تواصل الأسعار ارتفاعها بشكل غير مبرر مع بداية شهر رمضان المبارك رغم ما تعلنه حكومة الانقلاب عن تراجع أسعار بعض السلع أو تنظيم معارض أهلا رمضان وأسواق اليوم الواحد بأسعار مخفضة..هذه الارتفاعات المتوالية تجعل المواطنين يتساءلون : لماذا لا تتراجع الأسعار حتى بالنسبة للسلع المستوردة التى تتراجع أسعارها فى الخارج ولا تشهد أي انخفاضات فى مصر ؟
خبراء الاقتصاد أرجعوا هذه الارتفاعات إلى أن هناك ممارسات احتكارية فى الأسواق المصرية بمختلف المجالات، فضلاً عن ضعف الرقابة على الأسواق، وترك الأمر لكل صانع أو تاجر ليقوم بتحديد أسعار المنتجات كيفما يشاء .
وقال الخبراء إن تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية أكثر من مرة خلال سنوات قليلة تسبب فى ارتفاع تكلفة الإنتاج وبالتالى ارتفاع الأسعار .
ممارسات احتكارية
فى هذا السياق، قال الدكتور على الإدريسى، أستاذ الاقتصاد بمدينة الثقافة والعلوم، إن هناك عدة أسباب لعدم انخفاض الأسعار منها: ضعف الرقابة على السوق فضلاً عن وجود تشوهات سعرية فى العديد من السلع، حيث تجد سوبر ماركت معيناً يبيع سلعة بسعر، وفى نفس المكان سوبر ماركت آخر يبيع نفس السلعة بسعر آخر، وهكذا فى مختلف السلع والمناطق، دون حسيب أو رقيب.
وأضاف الإدريسى فى تصريحات صحفية : من ضمن الأسباب أيضاً وجود عدد كبير من الحلقات بين المنتج والمستهلك، وهذه الحلقات تخلق هوامش ربح كبيرة ما يؤدى إلى رفع الأسعار، لأن كل تاجر يقوم بممارسات احتكارية لزيادة أرباحه.
وأكد أن تكلفة الإنتاج والاستيراد المرتفعة أيضاً سبب رئيسي فى زيادة الأسعار، لأن الاستيراد مرتبط بسعر الصرف الذى زاد بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وبالتالى فنحن هنا أمام تكلفة مضاعفة، خاصة أننا نعتمد على الاستيراد فى معظم المجالات .
وشدد الإدريسى على أن خفض الأسعار، يحتاج إلى سعر صرف مستقر وزيادة الإنتاج بشكل كبير، ووجود رقابة فعلية على الأسواق ومواجهة الممارسات الاحتكارية، وتفعيل دور أجهزة حماية المتسهلك ومكافحة الاحتكار، مع زيادة إمكانيات هذه الأجهزة البشرية والتكنولوجية، مؤكدا أن المواطن يحتاج لمن يحميه .
احتكار القلة
قال الدكتور صلاح فهمى، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، إن أحد أبرز أسباب عدم انخفاض الأسعار بعد ارتفاعها هو ما يسمى باحتكار القلة، وهو يعنى اتفاق مجموعة من الشركات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة على تسعير معين للسلعة أو الخدمة يتم تطبيقه على كل المستهلكين، مؤكدا أن هذا نلاحظه فى بعض القطاعات مثل الاتصالات والصناعات الغذائية، وكل سوق أو قطاع تتحكم فيه مجموعة شركات يقال عليهم كبار السوق.
وأشار فهمى فى تصريحات صحفية إلى أن خير مثال على ذلك شركات الاتصالات التى رفعت أسعار الإنترنت المنزلى والباقات وكروت الشحن مؤخراً، رغم أنها تربح أرباحاً طائلة بعد الانتهاء من تنفيذ البنية التحتية لمشروعاتها خلال السنوات الماضية، متسائلا لماذا ترفع الأسعار وهى تربح مكسباً صافياً كل عام؟
وأوضح أنه من ضمن الأسباب غياب دور جهاز حماية المستهلك وضعف الرقابة على السوق، وغياب التنافسية بين أصحاب القطاع الواحد ما يعنى دخول السوق فى شبه احتكار.
وأكد فهمى أن التاجر البسيط يسترشد بحكومة الانقلاب فى رفع الأسعار وعدم خفضها، مدللاً على ذلك بعدم خفض أسعار البنزين منذ تشكيل لجنة تسعير المواد البترولية منذ سنوات، مشيراً إلى أن هذه اللجنة لم تخفض أسعار البنزين عندما انخفضت أسعار النفط العالمية، ولذلك فإن التاجر هو الآخر يسترشد بهذا السلوك فى مثل هذه الأمور وغيرها.
