أثار إعلان انتحار أحمد الدجوي، حفيد رائدة التعليم الأهلي في مصر الدكتورة نوال الدجوي، حالة من الصدمة والجدل، ليس فقط بسبب ملابسات وفاته التي أتت بعد اتهامه بسرقة ممتلكات جدته، بل بسبب ما كشفته الحادثة من هشاشة البنية النفسية والاجتماعية للعائلات الثرية، وسط مجتمع يعاني من اتساع الفجوة الطبقية وتصاعد الضغوط النفسية. من الثراء إلى الانهيار: مأساة خلف الأبواب المغلقة ما بدا للوهلة الأولى كقضية جنائية، سرعان ما تحول إلى مشهد مأساوي ينتمي إلى عالم التراجيديا الأسرية. أحمد، الذي وُصف بأنه "شاب هادئ ومهذب" من قِبل بعض المقربين، وُجهت إليه وإلى شقيقه تهم من جدته مباشرة بسرقة أموال ومشغولات ذهبية تقدر قيمتها بأكثر من 300 مليون جنيه مصري (نحو 6 ملايين دولار)، في خلاف عائلي على الميراث. وفاته المفاجئة بعد أقل من أسبوع، وادعاء انتحاره بإطلاق النار على نفسه، أعاد فتح النقاش حول ما إذا كان الانهيار النفسي هو السبب الوحيد، أم أن هناك ضغوطاً عائلية واجتماعية قد ساهمت في دفعه إلى اتخاذ هذا القرار. اضطرابات نفسية.. أم ضغوط اجتماعية خانقة؟ بحسب بيان وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب ، كان المتوفى يعاني من اضطرابات نفسية، وتلقى علاجاً في الخارج قبل عودته إلى البلاد. لكن هذه التفاصيل لم توقف موجة التشكيك والتساؤلات. ففي مجتمع نادرًا ما يُعلن فيه أبناء العائلات الكبيرة عن معاناتهم النفسية، يصبح الحديث عن "الانتحار" و"المرض العقلي" محفوفاً بالريبة والوصم الاجتماعي. يرى الدكتور خالد عبد الكريم، استشاري الطب النفسي، أن مثل هذه الحالات تعكس فشل بيئة العائلة في احتواء الأزمات، قائلاً: "غالباً ما يتم التعامل مع الاضطرابات النفسية في هذه الطبقات بالإنكار أو التعتيم، خوفاً على السمعة أو المكانة الاجتماعية، ما يؤدي إلى تفاقم الأزمات النفسية في الخفاء." الرأي العام: بين التعاطف والغضب وسرعان ما تحولت الواقعة إلى قضية رأي عام على منصات التواصل، إذ انقسمت الآراء بين من تعاطف مع الشاب ورأى أنه ضحية ضغوط غير إنسانية، وبين من طالب بتحقيق شفاف حول ظروف وفاته، وبين من اعتبره نموذجًا لما وصفوه بـ"انفصال أبناء الطبقة الثرية عن الواقع". وكتب الناشط وائل غنيم عبر حسابه على X (تويتر سابقًا): "ما حدث لأحمد الدجوي ليس حادثة انتحار فقط، بل جريمة صمت مارستها عائلة غنية اختارت الفضائح والاتهامات على الهواء بدلًا من الحلول الإنسانية." أما الإعلامية ليليان داوود، فكتبت: "ما حدث للشاب أحمد الدجوي يجب أن يفتح ملف الضغوط النفسية داخل الأسر ذات الواجهة اللامعة. خلف الجدران، الكثير من الألم المخفي." الميراث والصراع الطبقي: جذور مأساة متكررة السرقة المزعومة لم تكن مجرد جريمة مالية، بل نتيجة لصراع أعمق وأقدم على السلطة داخل الأسرة. ويقول الباحث الاجتماعي د. محمد فوزي: "قضايا الميراث في الطبقات الثرية غالباً ما تتحول إلى معارك نفوذ، يكون ضحاياها الأبناء والأحفاد، خاصة عندما يتم تهميشهم أو التشكيك في ولائهم أو أهليتهم لإدارة الثروة." أسئلة عالقة لا تزال الرواية الرسمية تحصر ما جرى في إطار "انتحار شاب مضطرب نفسياً"، لكن كثرة الأسئلة التي تتداولها منصات التواصل الاجتماعي تعكس رغبة عامة في معرفة الحقيقة الكاملة: هل كانت هناك ضغوط مباشرة على الشاب من أطراف عائلية أو خارجية؟ لماذا لم يتم توفير حماية نفسية واجتماعية له بعد اتهامه العلني بالسرقة؟ وهل فتحت السلطات تحقيقاً مستقلاً حول ملابسات الوفاة أم اكتفت برواية "الانتحار"