بالأرقام : سخاء مع ترامب وبخل على غزة.. هل تحوّل حكام الخليج إلى “صناديق صرافة متنقلة” للإدارة الأمريكية؟

- ‎فيتقارير

بينما يواصل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب جولته الخليجية مُحمَّلًا بعقود واستثمارات بمئات المليارات، تقف غزة على أطلالها بلا إعادة إعمار، وتُترك المقاومة الفلسطينية بلا تسليح أو دعم حقيقي، ما جعل سلوك حكام الخليج محط سخرية عالميًا، لا سيما بعدما بلغت تعهداتهم لواشنطن ما يفوق 2 تريليون دولار، مقابل أقل من ملياري دولار لغزة التي تخوض معركة وجود ضد الإبادة.

ترامب يحلب الخليج من جديد
في جولته الحالية التي شملت السعودية وقطر والإمارات، خرج ترامب بصفقات واستثمارات تجاوزت 2 تريليون دولار. ففي السعودية وحدها، تعهدت الرياض بعقود دفاعية وتكنولوجية واستثمارات بقيمة 600 مليار دولار، تلتها قطر بتعهدات غير مسبوقة بلغت 1.2 تريليون دولار على مدى عقد من الزمن. أما الإمارات، فاستقبلت ترامب بحفاوة سلطانية، ووقعت معه اتفاقيات بقيمة 200 مليار دولار، إضافة إلى تأكيد التزامها السابق باستثمار 1.4 تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي.

 العالم يضحك على كرم لا يُمنح إلا لترامب
أصبحت زيارات ترامب المتكررة للخليج نكتةً متداولة في الصحف الغربية ومنصات التواصل، إذ بات يُشار إليه بـ"البائع الذي لا يعود من الخليج إلا محملًا بالذهب"، بينما يُنتقد بشدة تقاعس الأنظمة الخليجية في دعم الشعوب العربية التي تعاني من ويلات الاحتلال والحصار والحرب. وفي حين تُقدَّر أضرار العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة بأكثر من 10 مليارات دولار، لم تجمع الدول العربية أكثر من 2 مليار دولار لدعم القطاع، غالبيتها تعهدات لا تُنفذ.

المقاومة وحدها… والأنظمة تكتفي بالصمت
على مدى سنوات، تذرعت الأنظمة الخليجية بالحياد أو "الدبلوماسية الهادئة" لتبرير إحجامها عن تسليح أو دعم حركات المقاومة. ومع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، لم يظهر أي تحرك حقيقي من تلك العواصم، سواء لوقف العدوان أو لتوفير الحد الأدنى من الدعم المالي واللوجستي. بينما كانت خزائنهم مفتوحة على مصراعيها أمام ترامب، الذي لم يُخفِ احتقاره للأنظمة الخليجية، بل تفاخر مرارًا بأنه "حصل منهم على ما لم يحصل عليه أي رئيس أمريكي في التاريخ".

 رفض تمويل "الإصلاح العربي"… وتدافع لتمويل أمريكا
لم تقتصر المعضلة على بخلهم تجاه غزة، بل سبق أن رفضت دول الخليج المساهمة في تمويل أي مشروع إصلاح عربي حقيقي، سواء في السودان أو تونس أو حتى مصر ما بعد الثورة. وبينما تتذرع بعض الأنظمة الخليجية بشح الموارد أو الأولويات الداخلية، تُبرم الاتفاقيات بمئات المليارات مع واشنطن، أغلبها مقابل ضمانات أمنية واستثمارات لا تعود بنفع مباشر على شعوبهم.

جدول مقارنة: سخاء مع ترامب، وبخل مع غزة

الدولة

ما حصل عليه ترامب (مليار $)

ما قُدّم لغزة (مليار $)

السعودية

600

أقل من 1

قطر

1,200

أقل من 0.5

الإمارات

200

أقل من 0.2

المجموع

أكثر من 2,000

أقل من 2

تحوّل حكام الخليج في أعين كثيرين إلى "صناديق صرافة متنقلة" للإدارة الأمريكية، يهرولون لتوقيع الصفقات دون تفاوض حقيقي، ويُتهمون بتجاهل القضايا العربية المحورية وعلى رأسها فلسطين. وبينما لا تُكفُّ ألسنتهم عن التغني بالقضية، تتحدث أرصدتهم عن أولويات أخرى، جعلتهم أضحوكة ليس فقط في نظر الشعوب، بل حتى في نظر من ينهبهم.

