بينما لم تجف بعد دماء 19 ضحية، معظمهن من الفتيات الصغيرات، قضين في حادث مروع على الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية، صباح الجمعة الماضية، أطل وزير النقل بحكومة الانقلاب الفريق كامل الوزير، من إسطنبول متباهياً بما وصفه بـ"النهضة غير المسبوقة" في قطاع النقل، دون أن يرف له جفن إزاء الكارثة التي فجعت قرية كاملة في ريف مصر.
الوزير الذي يوصف بـ"الجبان" لعجزه المتكرر عن تحمّل المسؤولية السياسية أو الأخلاقية عن كوارث الطرق والقطارات، اكتفى بالمشاركة في منتدى الترابط العالمي في مجال النقل 2025، مستعرضاً أرقاماً مبهرة عن استثمارات تتجاوز التريليوني جنيه في البنية التحتية، متحدثاً عن شبكة قطارات كهربائية، وموانئ جافة، وممرات لوجستية، في حين كانت جثامين الضحايا تُوارى الثرى في جنازات جماعية خيم عليها الغضب والحزن.
ورغم هول الفاجعة، لم تُصدر وزارة النقل حتى الآن بياناً واحداً للتعزية أو لتوضيح مسؤوليات التقصير، في تجاهل اعتبره مراقبون استمراراً لنمط الإفلات من العقاب، وغياب المساءلة الحقيقية، لا سيما وأن كامل الوزير، القادم من المؤسسة العسكرية، يعد من "الحاشية المحصنة" للرئيس عبد الفتاح السيسي، التي لا تُمس مهما بلغ حجم الكوارث.
حوادث تتكرر.. ووزير باقٍ في منصبه
حادث المنوفية لم يكن الأول، ولن يكون الأخير، في سجل طويل من الكوارث التي ضربت قطاع النقل منذ تولي الوزير منصبه عقب فاجعة محطة مصر عام 2019، والتي راح ضحيتها 31 شخصاً في حريق ناتج عن اصطدام جرار بالرصيف، دون أن تطيح الكارثة بالوزير أو حتى بأي مسؤول كبير.
وبحسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، تسجل مصر سنوياً أكثر من 7 آلاف قتيل في حوادث الطرق، وسط شكاوى مستمرة من غياب الإنارة، ورداءة التخطيط الهندسي، وضعف الرقابة المرورية، وافتقار الطرق إلى عوامل السلامة الأساسية.
ويعيد مشهد الجثث المتناثرة على الأسفلت في حادث المنوفية إلى الأذهان كوارث مماثلة في قطاع السكك الحديدية، من بينها حادث قطاري سوهاج (2021) الذي أسفر عن مقتل 32 وإصابة 165 آخرين، وحادث قطار طوخ (2021) الذي أودى بحياة 23 شخصاً، ومجزرة قطار حلوان، حيث دهس قطار عمّال مصنع ملابس.
وفي كل مرة، يخرج كامل الوزير بخطابات مكررة عن "التطوير" و"التحسين"، دون أن يقدم استقالته أو يُسأل عن الفشل المتكرر في حماية أرواح المواطنين.
من قرية كفر السنابسة.. حكاية مأساة مصرية متكررة
في قرية كفر السنابسة التابعة لمركز منوف، خيّم الصمت على بيوت القرية بعد فقدان 19 من أبنائها، بينهم أطفال عادوا من عزاء في قرية مجاورة، قبل أن تدهسهم شاحنة تسير بسرعة جنونية في الاتجاه المعاكس على طريق يفتقر إلى الإنارة والحواجز الخرسانية.
يقول علي جمعة، أحد شهود العيان: "الناس كانت بتموت على الأسفلت، الإسعاف وصلت بعد 40 دقيقة، مفيش رقابة، الطريق مظلم، والسواق كان طاير كأنه بيجري في سباق موت".
النيابة العامة باشرت التحقيق، وأمرت بمناظرة الطب الشرعي وسماع شهادات الناجين، لكن الحقيقة الأوضح للجميع هي أن الطريق نفسه لم يكن مؤهلاً لحماية الأرواح، وهو ما يُفترض أن يدخل ضمن مسؤوليات الوزير الذي ما زال مشغولاً بالترويج لإنجازات ورقية على منابر المؤتمرات الدولية.