مع انشغال داخلية الانقلاب بملاحقة معارضي السيسي ..الجرائم الوحشية تغزو المجتمع المصرى

- ‎فيتقارير

 

في ظل غياب الأمن وانشغال داخلية الانقلاب بملاحقة المعارضين لنظام السيسي انتشرت الجرائم الوحشية في المجتمع المصري بصورة لم يسبق لها مثيل لدرجة أن أصبحت صفحات الحوادث وقنوات التليفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي، تنشر يوميا جرائم غريبة وحوادث بشعة .

كانت الآيام الماضية قد شهدت مشاجرة طالبات بمدرسة دولية بالقاهرة، وبعدها كانت هناك واقعة مأساوية أخرى في الإسكندرية بسبب تعدي طالب على 3 من زملائه بسكين، وبعدها قتل عقيد شرطة على يد عميل داخل أحد البنوك بالفيوم، وفي الأقصر قام مختل عقلي بذبح جاره وحمل رأسه وسار بها في الشوارع بجانب سفاح التجمع وسفاح الإسماعيلية وغير ذلك الكثير.

 

انفلات مجتمعي مرعب

 

من جانبه وصف الدكتور وليد رشاد أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية هذه الجرائم بأنها وقائع مؤسفة لا يمكن للعقل أن يصدقها لكنها تكشف عن حالة انفلات مجتمعي مرعب، لافتا إلى أنه في الفترة الأخيرة شهدنا عددا كبيرا من الجرائم، وكان القاسم المشترك بين هذه الجرائم هو الوسيط الإعلامي “السوشيال ميديا” التي انتشرت من خلالها هذه الجرائم، فالجريمة أصبحت تريند، وتعمل السوشيال ميديا على زيادتها .

وقال “رشاد” في تصريحات صحفية: “انتشار هذه الجرائم في المجتمع بشكل متتابع له مجموعة من الأسباب أولها وَهَن أو ضعف العلاقات الاجتماعية، حيث بدأت العلاقات تضعف بين العائلات والزملاء والجيران حتى داخل الأسرة نفسها والسبب الثاني انتشار اضطرابات نفسية وضغط يسببه السوشيال ميديا بجانب الوحدة والضغوط التي يتعرض لها الفرد، كل هذه الأسباب خلقت حالة سلبية وبدأت تضغط على الأفراد وتجعلهم يتجهون إلى أحداث العنف الذي يصل إلى حد القتل في بعض الأحيان”.

وأضاف : السبب الثالث في هذه الجرائم العنيفة هو تعاطي المخدرات، لأن الشخص تحت تأثير المخدرات، خاصة المؤثرة علي الأعصاب تجعله لا يستطيع السيطرة على نفسه، وهذا ما حدث مع المتهم بقتل مواطن وفصل رأسه بسكين فى الأقصر، إذ قال شهود عيان بالمنطقة: إن “الشاب القاتل مضطرب نفسيا ويتعاطى المواد المخدرة، ولدينا سبب اجتماعي مرتبط بضعف العلاقات الاجتماعية وسبب نفسي مرتبط بالتحديات أو الأمراض النفسية التي تواجه بعض الأفراد وسبب عضوي مرتبط بتعاطي المخدرات”.

وأشار “رشاد” إلى أن هذه الجرائم تطفو على السطح بسببه التناول الإعلامي الرقمي من خلال السوشيال ميديا مع انتشار صحافة المواطن وثقافة الشير والتريند لتأخذ هذه الجرائم حيزا من الرأي العام، مؤكدا أن انتشار الجرائم ونشر أحداث العنف له تأثيرات سلبية؛ لأن نشر العنف يولد المزيد من العنف أحيانا، كما أن هناك أسباب غير مباشرة لأحداث العنف، وهي التعرض لمشاهد العنف نفسها سواء في الإعلام أو السوشيال ميديا، وهذا يتسرب إلى بعض الأفراد ويتجهون لممارسة هذا السلوك دون وعي.

 

مسخ ثقافي

 

وقال الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي وطب المخ والأعصاب بجامعة عين شمس : “نحن في زمن المسخ الثقافي، حيث انحدرت القيم الاجتماعية وأصبح هناك انهيار في العلاقات الأسرية وانحطاط سلوكي وأخلاقي”.

وتساءل فرويز في تصريحات صحفية : لماذا تحدث هذه الجرائم؟ موضحا أن الضغوط الحياتية والحالة الاقتصادية والأحداث والتوترات الجيوسياسية جعلت الناس وكأنهم قنبلة موقوتة على وشك الانفجار وفي أي موقف انفعالي بسيط تجد الأمور تحولت للأسوأ، ناهيك عن دور الدراما والمسلسلات والسوشيال ميديا التي تعزز من السلوكيات السلبية.

وأضاف : عندما كنت في إنجلترا منذ فترة اعتبرت جامعة أكسفورد 2025 عام التعفن الدماغي بمعنى أن الإفراط في استخدام الأجهزة الذكية والسوشيال ميديا للأطفال والمراهقين يسبب تلف الخلايا العصبية في الصبغ الأمامي من المخ، وبالتالي الأطفال سيكون عندهم مشاكل في التركيز والانتباه والعصبية المفرطة والفرط الحركي والتحصيل الدراسي سيقل إلى جانب التأثير على العصب البصري والخلايا العصبية.

