في الوقت الذي تشهد فيه مصر بزمن المنقلب السفيه السيسي ، موجة غير مسبوقة من هروب كبرى شركاتها الوطنية إلى الخارج، هربًا من تغوّل المؤسسة العسكرية وطمع نظام السيسي في أموال القطاع الخاص، يفتح النظام المصري الأبواب على مصراعيها أمام الاستثمارات الخليجية، ليس لإنعاش الاقتصاد أو دعم الإنتاج، بل لتحويل مصر إلى سوق استهلاكية ضخمة لبضائع هذه الدول، مقابل بيع الأصول الوطنية بثمن بخس.
شركات مصرية تغادر.. ومليارات تُستثمر بالخارج
خلال شهر واحد فقط، أبرمت كبرى الشركات المصرية صفقات ضخمة في أسواق عربية وخليجية تشمل العراق، وعمان، والسعودية، والإمارات، وسط تجاهل تام للاستثمار داخل السوق المصري المأزوم.
من أبرز هذه الصفقات:
- توقيع طلعت مصطفى عقد تطوير مدينة عراقية بـ10 مليارات دولار، واتفاق بـ3.9 مليار دولار في عمان.
- تطوير بالم هيلز مشروعًا عقاريًا ضخمًا في أبوظبي.
- إطلاق هايد بارك ومدينة مصر مشروعات بالسعودية.
- تأسيس مورفو الزراعية مشاريع تصديرية في الخليج.
- توسع شركات مثل إيفا فارما، هيرميس، وفوري في قطاعات التعليم والدواء والتكنولوجيا بأسواق خليجية.
لماذا تهرب الشركات من مصر؟
بحسب الخبير الاقتصادي د. أحمد ذكر الله، فإن الشركات تهرب لأسباب رئيسية:
- هيمنة الجيش على الاقتصاد، واستحالة التنافس معه في بيئة غير عادلة.
- البحث عن ملاذات أكثر أمانًا لحماية رؤوس الأموال من قرارات تعويم الجنيه والأزمات المتكررة.
- الحصول على حوافز استثمارية ضخمة كأراضٍ مجانية وتمويلات سهلة في الخارج.
- سعي الدول الخليجية لمكاسب سياسية باستقطاب الكيانات المصرية الكبيرة.
- تشبّع السوق المصري، خصوصًا في العقارات، وانهيار القدرة الشرائية داخليًا.
في الداخل: القمع والتصفية
بينما تحظى الشركات المصرية بترحيب واسع في الخليج، تواجه في الداخل تضييقًا أمنيًا، كما حدث مع شركة جهينة التي باعت أحد مصانعها بعد سنوات من التنكيل بمؤسسها صفوان ثابت وأسرته.
وتكررت هذه الممارسات ضد رجال أعمال آخرين مثل صلاح دياب وسيد السويركي وأحمد بهجت، ما يعكس رغبة النظام في السيطرة على ثروات القطاع الخاص إما بالاستحواذ المباشر أو بالضغط والتهميش.
السيسي يبيع الأصول ويحوّل مصر إلى سوق استهلاكية
في المقابل، لا يُبدي السيسي أي حرج في فتح المجال أمام الأموال الخليجية لشراء أصول الدولة أو إقامة مشاريع استهلاكية بحتة، دون أي مردود تنموي حقيقي، فيما تغيب مشاريع التصنيع أو الإنتاج المستدام.
تتعزز هذه السياسات ببيع الأراضي، والموانئ، والمشاريع الاستراتيجية لشركات خليجية، دون مناقصات أو شفافية، فيما تتراجع الدولة عن دعم الصناعات الوطنية التي تواجه الإغلاق أو الهجرة.
أرقام تعكس الكارثة
- أكثر من 5300 شركة مصرية أُسّست في دبي فقط خلال 2024.
- ارتفاع الاستثمارات المصرية في السعودية بنسبة 150% خلال العام ذاته.
- شركات كبرى مثل حسن علام وسامكريت وكونكريت بلس قررت تقليص وجودها بمصر والتوسع في الخليج.
لمن يعمل السيسي؟
أمام هذا المشهد، تتزايد التساؤلات: لماذا يُضيّق الخناق على القطاع الخاص المحلي؟ ولماذا تُباع أصول الدولة دون رقابة أو مساءلة؟ ولمصلحة من يُجري السيسي هذا التحول من دولة منتجة إلى مجرد سوق عملاق للغير؟
وحتى اللحظة، لا تظهر أي مؤشرات على توقف هذا النزيف، بل تواصل الحكومة تقديم الحوافز للأموال الخليجية، في وقت تتجاهل فيه إنقاذ ما تبقى من الشركات المصرية، أو دعمها للتوسع داخل البلاد بدلًا من الهروب الجماعي.