حذر الرئيس التونسي الأسبق، الدكتور منصف المرزوقي، من صعود ما سماه "الليبرالية الفاشية" كأيديولوجيا جديدة تكتسح الفكر السياسي في الغرب، خصوصًا في الولايات المتحدة، منبّهًا إلى أنها تهدد القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان باسم عقلانية السوق والتطور التكنولوجي.
وشبّه المرزوقي في مقال له في الجزيزة نت المفكر الأميركي كيرتس يارفين، المنظّر الأبرز لهذا التوجه، بـ"نفايات فكرية مغلفة بجورب من حرير"، في إشارة إلى المصطلحات البرّاقة التي يستخدمها مثل "التنوير المظلم" و"الرجعية الجديدة"، التي تُخفي في جوهرها أفكارًا فاشية عنصرية ومعادية للديمقراطية.
ويستعرض المرزوقي بعض مبادئ هذه "الليبرالية الفاشية"، أبرزها:
الإيمان بتفوق العرق الأبيض.
رفض الديمقراطية لصالح حكم الزعيم الأوحد.
تحويل الدولة إلى شركة خاصة يديرها "مدير عام" يملك كل الصلاحيات، ويخضع له مجلس غير منتخب.
اعتبار الشعب مجرد "مساهمين" في شركة، لا أكثر.
ويشير إلى أن هذا النموذج يستبعد دولة الخدمات، ويستبدلها بمجتمع تحكمه قوانين البقاء للأقوى، كما يتصورها الفكر الفاشي الجديد.
أميركا نموذجًا: من التنظير إلى التنفيذ
بحسب المرزوقي، فإن السياسات الحالية في الولايات المتحدة تُترجم فعليًا أفكار يارفين، من حيث تركيز السلطات بيد الرئيس، وتهميش الكونغرس والقضاء، وتفكيك مؤسسات مثل "USAID"، وتقويض الجامعات والإعلام.
ويضيف أن التعامل مع الحرب في أوكرانيا بات تجاريًا بحتًا، قائمًا على ما ستجنيه أميركا من الثروات النادرة، وليس على قيم الدفاع عن الديمقراطية.
نهاية الدولة القومية؟
يرى المرزوقي أن التحول الجذري الأخطر في هذا الفكر يتمثل في السخرية من مفهوم الدولة-الأمة، والترويج لفكرة عالم تُديره شركات كبرى عابرة للحدود كـ"ميتا" و"غوغل" و"أمازون"، أشبه بشركة الهند الشرقية البريطانية في القرون الماضية.
ويتساءل إن كانت البشرية ستشهد قريبًا جيوشًا لهذه الشركات تحكم العالم بمعزل عن الدول، التي صارت ميزانياتها أقل من ميزانية تلك الشركات العملاقة.
انهيار التحالف التاريخي بين الليبرالية والديمقراطية
ويختتم المرزوقي مقاله بالتنبيه إلى التحول الجذري الثاني، وهو تفكك الرابط التقليدي بين الرأسمالية (الليبرالية الاقتصادية) والديمقراطية (الليبرالية السياسية)، بعد أن كانت الليبرالية تدّعي انسجامًا بين الحرية الاقتصادية والحرية السياسية.
في ضوء هذه التحولات، يدعو المرزوقي إلى اليقظة، معتبرًا أن ما يحدث في الغرب اليوم ليس مجرد تطور سياسي عابر، بل تهديدًا وجوديًا للديمقراطية العالمية، وخاصة لمجتمعات العالم العربي التي ستكون الأكثر تضررًا.
رابط المقال