أصدر رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي، أمس الأحد، قراراً يقضي بنزع ملكية المباني والأراضي الواقعة على جانبَي الطريق الدولي الساحلي بين الكيلو 21 والكيلو 101 داخل نطاق محافظتَي الإسكندرية ومطروح، بهدف استكمال مشروع توسعة الطريق الممتد حتى مدينة العلمين الجديدة، ضمن ما تعتبره الحكومة "مشروعات قومية"، بينما يعتبره منتقدون تمكيناً إضافياً للجيش على حساب المواطنين وحقوقهم الدستورية.
إخلاء قسري وتعويضات لا ترقى للقيمة السوقية
قرار نزع الملكية، الصادر برقم 728 لسنة 2025، يتيح الاستيلاء على العقارات بطريق التنفيذ المباشر، بدعوى "المنفعة العامة"، ويشمل صرف تعويضات مالية للمستحقين من الملاك، بناءً على خرائط وكشوف معتمدة. غير أن ناشطين وخبراء قانونيين يشككون في عدالة وقيمة هذه التعويضات، مؤكدين أنها غالباً ما تكون أقل بكثير من القيمة السوقية الحقيقية للعقارات.
ويُعد هذا القرار امتداداً لسياسات توسعية بدأها النظام منذ سنوات، وشهدت إخراج مئات المواطنين من منازلهم دون رضاهم. من أبرز الأمثلة على ذلك ما جرى في حي مثلث ماسبيرو بالقاهرة، حيث أُجبر السكان على المغادرة لإقامة مشروعات تجارية وسياحية، وفي جزيرة الوراق التي شهدت مواجهات بين الأهالي وقوات الأمن اعتراضاً على عمليات الإخلاء. كما تكررت الإخلاءات في مناطق مثل نزلة السمان وعزبة الهجانة وروض الفرج، ما دفع منظمات حقوقية مصرية ودولية إلى توجيه انتقادات متكررة للنظام.
خبراء: المنفعة الحقيقية ليست عامة بل للجيش والمستثمرين
يؤكد الخبير الاقتصادي المعارض عبد الخالق فاروق المعتقل بسجون السيسى في تصريحات صحفية سابقة أن توسعة طريق الساحل الشمالي تصبّ في مصلحة مشروعات سياحية تابعة للجيش، وعلى رأسها مدينة العلمين الجديدة، وليست للمواطنين. ويضيف: "هذه المشروعات لا تُدرّ دخلاً حقيقياً على الاقتصاد، بل تُموّل بالقروض، ويستفيد منها كبار الضباط والمستثمرون المقربون".
أما الخبير الاقتصادي ونقيب الصحفيين الأسبق ممدوح الولي، فيرى فى تصريحات صحفية أن "المنفعة العامة أصبحت غطاءً قانونياً للسطو على الأراضي ذات القيمة المرتفعة لصالح مشروعات ترفيهية لا تنسجم مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد". ويشير إلى أن هذه السياسات أدت إلى هروب الاستثمارات الخاصة وتراجع ثقة المواطنين في ضمانات الدستور، خصوصاً المادة 35 التي تنص على حماية الملكية الخاصة ومنع نزعها إلا مقابل تعويض عادل يدفع مقدماً.
العلمين الجديدة: أبراج فاخرة على بحرٍ من الديون
مشروع العلمين الجديدة يُعد من أبرز ملامح التوسع العمراني المكلف، إذ يضمّ خمسة أبراج شاهقة تطل مباشرة على البحر المتوسط، بتكلفة تتجاوز 3 مليارات دولار، ويُموَّل بقرض صيني، وتنفذه شركة حكومية صينية لصالح وزارة الإسكان. هذا المشروع، البعيد عن الكثافة السكانية والاحتياجات العاجلة، يعكس – بحسب مراقبين – توجه النظام نحو بناء واجهات استعراضية تُغذّيها القروض ولا تساهم في تحسين معيشة المواطنين.
وتُظهر البيانات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي المصري ارتفاع الدين الخارجي إلى 155.2 مليار دولار في الربع الأول من العام المالي الحالي، وسط تراجع كبير في قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، حيث هوى من 15.70 جنيهاً إلى أكثر من 51 جنيهاً خلال ثلاث سنوات فقط.
مستقبل ضبابي وسط توسع الجيش ومشروعات ترفيهية
مع تزايد القرارات التي تُسهّل نزع الملكيات وتخدم توسع القوات المسلحة في القطاعات المدنية، يحذّر خبراء من أن مستقبل التنمية في مصر بات مرهوناً برؤية أمنية، لا تنموية، وهو ما يدفع إلى المزيد من الإقصاء للمواطنين من حقهم في السكن والمشاركة في صنع القرار.
ويختم رجل الأعمال المصري المقيم في الولايات المتحدة، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، قائلاً: "كيف تستقطب الحكومة استثماراً أجنبياً في ظل سياسات تُهدد ملكية المواطن، وتُهيمن فيها المؤسسة العسكرية على كل شيء؟ لقد أغلقت شركاتنا في مصر وهربنا لأن البيئة الاستثمارية أصبحت عدائية".