ولفت إلى أن من الأسباب أيضاً ظاهرة عجيبة فى مصر وهى استغلال المواسم فى رفع أسعار السلع سواء موسم رمضان أو الأعياد للمسلمين والمسيحيين وغيرها موضحا أن الصدمات الخارجية تنعكس على الاقتصاد المصرى بشكل سريع سواء سلبية أو إيجابية، وبالتالى لابد عندما تنخفض الأسعار عالمياً أن نشعر بذلك محلياً، والعكس صحيح .
المستهلك النهائى
وقال فهمى إن التوقعات أو التكهنات الخاصة بسعر الدولار تتسبب أيضاً فى لجوء التجار لرفع الأسعار، بينما لا يحدث العكس فى حالة توقعات انخفاض الأسعار، ووقتها يقال إننا فى سوق عرض وطلب، مؤكداً أن التجار الذين رفعوا أسعار المنتجات الموجودة لديهم قبل رفع الدولار تربحوا من لا شىء، لكن عندما انخفض الدولار لم يقوموا بخفض الأسعار بالشكل المطلوب، والسبب فى ذلك هو عدم وجود رقابة على الأسواق ، وعدم وضع أسعار المنتجات قبل خروجها من المصانع.
وأشار إلى أن المستهلك النهائى هو من يدفع ثمن أى ارتفاع فى الأسعار والظروف العالمية فى كل وقت مطالبا بأن تتبع حكومة الانقلاب نظام التحوط فى شراء السلع الأساسية تجنباً للارتفاعات المستقبلية فى الأسعار العالمية سواء فى القمح أو البترول وغيرها من السلع الاستراتيجية التى يتم استيرادها، وبالتالى يتم تثبيت الأسعار على المستهلك، أى أن حكومة الانقلاب تتفق على شراء صفقة معينة من سلعة ما بسعر اليوم لكن تسليمها يكون فى موعد مستقبلى، وبالتالى إذا ارتفع سعر هذه السلع تكون فى مأمن من هذا الارتفاع وبالتالى المواطن لا يتأثر بالارتفاع العالمى.
التحوط
قال الباحث الاقتصادى محمد محمود، إن الغرف التجارية هى المتحكمة بنسبة كبيرة فى الأسواق بمختلف السلع، لأنها تضم معظم الشركات العاملة فى السوق المصرى.
وأضاف محمود فى تصريحات صحفية أن شركات القطاع الخاص خاصة الكبيرة تقوم بإعداد موازنات تشبه الموازنة العامة للدولة، مشيراً إلى أن الفارق بين الموازنة والميزانية يتمثل فى أن الميزانية تشمل أرقاماً تاريخية وما حدث بالفعل خلال عام مضى، بينما الموازنة تتوقع أداء الشركة خلال عام قادم ومستهدفاتها.
وتابع: وفقاً لذلك تعمل الشركات بمبدأ محاسبى يسمى التحوط ضد ارتفاع الأسعار، وهناك شركات تعمل وفقاً له بشكل مقبول، بينما أخرى تستخدمه لزيادة الربحية الخاصة بها، وهذا ظهر بشكل واضح فى سلعة الذهب عندما وصل الدولار فى السوق السوداء إلى 70 جنيهاً، وتم التسعير وفقاً لهذا الرقم بسبب التحوط المبالغ فيه، بالإضافة إلى قطاع العقارات الذى زادت فيها الإيجارات وقيمة الوحدات بشكل كبير نتيجة هذا التحوط .
وأوضح محمود أنه على الجانب الآخر هناك شركات تتحوط بشكل مقبول لكنها تعتمد على استيراد المواد الخام أو جزء منها بالدولار من الخارج، وبالتالى تقوم بتقدير سعره فى موازنتها بأعلى من السوق قليلاً تحسباً لأى ارتفاع مستقبلى، وإذا كان حالياً بـ50 جنيهاً تقدره فى موازنتها بـ55 جنيهاً، لأنها إذا لم تتحوط فسوف يتسبب ذلك فى ضرر مالى لها، مؤكداً أن الشريحة التى تحقق أرباحاً عالية فى الاقتصاد المصرى هى التجار وليس الصناع والشركات، التى تتحمل تكاليف تصنيع أكبر كثيراً من التجار.
وأشار إلى أن عدم هدوء الأسعار خصوصاً فى السلع الأساسية يرجع إلى التحوط والخوف من الغد لدى الصناع والتجار على حد سواء، خاصة عند الشركات التى تتحوط بشكل غير منطقى.
وأكد محمود أن خفض الأسعار يتطلب حلولاً طويلة المدى، تتمثل فى العمل على تقليل الأهمية النسبية للدولار من خلال إحلال الواردات بمنتجات مصنوعة محلياً وتخفيض الاعتماد والطلب على الدولار، كما يجب زيادة الصادرات الصناعية وليس المواد الخام أو الحاصلات الزراعية، بحيث تكون لها قيمة مضافة صناعية .
