باب واسع للأموال الساخنة .. أذون الخِزانة سندات قروض لا فكاكَ منها لسداد الديون وفوائدها!

- ‎فيتقارير

 

قرر البنك المركزي طرح أذون خِزانة بقيمة 70 مليار جنيه اعتبارا من الأربعاء (قبل العيد)، ووفقاً للموقع الإلكتروني للبنك المركزي، تبلغ قيمة الطرح الأول 25 مليار جنيه لأجل 91 يوماً، بينما تبلغ قيمة الثاني 45 مليار جنيه لأجل 273 يوماً.

وتعترف إدارة البنك أن عائد بيع الأذون الجديدة أو ما يسمى "حصيلة الطرح" ستستخدم لسداد أذون قيمتها 500 مليون دولار يحلُّ موعدُ سدادها قريبا.

منظومة الرِبا والديون تتحكم بشكل واسع في تعاملات البنك المركزي الذي يرأسه حسن عبدالله (ولو بالنيابة عن المحافظ) أو بالوكالة عن السيسي، حيث تستدين الحكومة من خلال سندات وأذون الخزانة على آجال زمنية مختلفة، وتعدُّ البنوك الحكومية أكبر المشترين لها.

وكل مرة تتضاعف قيمة ما تريده حكومة السيسي من أموال بطرح أذون الخزانة (أحد أوراق الدَيْن لا تختلف كثيرا عن القروض المباشرة) وتستهدف حكومة السيسي اقتراض 400.46 مليار جنيه من الخارج في العام المالي المقبل مقابل 140 مليار جنيه خلال العام الحالي، تشمل 382.5 مليار جنيه عبر سندات ونحو18 مليار جنيه كقروض.

وكشف تقرير ل"البنك الدولي" أن مصر تواجه التزامًا بسداد 11.1 مليار دولار من ديونها الخارجية خلال الربع الرابع من العام المالي 2025، بجانب تسديد متأخرات مُستحَقة لشركات النفط الأجنبية.

 

نصائح خبراء

وقال محمد أنيس، الخبير الاقتصادي: إن "معدلات الفائدة العالمية ما زالت مرتفعة، فيما تشير جميع التوقعات إلى اتجاه البنك الفيدرالي الأمريكي لخفض أسعار الفائدة قبل نهاية العام الحالي بما يتراوح بين 0.25% و0.5% لتصل إلى مستويات 5% مقابل 5.5% حالياً، وأضاف أن معدلات الفائدة المرتفعة تعني أن إجمالي معدل العائد الذي ستدفعه الحكومة على السندات الدولية سيصل إلى 9% وهو معدل مرتفع".

 

وأضاف أنيس في تصريحات صحفية أنه ليس هناك احتياج لتدفقات نقدية على الأقل خلال العام المالي المقبل، وذلك نتيجة المبالغ المالية التي حصلت عليها مصر من اتفاق صندوق النقد الدولي وصفقة رأس الحكمة، كما أن هناك تدفقات نقدية مُتوقّعة من برنامج الطروحات الحكومية خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى أنه من الممكن أن تحصل الحكومة على تمويل من بنك التنمية الجديد بعائد منخفض أو الاتجاه لإصدار سندات بالروبية الهندية بعائد منخفض بكثير.

وطرحت مصر خلال العام الماضي سندات الباندا المُقوّمة باليوان، وسندات الساموراي المُقوّمة بالين بقيمة إجمالية تعادل نحو مليار دولار، مناصفة بين الطرحين تقريباً.

الأموال الساخنة

واستشهدت الباحثة نجاة علي Nagat Ali بمقولة لوزير المالية الأسبق محمد معيط يزعم في 2023 أن حكومة السيسي "تعلمت درس الأموال الساخنة، وأنها لن تعتمد عليها مرة أخرى، لكنها سوف تُركّز على جلب استثمارات مباشرة طويلة المدى".

