في استغاثة مفجعة تعجّ بالدموع والغضب، نشرت السيدة إلهام حسن، والدة الطالب محمد أيمن حسن عبد الشافي، تفاصيل مأساة نجلها الذي تُوفي إثر ما قالت إنه "اعتداء وحشي من ضابط شرطة" تابع لقسم العطارين بالإسكندرية، محمد وهو طالب في الصف الرابع بالمدرسة الثانوية العسكرية الصناعية، لم يكن سوى فتى بسيط يقود مركبة "توك توك"، قبل أن يتحول إلى ضحية جديدة لمنظومة لا تزال ـ بحسب نشطاء حقوقيين ـ تتعامل مع المواطن البسيط باعتباره "مجرمًا محتملًا".
الوالدة المكلومة تقول: إن "نجلها وقف بأدب أمام الضابط، كما أظهرت الكاميرات، قبل أن ينفجر الضابط عليه ضربًا، ما أدى لتوقف عضلة القلب ونزيف داخلي، ثم وفاة لاحقة بعد نقله في غيبوبة إلى مستشفى الميري" وتابعت في منشورها الغاضب: "دلوقتي بيحاولوا يزوّروا التقرير الطبي، ويقولوا ده حادث توك توك".
الداخلية تنفي.. والنشطاء يتهمونها بالتضليل
في بيان رسمي، نفت وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب رواية الأم، مشيرة إلى أن محمد أُصيب عندما صدمه سائق التوك توك بالخطأ أثناء محاولة الهرب من كمين شرطة، دون أن يكون هناك أي اعتداء من قبل الضباط، بحسب روايتها، لكنها لم تعلّق على اتهامات محو مقاطع من كاميرات المراقبة أو محاولة تزوير التقرير الطبي، ما فتح أبواب الشك في الرواية الرسمية.
النيابة العامة بدورها بدأت التحقيق، لكن نشطاء ومتابعين يخشون أن تلقى القضية مصير غيرها من قضايا مشابهة دُفنت تحت أكوام التقارير المفبركة، وفق تعبير أحدهم.
هل يعود شبح 2010؟
قضية محمد أيمن أعادت للأذهان مشهد ما قبل ثورة 25 يناير، حين فجّرت صورة الشاب خالد سعيد، الذي مات تحت تعذيب الشرطة، غضبًا عارمًا في الشارع المصري، ويرى مراقبون أن أجواء "البلطجة الرسمية" تعود تدريجياً، مع تزايد حالات الإهانة والقتل خارج القانون، لا سيما تجاه الفئات الفقيرة والمهمّشة.
ويقول المحامي الحقوقي ناصر أمين: "كل عناصر ما قبل الثورة تعود، الإفلات من العقاب، التلاعب بالتقارير، وتبرير الانتهاكات بحجج أمنية واهية، في ظل صمت رسمي وتواطؤ مؤسسي. هذه ليست حادثة فردية، بل نمط متكرر".
لماذا يُهين الضباط البسطاء؟ سؤال قديم يتجدد
في مجتمعات تحترم حقوق الإنسان، تقف الشرطة لحماية المواطن، لكن في مصر ـ كما يقول كثير من الحقوقيين ـ تحوّلت أجهزة الأمن إلى أداة ترهيب، لا سيما ضد الفقراء، ويتساءل الباحث الاجتماعي عادل سليمان: "لماذا لا يُضرب أبناء الأثرياء؟ ولماذا لا يموت سوى من يركب التوك توك أو يبيع المناديل أو يعيش في العشوائيات؟ الإجابة واضحة: لأنه لا أحد يُحاسب".
ويرى سليمان أن بعض الضباط ـ بتشجيع من ثقافة الإفلات من العقاب ـ ينظرون إلى المواطن الفقير على أنه "كائن بلا حقوق"، يمكن ضربه وإذلاله، وحتى التخلص منه، من دون قلق.
سجل طويل من الانتهاكات: من خالد سعيد حتى أطفال الأقصر
قضية محمد أيمن ليست الأولى، فالذاكرة الحقوقية في مصر مليئة بأسماء ضحايا سقطوا تحت التعذيب أو القتل خارج القانون، بينهم:
• خالد سعيد (2010): الذي فجّرت صوره المشوّهة ثورة شعبية.
• سيد بلال (2011): الذي قُتل أثناء التحقيق معه في الإسكندرية.
• عماد التعيلبي (2015): الذي توفي أثناء الاحتجاز في قسم المطرية.
• محمود محمد (2014): طالب اعتقل بتهمة ارتداء تيشيرت "وطن بلا تعذيب".
• واقعة أطفال الأقصر (2022): حيث اعتدى ضباط على أطفال خلال حملة أمنية، بحسب شهادات الأهالي.
هذه الوقائع وغيرها، تشكّل نمطًا ممنهجًا وليس استثناءات فردية، بحسب تقارير منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية.
من يحاسب؟
في ظل غياب رقابة فعالة، واستمرار تبرئة الضباط حتى في أكثر القضايا وضوحًا، لا تزال العدالة بعيدة عن يد أسر الضحايا. لكن محمد أيمن ـ وإن غاب جسده ـ قد يصبح، مثل خالد سعيد، شرارة في وعي جيل جديد يدرك أن الكرامة والعدالة ليستا منحة، بل حقًّا يُنتزع.
ويبقى السؤال مفتوحًا: كم مصرياً يجب أن يموت حتى يتوقف هذا المسلسل الدموي؟