الشعب المصري يدفع الثمن مجددًا: من استيراد الغاز الإسرائيلي بأسعار مرتفعة إلى تجاهل عروض قطرية مرنة. في خطوة جديدة أثارت غضبًا واسعًا، قررت وزارة البترول بحكومة الانقلاب رفع أسعار الغاز الطبيعي المستخدم في المنازل بنسب تتراوح بين 25% و40%، وذلك بدءًا من فاتورة يونيو/حزيران المقبل. وبموجب القرار، ارتفع سعر المتر المكعب في الشريحة الأولى (حتى 30 مترًا) من 3 إلى 4 جنيهات، وفي الشريحة الثانية (من 31 إلى 60 مترًا) من 4 إلى 5 جنيهات، فيما قفز سعر الشريحة الثالثة (أكثر من 60 مترًا) من 5 إلى 7 جنيهات. القرار يأتي في سياق سياسة تقشف قاسية فرضها نظام السيسي على المواطنين منذ توقيع أول اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي عام 2016، والتي تضمنت رفع الدعم عن الوقود والكهرباء والمياه، مقابل حزم تمويل تجاوزت 28 مليار دولار. تناقض رسمي وواقع مرير وبينما أرجع رئيس الوزراء الانقلابي مصطفى مدبولي الزيادة إلى "تراجع معدلات إنتاج الغاز المحلي هذا الصيف"، أكد أن الحكومة "تبذل جهودًا لاستقدام سفن التغويز" لتأمين احتياجات البلاد من الغاز، مع وعود بعودة الإنتاج الطبيعي خلال عامين. لكن هذه التبريرات الرسمية تصطدم بواقع أكثر تعقيدًا، يتمثل في اعتماد مصر المتزايد على استيراد الغاز من إسرائيل، بأسعار تفوق تلك التي كانت تحصل عليها سابقًا من استغلالها لحقولها في شرق المتوسط، قبل أن تفرّط فيها لصالح الاحتلال الإسرائيلي وشركات أجنبية، في اتفاقات مثيرة للجدل منذ عام 2018. هل تجاهل السيسي عروض قطرية؟ مصادر مطلعة تحدثت عن أن قطر عرضت في الأشهر الماضية تزويد مصر بشحنات من الغاز بأسعار تفضيلية أو آجلة الدفع، لكن القاهرة أصرت على شرائه وفق الأسعار العالمية، ربما في محاولة لتجميل صورة النظام أمام المؤسسات الدولية، أو بسبب شروط غير معلنة فرضتها تل أبيب وواشنطن في سياق التنسيق الإقليمي للطاقة. هذا الموقف الرسمي عزز التقديرات بأن السلطة الانقلابية فضّلت الحلول التي لا تُغضب شركاءها في تحالفات شرق المتوسط، ولو على حساب معاناة المواطنين، الذين باتوا اليوم يدفعون ثمن غاز إسرائيلي يدخل من العريش ويُباع لهم بزيادات تصل إلى 40%. سياسات الإفقار المنهجي لم يكن رفع أسعار الغاز خطوة منفردة، بل سبقته زيادات في أسعار البنزين والسولار بنسبة 15% في إبريل/نيسان الماضي، ورفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي بنسبة 33%. كما زادت أسعار الغاز المورد للصناعات والطوب والمازوت، في وقت خفّضت فيه الحكومة دعم الوقود في موازنة 2025-2026 بنسبة 51%، من 154 إلى 75 مليار جنيه فقط. وتشير هذه القرارات إلى توجه حكومي واضح لتحميل الطبقات المتوسطة والفقيرة أعباء الأزمة الاقتصادية، في ظل استمرار نزيف الإنفاق على مشروعات بنية تحتية ضخمة وشراء أسلحة، وتراجع الإيرادات الدولارية نتيجة انخفاض الصادرات وتدهور السياحة. من التفريط في الغاز إلى استيراده بثمن باهظ منذ انقلاب يوليو 2013، أبرم نظام السيسي اتفاقات شراكة مع شركات أجنبية تنازلت بموجبها مصر فعليًا عن حقول غازها في المتوسط، وعلى رأسها حقل "ظهر"، الذي بات جزءًا من تحالفات إقليمية تصب أرباحها في جيوب الاحتلال الإسرائيلي وشركات أوروبية. وبدلاً من أن تتحول مصر إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز، كما كان يروّج النظام، أصبحت مستوردًا صافيًا، عاجزة عن تلبية احتياجاتها الداخلية في ذروة الصيف، حتى بات "تقنين الكهرباء" خيارًا مطروحًا كل عام. شعب يدفع ثمن كوارث اقتصادية تعكس الزيادة الأخيرة في أسعار غاز المنازل حجم الكارثة الاقتصادية التي يعيشها المصريون، نتيجة سياسات لم تُبنَ على دراسات، بل على تحالفات أمنية وصفقات سياسية، كان الشعب آخر من يُؤخذ في الحسبان عند اتخاذها. ويؤكد خبراء اقتصاد مستقلون أن المصريين لم يستفيدوا من اكتشافات الغاز الطبيعي، بل دفعوا ثمن تفريط النظام فيها، ليجدوا أنفسهم اليوم بين مطرقة القروض وسندان الأسعار، فيما يغيب الأمل في تغيير حقيقي يعيد للناس حقوقهم من ثروات البلاد.
