يعول بعض العرب على الدور الآوروبى فى الضغط على دولة الاحتلال لوقف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة ويتجاهل هؤلاء أن من كان السبب فى مجئ العصابات الصهيونية إلى المنطقة ودعمها بالسلاح حتى إقامة دولة الاحتلال عام 1948 هو الدول الاوربية وعلى رأسها بريطانيا ثم ألمانيا وفرنسا وغيرها وهذا الدور ورثته الولايات المتحدة الأمريكية والتى لا يزال رئيسها الارهابى دونالد ترامب يدعم الإجرام الصهيونى بالمال والسلاح .
واذا كانت تصدر عن بعض الدول الاوروبية مثل اسبانيا وايطاليا وايرلندا وفرنسا ادانات للممارسات الصهيونية الاجرامية فان هذه الادانات لا يصحبها أى موقف عملى على الأرض بل فى الواقع تدعم الكيان الصهيونى بالسلاح والجهود الاستخباراتية
كانت بريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا والنرويج قد أعلنت عن فرض عقوبات على وزيرين إسرائيليين من اليمين المتطرف بتهمة التحريض على العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
يُمثل قرار الحكومات الغربية الصديقة لدولة الاحتلال توبيخًا لاذعًا لسياسات الاستيطان في الضفة الغربية ولعنف المستوطنين، الذي تصاعد منذ طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023.
ويُعتبر وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الشريكان الرئيسيان في ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من دعاة الاستيطان ، ويدعمان استمرار الحرب في غزة، مما يُسهّل ما يُسمّيانه الهجرة الطوعية لسكانها الفلسطينيين وإعادة بناء المستوطنات اليهودية هناك.
عقوبات شاملة
من جانبه قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور طارق فهمى : الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية تمتلك مجموعة من الأدوات التي يمكنها، نظريًا، استخدامها للتأثير على السياسة الصهيونية ومع ذلك، فإن تطبيق هذه الأدوات غالبًا ما يكون مقيدًا بالخلافات الداخلية والمصالح الوطنية وتعقيدات الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
وأضاف فهمى فى تصريحات صحفية، أن الدول الأوروبية أصدرت مرارًا بيانات تدين الإجراءات الصهيونية ، خاصة تلك التي تؤدي إلى تجويع الأطفال والنساء وكبار السن وتحرمهم من الحصول على الأدوية التي يموتون بدونها وبالتالي سقوط ضحايا مدنيين أو انتهاكات للقانون الدولي بقصف المستشفيات والمدارس ومقرات أممية وخيم نازحين بدون سابق إنذار، كما استدعت السفراء الإسرائيليين للتعبير عن استيائها، وفي حين أن هذه الإجراءات تشير إلى عدم الموافقة، فإن تأثيرها المباشر على السياسة الإسرائيلية غالبًا ما يكون محدودًا.
وأشار الى أن الدول الأوروبية في مناقشات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، غالبًا ما تدعم القرارات التي تدعو إلى وقف إطلاق النار ودخول المساعدات الإنسانية والالتزام بالقانون الدولي، ومع ذلك، يمكن إعاقة فعالية قرارات الأمم المتحدة بسبب حق النقض (الفيتو) من قبل الأعضاء الدائمين أو بسبب عدم امتثال دولة الاحتلال.
وأكد فهمى أن بعض الدول الأوروبية تاريخيًا لعبت دورًا في التوسط في محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وفي حين أن الوساطة النشطة كانت أقل بروزًا خلال الصراع الحالي، إلا أن إمكانية المبادرات الأوروبية المستقبلية تظل أداة دبلوماسية.
وشدد على أن العقوبات التجارية تلعب دورا استراتيجيا فى الضغط على دولة الاحتلال لأن الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لدولة الاحتلال مما يعطي أهمية قصوى لتلك الأداة، وبالتالى يمكنها فرض عقوبات تجارية شاملة، مثل حظر السلع أو الخدمات، وهذا سيكون ضربة اقتصادية كبيرة لدولة الاحتلال ومع ذلك، فإن مثل هذه الخطوة تتطلب موافقة بالإجماع بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو أمر يصعب تحقيقه بسبب تباين المصالح الوطنية والعلاقات مع دولة الاحتلال.
جرائم حرب
وأشار فهمى إلى أنه وسط الصراعات الجيوسياسية الحالية تبرز العقوبات المستهدفة، التى يمكن أن تشمل الإجراءات الأكثر دقة مثل عقوبات ضد أفراد أو كيانات محددة تعتبر مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان أو انتهاكات القانون الدولي الصارخة التى ترتكبها دولة الاحتلال وكلها جرائم حرب ، هذا النهج يتطلب إرادة سياسية قوية.
واوضح أنه يمكن لدول المجموعة الأوروبية تعليق اتفاقيات التعاون، حيث لدى الاتحاد الأوروبي ودولة الاحتلال اتفاقيات تعاون ، بما في ذلك اتفاقية الشراكة التي تمنح دولة الاحتلال وصولا تجاريا تفضيليا، بالتالي يمكن أن يكون تعليق أو مراجعة هذه الاتفاقيات أداة قوية جدا تضر باقتصاد دولة الاحتلال ومع ذلك، هذه خطوة تتردد بعض الدول الأوروبية في اتخاذها.
دعاوى قضائية
وأكد فهمى أن العديد من الدول الأوروبية موقعة على نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية والتى يمكنها دعم التحقيقات في جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها أي طرف في النزاع الدولى الجيوسياسى وأعربت بعض الدول الأوروبية بالفعل عن دعمها لولاية المحكمة الجنائية الدولية في الأراضي الفلسطينية ورغم ذلك فإن عملية المحكمة الجنائية الدولية طويلة الامد ويتم الطعن في ولايتها من قبل دولة الاحتلال.