 

السعودية: 600 مليار دولار

صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار: أكبر صفقة دفاعية في تاريخ الولايات المتحدة، تشمل أنظمة دفاع جوي وصواريخ ومعدات بحرية.

 

استثمارات بقيمة 600 مليار دولار: تغطي مجالات الطاقة، الذكاء الاصطناعي، الفضاء، والبنية التحتية.

قطر: 1.2 تريليون دولار

صفقة طائرات بقيمة 96 مليار دولار: شراء 210 طائرات من طراز بوينغ 777X و787.

صفقات دفاعية بقيمة 3 مليارات دولار: تشمل طائرات بدون طيار وتقنيات مضادة للطائرات المسيرة.

 

استثمارات إضافية: تشمل تطوير قاعدة العديد الجوية ومشاريع في مجالات الدفاع والطاقة.

 

الإمارات: 200 مليار دولار

استثمارات في الذكاء الاصطناعي: تأسيس أكبر مركز بيانات للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة.

 

صفقات في مجالات الدفاع والتجارة: تشمل اتفاقيات لتعزيز التعاون في مجالات الأمن والتكنولوجيا.

 

 

تُظهر هذه الأرقام تباينًا صارخًا بين السخاء المالي الذي أبدته دول الخليج تجاه الولايات المتحدة، وبين الدعم المحدود الذي قدمته لغزة، مما يثير تساؤلات حول أولويات هذه الدول والتزامها بالقضايا العربية.

 

ترامب يواصل “الجَزّ”.. والإمارات تدفع

استقبل الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان والمعروف بشيطان العرب  نظيره الأمريكي دونالد ترامب في قصر الوطن بأبوظبي، في ثالث محطة ضمن جولته الخليجية بعد السعودية وقطر. اللقاء الذي زُيّن بالكلمات الودية والابتسامات الدبلوماسية، تَوجته صفقات بقيمة 200 مليار دولار، تشمل قطاعات الدفاع، الأمن، الذكاء الاصطناعي، والتجارة، وفق ما نقلته وكالة الأناضول.

 

ولم يكتفِ ترامب بذلك، بل أعلن عن تسريع تنفيذ التزامات إماراتية سابقة بالاستثمار في الولايات المتحدة بقيمة 1.4 تريليون دولار خلال 10 سنوات، قائلاً بوضوح:

 

“كل ما أستطيع قوله هو شكراً جزيلاً لكم… سنعمل جاهدين لنستحقها.”

 

بخل على غزة وسخاء لأمريكا

بينما تُسجل غزة مستويات غير مسبوقة من الدمار الإنساني والمعيشي، لا يملك حكام الخليج الشجاعة لتمويل تسليح المقاومة أو حتى إنعاش البنى التحتية المدمرة. لم تساهم الدول الخليجية – باستثناء حملات إعلامية موسمية – بأي دعم جاد لحركات المقاومة أو مشروعات الإعمار، وتجاهلت بشكل كامل دعوات داخلية وخارجية لتمويل إصلاحات اقتصادية حقيقية في فلسطين قبل الحرب.

 

بل إنهم رفضوا دفع “فاتورة الإصلاح” التي طالبت بها السلطة الفلسطينية والمنظمات الإغاثية قبل اندلاع الحرب الأخيرة، متذرعين بضغوط داخلية و"أولويات وطنية".

 

أضحوكة بمليارات الدولارات

منذ توليه السلطة، نجح ترامب في تحويل حكام الخليج إلى ما يشبه "الزبائن الدائمين" في متجر السلاح والهيمنة الأمريكية. ففي زيارته للسعودية عام 2017، حصد ما يزيد على 450 مليار دولار في عقود وصفقات، وعاد اليوم ليحصد المزيد وكأن شيئاً لم يتغير.

 

ورغم كل هذا السخاء، لا تملك هذه الأنظمة شجاعة مجرد إعلان سياسي داعم للمقاومة، أو المطالبة بوقف العدوان على غزة، أو حتى رفع الحصار عنها. أصبحوا – في نظر شعوبهم والعالم – مجرد ممولين لحروب الآخرين، وعاجزين عن حماية قضاياهم المركزية.