات الكبرى تمتلك نفوذاً يسمح لها بتجاهل القرارات من دون عواقب.
وتابع سامي: “في ظل الارتفاع المستمر في معدلات التضخم، وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، تبدو الحاجة إلى تطبيق فعلي لقرارات رفع الحد الأدنى للأجور أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، ولكن ما لم يكن هناك ضغط حكومي حقيقي على القطاع الخاص، فإن هذه القرارات ستظل مجرد وعود للاستهلاك الإعلامي، دون أن تنعكس على أرض الواقع في حياة العمال وأسرهم”.
وأردف: حتى ذلك الحين، سيبقى الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص في مصر عنواناً للضجيج بلا طحين، في انتظار يوم يصبح فيه تطبيقه التزاماً حقيقياً لا مجرد قرار على الورق.
ويؤكد المحامي العمالي، عماد النبوي، في تصريحات صحفية “أن “القرارات الحكومية الخاصة برفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص تظل بلا تأثير حقيقي ما دامت الرقابة ضعيفة، وما دام الاستثناء من التطبيق سهلاً، فالشركات إما ترفض التنفيذ صراحة، أو تلجأ إلى أساليب التحايل مثل زيادة عدد ساعات العمل أو تخفيض البدلات لتعويض الفارق”.
ويضيف: لا تمتلك الحكومة المصرية أدوات حقيقية لفرض تطبيق قرارات الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، فمع غياب نقابات عمالية مستقلة قادرة على الدفاع عن حقوق العمال، واستمرار التضييق على النشاط النقابي، يجد العمال أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر: القبول برواتب أقل من الحد الأدنى، أو المخاطرة بفقدان وظائفهم في سوق عمل غير مستقر.
وشدد المحامي العمالي على ضرورة وضع آليات حازمة لإجبار الشركات لتطبيق الحد الأدنى للأجور، من خلال فرض مزيد من العقوبات على المؤسسات المخالفة وربط الأجور بمعدلات التضخم لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية.