وأوضحت "علي" أنه "يمكن أن نفعل ذلك، لكن هذا سوف يتضمن قطيعة مع جزء مُعتبَر من سوق الديون الدولية، وهو شيء لا يمكن لمصر، أو بمعنى أصح مصر في ظل الفجوة التمويلية الكبيرة الحالية، أن تفعله.".

وأضافت "كيف يمكن أن نمنع مستثمرا أجنبيا من أن يشتري أذون خزانة من المالية؟ هل نُخفّض العائد على أذون الخزانة، بحيث تصبح غير جذابة للمستثمرين الأجانب؟ يبدو ذلك غير منطقي؛ لأن أسعار الفائدة في الاقتصاد كلها ترتبط ببعضها البعض، سعر الإقراض وسعر الاقتراض وسعر الفائدة لليوم الواحد (الإنتربنك)، هكذا بالأساس تعمل السياسة النقدية من خلال الارتباط بين كل أسعار الفائدة في السوق، ومن ثمَّ فحين يرفع البنك المركزي معدل الفائدة الأساسي، فهو مطالب برفع الفائدة على أُذون الخزانة أو السندات كذلك".
 

وأوضحت أنه "لا يمكن إذًا بأي حال من الأحوال الحديث عن إبقاء الأموال الساخنة وخطورتها بعيدًا عن الاقتصاد المصري، لأن ذلك السوق يتطلب إجراءات لا يمكن القيام بها في الوقت الحالي، ولا تفكر الحكومة فيها من الأساس، وبالتالي، فإن حديث معيط لم يكن سوى تصريح إعلامي فقط.".
 

 

تكرار المشكلة

ومع وزارة مالية أحمد كوجك لا تختلف عن  "معيط"  فأخيرا صرّح الأول أن مصر لا تحتاج لصندوق النقد الدولي لانطلاق التنمية، ممكن جدا استبدال القروض وصندوق الفقر الدولي وتدخله بإصدار سندات تمويل بالدولار بربح سنوي عالي ممكن أن يصل إلى 20% لتمويل إقامة شركة مزارع توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، وشركة مد كوابل بحرية لتصدير الكهرباء إلى أوروبا".
 

وأطلقت مصر فعليا في أبريل الماضي أول سوق لسندات الأفراد في محاولة لتوسيع قاعدة المستثمرين في أدوات الدين الحكومي، رغم ما أعلنه رئيس حكومة السيسي في 10 أبريل أن مصر شهدت  تخارجات للأجانب من أدوات الدين المصرية، بسبب الحرب التجارية العالمية.

 

وقال مراقبون: إن "الاستثمار في أدوات الدين المصرية، أذون الخزانة أصبحت عديمة القيمة وإنه سبق أن استنفذت ولم تكن فكرة جديدة ولم تنجح في جذب المواطنين للاستثمار أو تقليل اعتماد الدولة على البنوك من جانب السحب المتواصل بأذون خزانة شهرية".
 
وتعد البنوك العاملة في السوق المصرية أكبر القطاعات المستثمرة في سندات وأذون الخزانة التي تطرحها الحكومة بشكل دوري لتغطية عجز الموازنة العامة للدولة.

 

وباع البنك المركزي المصري، بالنيابة عن وزارة المالية، أذون خزانة محلية لأجلي 3 و9 أشهر خلال عطاء اليوم الأحد بنحو 46.3 مليار جنيه، بما يتجاوز السيولة المستهدفة بـ 15%، رغم ارتفاع تكلفة أسعار العائد بشكل طفيف.

وارتفع متوسط تكلفة سعر العائد بشكل طفيف على أذون الخزانة المحلية أجل 3 أشهر إلى 28.35% من28.24% بالعطاء السابق، بحسب البيانات المنشورة على موقع "المركزي"

‏بينما تراجع متوسط سعر العائد على أذون الخزانة أجل 9 أشهر إلى نحو 26.23% من 26.21% بالعطاء السابق.


ويتم طرح تلك السندات والأُذون من خلال 15 بنكا تُشارك في نظام المتعاملين الرئيسيين Primary dealers في السوق الأولية The primary market وتقوم تلك البنوك بإعادة بيع جزء منها في السوق الثانوية Secondary market للمستثمرين من الأفراد والمؤسسات المحلية والأجنبية.

