في مشهد أثار غضبًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وثّق مقطع فيديو لحظة إهانة كفيل سعودي لعامل مصري، طرده من السكن وحرمه من مستحقاته المالية، بينما توسّل الأخير قائلاً: "بقالي 70 يوم مش لاقي آكل… إديني حقوقي واحجزلي عشان أنزل".
الواقعة، التي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، سلّطت الضوء مجددًا على الوضع المهين الذي بات يعيشه آلاف المصريين في دول الخليج، في ظل تراجع دور مصر الإقليمي وتحوّلها من دولة قائدة إلى دولة "تستجدي" الدعم، وفق وصف ناشطين، منذ انقلاب 2013 الذي قاده عبد الفتاح السيسي بدعم سعودي إماراتي مباشر.
فيديو الحادثة: شاهد المقطع هنا
تبعية مهينة وتراجع تاريخي
لطالما كانت مصر – بتاريخها وثقلها البشري والثقافي – ركيزة العالم العربي، إلا أن المنقلب السفيه السيسي، ومنذ استيلائه على السلطة، فرّط في مكانة البلاد الإقليمية مقابل "الرز الخليجي"، بحسب تعبيره الشهير.
ويرى مراقبون أن مهانة المصريين في الخليج ليست مجرد حوادث فردية، بل تعبير صارخ عن الخلل في العلاقة بين القاهرة والدول الخليجية، التي باتت تتعامل مع المصريين بوصفهم عمالة هامشية، ومع النظام المصري بوصفه تابعًا لا شريكًا.
خبير: السيسي حوّل المصريين إلى سلعة… ومصر إلى "خادم إقليمي"
يقول الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والمستشار السياسي السابق للرئيس مرسي، إن ما جرى للعامل المصري هو "نتيجة مباشرة لسياسات التبعية"، مضيفًا:
"السيسي لم يكتفِ ببيع القرار المصري مقابل بقائه في السلطة، بل فرّط في كرامة المصريين في الداخل والخارج، فأصبح العامل المصري يُهان، بينما السلطة في القاهرة تلتزم الصمت أو تصدر بيانات شكلية".
ويتابع عبد الفتاح:
"مصر التي كانت تقود العرب أصبحت تقف على أبواب الخليج تطلب ودًا ومالاً، بينما تقوم الرياض بدور القيادة الإقليمية بكل وضوح، كما حدث في زيارة ترامب الشهيرة، حيث غاب السيسي، وكانت السعودية هي الواجهة والمحرك".
الكفالة: عبودية مقنّعة رغم "الإصلاحات"
الحادثة أعادت فتح النقاش حول نظام الكفالة في السعودية، الذي يمنح الكفيل سلطة شبه مطلقة على العامل الأجنبي. ورغم إعلان الرياض في 2022 عن مبادرة "تحسين العلاقة التعاقدية"، لا تزال التقارير الحقوقية تشير إلى استمرار الانتهاكات، مثل مصادرة الجوازات، حرمان الأجور، ومنع التنقل.
وبحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فإن هذه التعديلات لم تشمل فئات العمالة المنزلية، ولم تُنفّذ بشكل فعّال في بعض القطاعات.
تحرك رسمي… ولكن بعد الفضيحة
سفارة القاهرة في الرياض أعلنت تدخلها بعد انتشار الفيديو، وأفادت مصادر لموقع "القاهرة 24" بأن العامل عاد إلى مصر قبل نحو 45 يومًا، وأن الإجراءات القانونية جارية. كما تبين أن الكفيل متورط في تعاقدات مع أكثر من 30 عاملاً مصريًا، في مؤشر على نمط انتهاكات ممنهجة.
لكن التحرك المصري الرسمي، رغم أهميته، جاء متأخرًا ويعكس – بحسب مراقبين – عجز الدولة عن حماية مواطنيها في الخارج، نتيجة اختلال توازن القوة في العلاقة مع الخليج.
من المهانة إلى التبعية
حادثة الإهانة ليست معزولة، بل امتداد لمسار بدأ منذ أن منح السيسي قراره السيادي مقابل الدعم الخليجي. مصر اليوم، كما يقول ناشطون، ليست فقط "تسول من الخليج"، بل فقدت وزنها التاريخي، وأصبح مواطنها عرضة للإذلال دون رادع حقيقي، في مشهد يجسد ببساطة الثمن الباهظ للانقلاب على إرادة الشعوب.