تعديلات انتخابية على مقاس السلطة: السيسي يمهّد الطريق لتجريف الحياة السياسية وتمديد حكمه. في خطوة وصفها مراقبون بأنها امتداد لسياسة تجريف المجال العام، صدّق المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي، يوم الأحد، على تعديلات جديدة في قوانين الانتخابات البرلمانية، شملت مجلسي النواب والشيوخ، من دون أن تمسَّ جوهر النظام الانتخابي المثير للجدل، في إشارة واضحة إلى نية السلطة في إعادة إنتاج برلمان منزوع الصلاحيات، ومُفصّل على مقاس النظام. تكريس القوائم المغلقة: برلمانات بلا تمثيل شعبي التعديلات التي أُقرت بالقانونين رقم 85 و84 لسنة 2025، أبقت على نظام القوائم المغلقة المطلقة، المقسَّمة على أربع دوائر انتخابية، إلى جانب النظام الفردي، ما يعني فعليًا استمرار احتكار السلطة للتركيبة النيابية، عبر توزيع مُسْبَقٍ للمقاعد بين الأحزاب الموالية، وضمان إقصاء أي قوى معارضة أو أصوات مستقلة من المشهد التشريعي. وعلى الرغم من التوصيات السابقة للحوار الوطني بضرورة التحوّل إلى نظام القائمة النسبية، لضمان حد أدنى من التعددية، تجاهلت السلطة تلك الدعوات، في تأكيد إضافي على أن العملية الانتخابية ليست سوى واجهة شكلية لإضفاء شرعية على تحالف سياسي وعسكري ضيّق، لا يملك امتدادًا شعبيًا حقيقيًا. برلمان السلطة: أحزاب أمنية تسعى لفتات السلطة جاءت التعديلات مدعومة من كتل حزبية موالية، أبرزها "مستقبل وطن"، و"الشعب الجمهوري"، و"حُماة وطن"، و"مصر الحديثة"، وهي أحزاب توصف بأنها صنيعة الأجهزة الأمنية، وتفتقر إلى قواعد جماهيرية حقيقية، في المقابل، أعلنت أحزاب مثل "المصري الديمقراطي"، و"الإصلاح والتنمية"، و"العدل" رفضها القاطع للتعديلات، محذّرة من أنها "تقوّض الحياة الحزبية وتفرّغ العمل البرلماني من مضمونه". هندسة المشهد السياسي تمهيدًا للتمديد يرى محللون أن هذه التعديلات ليست سوى حلقة جديدة في خطة شاملة لإعادة ترتيب المسرح السياسي تمهيدًا لتعديلات دستورية محتملة قد تسمح للمنقلب السيسي بالبقاء في السلطة لما بعد 2030، فبعد عسكرة السياسة، وتفرّيغ المجتمع المدني، وتكميم الإعلام، يأتي الآن دور "تصنيع برلمان" صوري، يُمنح فيه هامش الحضور لأحزاب علمانية مروّضة، وأخرى ذات طابع عسكري، في مقابل تغييب كامل للقوى الحقيقية المعارضة أو الحركات الشعبية. تمثيل المرأة والشباب... ديكور ديمقراطي رغم تخصيص نسب معينة للمرأة (25% في النواب، 10% في الشيوخ) وبعض الفئات كذوي الإعاقة والمصريين بالخارج، فإن النظام الانتخابي المعتمد يجعل هذه النسب آليات دعائية لا تفرز بالضرورة تمثيلًا حقيقيًا، بل يتم التحكم فيها عبر هندسة القوائم بمعايير أمنية وسياسية دقيقة. الانتخابات القادمة: مشهد محسوم سلفًا وفق التعديلات، ستُجرى الانتخابات البرلمانية في النصف الثاني من العام الجاري، ضمن خارطة سياسية لا تتضمّن أي مؤشرات على تنافس حقيقي، فالأحزاب المعارضة إمّا مُقصاة أو مُحاصَرة، والهيئات الانتخابية تفتقر إلى الاستقلال، والمشهد الإعلامي موجَّه بالكامل لخدمة سردية النظام. انتخابات بلا ديمقراطية تؤكد التعديلات الأخيرة أن السلطة في مصر لا تنوي فتح أي نوافذ للإصلاح السياسي، بل تسير في اتجاه إغلاق المجال العام بالكامل، عبر أدوات قانونية تُدار بأيدي السلطة التنفيذية والأمنية، ومع تحوّل البرلمان إلى مؤسسة تابعة، يُخشى أن تكون هذه التعديلات مُقدّمة لتغييرات أعمقِ في الدستور، تُبقي السيسي في السلطة لعقود، وتُجْهِزُ تمامًا على ما تبقى من حياة سياسية في البلاد.