 

كان البنك المركزي قد باع بالنيابة عن وزارة المالية، أُذون خزانة محلية أجل 6 أشهر وسنة خلال عطاء الخميس الماضي بنحو 116.5 مليار جنيه، بأكثر من 56% عن السيولة المستهدف جمعها بقيمة 75 مليار جنيه، مع عودة الأجانب لشراء أدوات الدين المصرية.

وتستحوذ البنوك الخاصة المملوكة بعضها لحكومات دول منها؛ الإمارات وقطر والكويت على نسبة مُعتبرَة من الاستثمار في الديون المصرية "الأُذون والسندات"، التي تُصدرها الحكومة لسداد عجز الموازنة العامة.
استثمارات الأربعة بنوك الأعلى في القائمة وهي "البنك التجاري الدولي والبنك الأهلي القطري والبنك العربي الإفريقي وبنك أبو ظبي الأول" نحو تريليون و135 مليون جنيه أي أكثر من 72% من الاستثمارات في أدوات الدين، وكلها بنوك تشارك في ملكيتها أو تمتلكها بالكامل شركات وصناديق خليجية.

 

وبلغت أرباح بنك قطر الوطني وحدها من الاستثمار في أدوات الدين المصرية خلال الأشهر التسعة، نحو 37.7 مليار جنيه، فيما تجاوزت أرباح بنك البركة نحو 4.4 مليار جنيه.
 

ويمتلك بنك قطر الوطني جهاز قطر للاستثمار المملوك للحكومة القطرية، فيما تمتلك مجموعة البركة البحرينية أكثر 73% من "بنك البركة".
 

واستثمر بنك أبو ظبي الأول نحو 200 مليار في أدوات الدين الحكومية، وهو البنك الذي تتوزع ملكيته بين شركة "مبادلة" المملوكة لحكومة إمارة #أبوظبي الإماراتية بنسبة 37.9%، والعائلة الحاكمة في أبوظبي بنسبة 18%، وأفراد ومؤسسات إماراتية أخرى بنسبة 22.6%.

البنك التجاري الدولي "CIB" اشترى أجوات دين حكومي بنحو 371 مليار جنيه، وهو البنك الذي تمثل شركة "ألفا أوريكس ليمتد" أعلى المساهمين فيه بنسبة 16.8%، وهي مملوك لشركة أبوظبي القابضة المملوكة لإمارة أبوظبي.

واشترى البنك العربي الإفريقي الدولي، والمملوك للهيئة العامة للاستثمار الكويتية الحكومية بنسبة 49.4%، واشترى البنك المركزي المصري 49.4%، ومساهمون آخرون بنسبة 1.2%.

كما أن 15 بنكًا خاصًا في مصر تستثمر في السندات والأُذون الحكومية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي 2024، بنحو 1.57 تريليون جنيه، وكان أكبر البنوك الخاصة استثمارًا في أدوات الدين، البنك الأهلي القطري والبنك التجاري الدولي CIB، والبنك العربي الإفريقي وبنك أبو ظبي الأول.
 

وبلغ الدين العام المصري (داخلي وخارجي) بنهاية التسع شهور الأولى (الربع الثالث) من العام 2024 نحو 13.3 تريليون جنيه، بارتفاع بلغت نسبته 6.5% عن الربع الثاني نهاية يونيو الماضي، والذي كان قد بلغ فيه الدين العام نحو 12.5 تريليون جنيه، بحسب بيانات وزارة التخطيط.

 

وتُعدُّ أذون الخزانة من أدوات الدين قصيرة الأجل، إذ يتراوح أجل السداد ما بين 3 شهور وحتى عام، بينما السندات تعدُّ الأطول أجلًا، إذ تتراوح من عام وحتى 15 عامًا وأكثر، فيما بلغت أسعار الفائدة على أُذون الخزانة المطروحة خلال الشهور التسعة من العام الماضي 2024 24.9% إلى  32.3% حسب المدة، وفقا لبيانات البنك المركزي.