وأوضح أن هناك الإجراءات القانونية المحلية حيث في بعض الدول الأوروبية، يمكن للأفراد أو المنظمات رفع دعاوى قضائية ضد مسؤولين إسرائيليين بموجب قوانين الولاية القضائية العالمية لجرائم الحرب ، وعلى الرغم من أن هذه الحالات نادرة ومعقدة، إلا أنها يمكن أن تخلق أضرارًا بالسمعة وعقبات قانونية للأفراد المستهدفين.
معارضة كبيرة
وقال أستاذ العلوم السياسية الدكتور أيمن سمير : إن التأثير الأوروبي على دولة الاحتلال يكون فى الغالب مبالغًا فيه، موضحا أنه رغم أن أوروبا تتمتع بقوة اقتصادية كبيرة، إلا أن قدرتها على ترجمة ذلك إلى نفوذ سياسي حاسم على دولة الاحتلال محدودة .
وأضاف سمير فى تصريحات صحفية أن مخاوف دولة الاحتلال الأمنية الأساسية تتشكل من خلال الدينامكيات الإقليمية وعلاقتها بالولايات المتحدة، التي تظل أقوى حليف ومورد للأسلحة، مؤكدا أن مصالح أوروبا الوطنية المتنوعة وأعباءها التاريخية، بما في ذلك الحساسيات المتعلقة بمعاداة السامية، غالبًا ما تؤدي إلى نهج حذر.
وأوضح، أن أي إجراء قوي، مثل العقوبات الشاملة، يواجه معارضة داخل الاتحاد الأوروبي، مثلا ألمانيا، بمسؤولياتها التاريخية، تتردد بشكل خاص في عزل دولة الاحتلال وعلاوة على ذلك، أظهرت دولة الاحتلال اصرارا وعنادا سياسيا رغم اجرامها وابادتها فى حق الشعب الفلسطينى وسياسة التجويع الفجة ومنع دخول المساعدات الذى يقتل الاطفال والنساء ببطء وقدرة ملحوظة على مواجهة الضغوط الدولية رغم أنها سبب كل توتر فى الاراضى الفلسطينية أو على أي حدود مجاورة لها ودائما ما تدعى أن أمنها فى خطر وتلصق تهمة معاداة السامية لتصبغها على من تعتدى عليهم باللفظ او بالاتهامات او بتحريك القوات وتظهر اعلاميا بالكذب أن مصالحها الأمنية الأساسية "على المحك" على حد قول نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى والتهرب من تسليم نفسه كمجرم حرب قام بابادة 50 ألف فلسطيني أكثر من نصفهم من النساء والأطفال.
موقفً أكثر قوة
وقال سمير، إن دولة الاحتلال تعتبر الانتقادات الأوروبية متحيزة وتعديًا على سيادتها، معربا عن اعتقاده بأنه لو كانت هناك استراتيجية أوروبية امريكية لكانت أكثر فعالية لتقديم جبهة موحدة، لكنها تقر بالتحديات في تحقيق ذلك.
وأكد أن أوروبا يجب عليها أن تتبنى موقفًا أكثر قوة ومبدئية والنهج الأوروبي الحالي، الذي يتسم بإدانات قوية ولكن إجراءات ملموسة محدودة، يبعث برسالة مختلطة، في حين أن الخطاب الدبلوماسي مهم، إلا أنه يحتاج إلى أن يكون مدعومًا بتهديدات ذات مصداقية بالعواقب إذا تم انتهاك القانون الدولي باستمرار من دولة الاحتلال بمفهوم "الإبادة الجماعية" هو اتهام خطير، وإذا اعتقدت الدول الأوروبية حقًا أنه قابل للتطبيق، فإن لديها التزامًا أخلاقيًا وقانونيًا بالتحرك بعزل دولة الاحتلال والاعتراف بدولة فلسطين لوقف الحرب.
وشدد سمير على ضرورة أن يتغلب الاتحاد الأوروبي على خلافاته الداخلية ويستغل بشكل جماعي وزنه الاقتصادي ويجب أن تكون اتفاقية الشراكة، على سبيل المثال، مشروطة بالالتزام بحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي كشرط لتنفيذ اى اتفاقية ثنائية بين اى دولة اوروبية ودولة الاحتلال ويمكن أيضًا استخدام العقوبات المستهدفة ضد الأفراد المسؤولين عن الانتهاكات الفادحة بشكل أكثر فعالية.
وطالب أوروبا بأن تدعم وتتعاون بشكل كامل مع الهيئات القانونية الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، بغض النظر عن الاعتراضات الإسرائيلية مؤكدا أن مصداقية أوروبا على المحك كمدافع عالمي عن حقوق الإنسان إذا استمرت في إعطاء الأولوية للراحة السياسية قصيرة الأجل على قيمها التأسيسية، فبينما تمتلك أوروبا مجموعة من الأدوات لممارسة الضغط على دولة الاحتلال ، فإن فعاليتها غالبًا ما تعوقها الانقسامات الداخلية، والواقع الجيوسياسي، والاعتبارات الاستراتيجية لدولة الاحتلال نفسها .
وخلص سمير إلى القول :الامر معقد حين يتعلق بالقضية الفلسطينية وامكانية ولادة حل الدولتين على أرض الواقع لكنه متوقع في القريب العاجل لوقف الحرب وتتباين وجهات النظر حول كيفية مساهمة أوروبا بشكل أفضل في حل النزاع والضغط بادواتها المتعددة وحماية حقوق الإنسان في المنطقة.