أكد الخبير الاقتصادي وائل النحاس أن بقاء معدلات التضخم عند مستوياتها المرتفعة هو نتيجة طبيعية لاعتماد سلطة الانقلاب فى مصر على استيراد معظم احتياجاتها الأساسية، وارتباط عمليات التوريد بالطلب على الدولار، الذي تتراجع إيراداته من المصادر المحدودة التي تمتلكها الدولة، مثل تحويلات المصريين بالخارج ورسوم العبور بقناة السويس والصادرات غير النفطية، كما أشار إلى تصاعد العجز المزمن بين الصادرات والواردات بما يفوق 40 مليار دولار سنويًا، نتيجة إهدار الحكومة موارد الدولة من الدولار والإفراط في الاقتراض لتمويل مشروعات غير ربحية تستهلك أغلب موارد البلاد من العملة الصعبة.
حذر النحاس من صعود موجات التضخم في أسعار الواردات والسلع عالميًا خلال الفترة المقبلة، متأثرة بحالة الاضطراب وحرب التعرفة الجمركية التي أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بين الدول، وهو ما يبقي الأسواق المحلية رهينة التوتر الذي تشهده سلاسل الإمداد والتعرفة الجمركية، بالإضافة إلى تأثير تلك الحرب على أسعار الصادرات وكلفة مستلزمات الإنتاج، وزيادة ضغوط الدولار على الجنيه.
كما تدفع موجات التضخم في أسعار السلع شركات القطاع غير النفطي والمستثمرين إلى العودة لمنطقة الركود، التي تجاوزتها المؤسسات الصناعية لأول مرة منذ خمس سنوات، وسط حالة من التشاؤم بشأن المستقبل، بسبب استمرار حالة الركود في الطلب على المنتجات والسلع بالأسواق، ما يدفع المصانع إلى تخفيض عمليات الإنتاج وتحمل جزء كبير من الزيادة في كلفة المنتجات على حساب هامش الربح، مع المخاطرة بعدم القدرة على تحمل أعباء التضخم المرتفع.
التضخم والأوضاع المعيشية
وقال النحاس: إن “التضخم كمؤشر اقتصادي لا يعكس بالضرورة تحسن الأوضاع المعيشية أو انخفاض الأسعار، موضحًا أن المشكلة الحقيقية التي تواجه الأسواق ليست في تراجع معدلات التضخم، بل في استمرار ارتفاع تكاليف الإنتاج والتسعير، مما يؤدي إلى ضغط مباشر على القوة الشرائية للمواطنين”.
وأوضح النحاس أن التجربة الاقتصادية لمصر في عام 2016، عند تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي وتعويم الجنيه، كانت مثالًا واضحًا على ذلك، حيث قفز معدل التضخم إلى 38%، ومع مرور الوقت، تراجعت معدلاته تدريجيًا حتى وصلت إلى 6% في عام 2022، لكن دون أن يصاحب هذا الانخفاض أي تراجع في أسعار السلع، بل استمرت في الارتفاع.
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن هذا الأمر يعكس خللًا جوهريًا في آلية التعامل مع التضخم، حيث يتم التركيز على مقارنات سنوية تستند إلى “سنة الأساس”، دون أن يتم استهداف التكاليف الفعلية للمنتجات والخدمات، مما يجعل انخفاض التضخم رقمًا نظريًا لا ينعكس على الأسواق، إذ تبقى الأسعار في اتجاه تصاعدي مستمر، حتى في ظل انخفاض المؤشر الرسمي للتضخم.
وأضاف النحاس أن استراتيجية استهداف التضخم وفق سنة الأساس أصبحت غير ملائمة للواقع الاقتصادي الحالي، خاصة في ظل التغيرات الحادة التي شهدها سعر الصرف، حيث فقد الجنيه المصري نحو 67% من قيمته خلال عام 2024، ورغم انخفاض معدلات التضخم، لم تنخفض الأسعار، بل استمرت في الصعود، وهو ما يكشف عن التناقض بين تراجع معدلات التضخم وبين ارتفاع تكلفة المعيشة.
وأكد أن الانخفاض الحقيقي في التضخم لا يُقاس فقط بتراجع النسب المعلنة، وإنما بانعكاسه المباشر على قدرة المواطن الشرائية، متسائلًا: “إذا كنت أشتري خمس سلع بـ10 آلاف جنيه سابقًا، فهل يمكنني الآن شراء سبع سلع بنفس المبلغ؟”، مشددًا على أن هذا لم يحدث، وهو ما يثبت أن التضخم في شكله التقليدي لم ينخفض فعليًا، بل تحوّل إلى حالة من التضخم المزمن الذي يستمر في تقليص القوة الشرائية، حتى مع استقرار أو تراجع مؤشراته الحسابية.
https://x.com/Dr_wael_elnahas/status/1891129555106062680