وأوضح فرويز أن الحل في عودة الثقافة والقيم والأخلاق لمجتمعنا مرة أخرى، قائلا: “الشخصية المصرية تتسم بالحب والخير والسلام وأقصى ما كنا نفعله كأجيال قديمة في مباريات كرة القدم هو التعصب والغضب لكن بمجرد أن نخرج من الاستاد نحن أخوة، لكننا الآن نسمع ألفاظا بذيئة وإهانة وسبابا ومعارك حتى وصل الأمر للقتل”.

وشدد على ضرورة التقليل من استخدام السوشيال ميديا والبحث لأولادنا عن بدائل للسوشيال ميديا وأن يجلس الآباء والأمهات مع أبنائهم يسمعون للأولاد ويصاحبونهم ويعرفون منهم ما الذي يعكر مزاجهم ويعلمونهم كيف يتعاملون مع التنمر وغيره من السلوكيات السلبية؟.

وطالب فرويز الأسرة بأن تلعب دورها الذي لا نراه في هذه الأيام، فالأب اختفى دوره والأم المنشغلة بعملها، زمان كان الأب يعود من العمل الثانية ظهرا والأولاد يعودون من المدرسة ويجتمعون على الغداء الثالثة عصرا ثم يشاهدون المسلسل الدرامي الخفيف ويذاكرون وينامون من الساعة 8 أو 9 مساء، لكن اليوم الأب يعمل في وظيفتين أو أكثر ويظل 24 ساعة خارج المنزل لا يعلم شيئا عن أولاده والأولاد أمام التيك توك وانستجرام، لافتا إلى أن الإسراف في استخدام الهواتف الذكية يثير الخلايا العصبية داخل المخ ويجعل الإنسان أكثر قابلية للاستثارة والعصبية.

 

السوشيال ميديا

 

وقالت الدكتورة لميس النجار الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة: “للأسف وصلنا لمرحلة كل واحد بيقول وأنا مالي” والسوشيال ميديا عززت بداخلنا تصوير اللقطة بدلا من التصرف لحل المشكلة، موضحة أنه في أي واقعة سمعنا عنها كان من الممكن أن يتدخل أي شخص لفض الاشتباك ومنع أي جريمة من الحدوث لكن الأطفال والكبار يفضلون فتح هواتفهم وأخذ وضعية “الفوتوجرافر” لنشر مقطع فيديو على السوشيال ميديا والبحث عن التريند والمشاهدات بالملايين، مشيرة إلى أن السوشيال ميديا عززت جملة “أنا مليش دعوة”.

وأكدت لميس النجار في تصريحات صحفية أن الأشخاص الذين يرتكبون أفعال عنف يكونون على علم بأنه يتم تصويرهم وأن هناك كاميرات لكنهم يتجاهلون العقاب، لا أستطيع لوم الأهل وحدهم رغم أنهم يتحملون ذنبا كبيرا بسبب تربيتهم لأولادهم ولا يمكن لوم المؤسسات التعليمية ووضع المسئولية كاملة على عاتقها رغم غياب دورها التربوي، متسائلة: أين الأخصائيون الاجتماعيون؟ على أيامنا كان هناك أخصائي اجتماعي ونفسي يستهدف الطلاب الذين يعانون من مشاكل نفسيه ولديه قائمة بأسماء الطلاب الأيتام أو الذين انفصل والديهم، وكان يصاحبنا ويستمع لمشكلاتنا ويحاول أن يكون صديقا قبل أن يكون مسئولا لكن الآن هذا الشخص اختفى رغم أنه يوجد لدينا كلية الخدمة الاجتماعية والتربية التي تخرخ الآلاف كل عام.

وأضافت: السوشيال ميديا عامل رئيسي لتكرار هذه الحوادث، فالأولاد أصبحوا يقضون ساعات على تطبيقات التيك توك وغيرها وأصبحنا نسمع الألفاظ البذيئة وكأنها حديث عابر والمشاهد أو اللقطات العنيفة كأنها مقطع كوميدي يضحكهم أكثر ما يثير الخوف في أنفسهم، مشددة على ضرورة ألا نعلق كل شيء على شماعة السوشيال ميديا، فالأهالي يستطيعون أن يتحكموا فيما يشاهده أطفالهم ويصبحوا أكثر قربا منهم ويستمعون لمشكلاتهم، خاصة في فترة المراهقة التي أصبحت تبدأ في سن مبكرة جدا.

وأشارت لميس النجار إلى أن غياب دور المؤسسات الدينية عزز من كل هذه الأسباب السلبية محذرة من أن الموضوع ليس مجرد حادثة عابرة، ولكنه يتكرر بصور مختلفة ملخصها غياب التربية وإهدار التعليم، وتلك هي نتائج سنوات مضت تعطلت فيها أمور كثيرة.