تمهيدًا لنقلها للإمارات.. “جرجوب” صناعية جديدة على أنقاض أهالي “النجيلة” – مطروح

- ‎فيتقارير

 

على غرار "اقتصادية قناة السويس"، وافقت حكومة الانقلاب، خلال اليومين الماضيين، على إنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة بجرجوب، على الساحل الشمالي الغربي، بمساحة 402.2 ألف فدان، رغم أنها أعلنت عن مشاريع اقتصادية بالمنطقة ذاتها (النجيلة القديمة) عام 2017، أي قبل 9 سنوات.

وفي أبريل الماضي، شهدت المنطقة، كما هو حال المناطق الحدودية في مرسى مطروح والنجيلة وبراني ومحيط رأس الحكمة، توترات حادة بسبب مشاريع استثمارية قائمة على طرد السكان من منازلهم دون تعويضات عادلة. ويُضاف إلى ذلك مشكلات قديمة مثل قضايا التهريب، التي يلجأ إليها بعض الأهالي كمصدر رزق، فيُعتقلون ويُسجنون لسنوات دون محاكمة عادلة أو معرفة موعد الإفراج.

وطورت داخلية السيسي من أساليب تعاملها القمعي مع أهالي المنطقة، فباتت تحتجز النساء من قبائل بدوية عربية. وفي ظل رفض السلطات الإفراج عن المحتجزات، اضطر شابان، هما يوسف عيد فضل السرحاني (17 عامًا) وفرج رباش الفزاري (18 عامًا)، لتسليم نفسيهما للشرطة، بإشراف كبار العائلات والمشايخ، مؤكدين براءتهما من تهمة قتل أمناء شرطة، وأن التسليم جاء فقط مقابل إطلاق سراح السيدات.

لكن الصدمة الكبرى جاءت بعد اصطحاب الشرطة للشابين إلى طريق السلوم، حيث أطلقت عليهما النار وأعدمتهما ميدانيًا خارج إطار القانون، رغم علم الجميع ببراءتهما، ما أشعل موجة غضب شعبي عارمة بين الأهالي.

أما في براني، فقُتل الشاب فرحات المحفوظي خلال حملة أمنية، ما أدى إلى غضب شعبي واسع وقطع للطريق، أسفر عن مقتل شرطيين. وتؤكد هذه الوقائع تصاعد الاحتقان الشعبي، ودفع الناس إلى العنف واليأس من الدولة.

الناشط الحقوقي نور خليل صرح بأن هذه ليست المرة الأولى التي تُرتكب فيها مثل هذه الانتهاكات، مشيرًا إلى واقعة مشابهة في مارس 2023، حين احتجزت قوات الأمن نساءً من عائلات النجيلة. وأضاف أن مناطق مثل مرسى مطروح، والنجيلة، والسلوم، تشهد انتهاكات مستمرة، خاصة في ما يتعلق بتوجيه تهم التهريب إلى الشباب، أو احتجازهم وإقحامهم في قضايا دون مسوغ قانوني.

خطط 2017: استثمارات تركية وبلجيكية

منذ عام 2017، تخطط حكومة السيسي لتحويل جرجوب إلى منطقة صناعية تركية باستثمارات تقدَّر بـ7 مليارات دولار، بالإضافة إلى مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر باستثمارات بلجيكية تقارب 26 مليار دولار. وتشمل الخطة إنشاء منطقة (هناجر) لإعادة تجميع السيارات المستعملة القادمة من كوريا واليابان، لتُعاد تصديرها إلى إفريقيا، فضلًا عن مشروع لاستزراع التونة الزرقاء، ومدن سياحية جديدة على غرار مشروع رأس الحكمة.

وأفادت مصادر بوزارة النقل بأن شركة "المجموعة المصرية للمحطات متعددة الأغراض" – الذراع التجارية للوزارة – ستتعاون مع شركة "دوغوش" التركية لإنشاء منطقة صناعية لوجستية في جرجوب، بموجب مذكرة تفاهم وُقعت في مارس الماضي، باستثمارات مباشرة تفوق 7 مليارات دولار، ومن المقرر بدء التشغيل في مطلع 2026.

جرجوب.. ضمن خريطة الاستحواذ الإماراتي

الصحفي والحقوقي حسام بهجت أشار، عبر منصة "X"، إلى أن مشروع جرجوب يدخل ضمن استحواذ الإمارات على شمال الساحل، قائلًا إن "رأس الحكمة" ليست سوى اسم المشروع والشركة القابضة الإماراتية، لكن المشروع يغطي 170 مليون متر مربع، ويشمل: جرجوب، مطروح، رأس الحكمة، والنجيلة.

وأُعلن في البداية أن جرجوب سيكون ميناءً عسكريًا ضمن ما يُسمى "قاعدة 3 يوليو البحرية" لتأمين الساحل، ما دفع الأهالي لتسليم أراضيهم طوعًا للمشروع "الأمني القومي".

وقد افتتح السيسي القاعدة في 11 يوليو 2021 قرب رأس جرجوب، على بُعد 140 كم شرق الحدود الليبية، وتضم رصيفًا بحريًا بطول كيلومتر وعمق 14 مترًا. كما افتُتحت قاعدة جرجوب العسكرية في 20 يونيو 2020، بمنطقة النجيلة غرب مدينة مطروح.

وفي ديسمبر 2017، بدأ محافظ مطروح توزيع تعويضات هزيلة على الأهالي بعد نزع ملكية أراضيهم. وقال الأهالي حينها: "سلمنا الأراضي من أجل مصر".

الموقع الاستراتيجي والأهداف المعلنة

تقع جرجوب على بُعد كيلومترات من الحدود الليبية، ما يجعلها محور ربط استراتيجي بين شمال إفريقيا وجنوب أوروبا، وخاصة بين الإسكندرية، السلوم، وبنغازي. ويشمل المشروع إنشاء ميناء تجاري، ومناطق حرة، ومجمع استزراع التونة على مساحة 232 فدانًا، بالتعاون مع خبراء ألمان – بحسب مزاعم الحكومة.

وقد أُطلق مشروع ميناء جرجوب في أكتوبر 2015 خلال مؤتمر مطروح الاقتصادي الدولي، وأُعلن حينها أن المشروع سيتم تنفيذه على ثلاث مراحل خلال عشر سنوات بتكلفة إجمالية 10 مليارات دولار، تبدأ المرحلة الأولى منها بـ2 مليار جنيه. وكان اللواء كمال الوزير، حين كان مديرًا للهيئة الهندسية للقوات المسلحة، أول من أعلن عنه.

وادعى حينها أن المشروع جزء من خطة لتطوير الساحل الشمالي الغربي، تتضمن تسكين 40 مليون مصري خلال 40 عامًا، تشمل إنشاء مدينة العلمين الجديدة، و15 مدينة أخرى على غرارها، ومنطقة اقتصادية بميناء جرجوب، ومدينة رأس الحكمة، واستصلاح أكثر من ربع مليون فدان.

وكان الهدف المعلن في البداية هو إنشاء مدينة سياحية عالمية، ومركز اقتصادي على مساحة 54 كم²، توفّر أكثر من 25 ألف فرصة عمل.

النجيلة… من قرية ساحرة إلى صفحة مطموسة

الكاتب والباحث إسماعيل الإسكندراني كتب متحسرًا: "لحقت السباحة في شاطئ النجيلة البحرية، قبالة صخرة الشويلة وبنتها، الصيف الماضي… قبل أن تُزال قرية النجيلة الفريدة من الوجود لصالح مشروع جرجوب".

ومن إشارات التمدد الإماراتي في المشروع، مشاركة شركة طحنون بن زايد "الجرافات البحرية الإماراتية" في مصر، ضمن تحالف مع شركات أوروبية، لتنفيذ أعمال حفر قناة السويس الجديدة، ثم مشاريع أخرى مثل توسيع ميناء العين السخنة، وميناء الجلالة، وميناء الأدبية، وميناء رأس بناس، وميناء جرجوب، وميناء الإسكندرية.

خاتمة

تسلّط أحداث النجيلة الأخيرة الضوء على مفارقة مؤلمة: حين تتحول الجهة المسؤولة عن تنفيذ القانون إلى طرف متهم بانتهاكه. وبدلًا من أن تسعى وزارة الداخلية لتهدئة الأوضاع عبر المسارات القانونية، تسهم ممارساتها – كما يروي الأهالي والمحامون – في تصعيد التوتر، وتقويض ما تبقى من الثقة بينها وبين المواطنين في مناطق حدودية شديدة الحساسية.