كان مسئولا عن تنفيذ الطريق الإقليمي ” الوزير ” يتنصل من المسؤولية و”مدبولى “يعترف لاحتواء الغضب

- ‎فيتقارير

في مشهد متكرر يعكس سياسة الإفلات من العقاب داخل منظومة الحكم الحالية في ظل نظام الانقلاب العسكري، حاول وزير النقل الانقلابي كامل الوزير، التهرب من المسؤولية السياسية والفنية عن حادث الطريق الإقليمي الذي أسفر عن مصرع 18 فتاة وسائق ميكروباص في محافظة المنوفية، رغم أنه كان يشغل منصب رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة أثناء تنفيذ الطريق، المعروف شعبيًا بـ"طريق الموت السريع.

ورغم إعلان الحكومة رسميًا تحملها للمسؤولية المعنوية عن الحادث، لم تتعدَّ إجراءاتها الفعلية سوى تحميل المسؤولية لسائق الشاحنة، الذي قالت النيابة العامة إنه كان تحت تأثير المخدرات، في تجاهل تام للعيوب الفنية الجسيمة التي تشوب الطريق، والتي كانت سببًا في وقوع عشرات الحوادث المماثلة خلال السنوات الماضية، على طرق أنفقت عليها الدولة مليارات الجنيهات دون رقابة حقيقية، وسط شبهات قوية بتورط قيادات عسكرية ومكاتب استشارية مقربة من الوزير في نهب جزء كبير من هذه المخصصات عبر عمولات وصفقات مشبوهة.

ورغم اعتراف الوزير خلال جولة ميدانية بالطريق بتدهور حالته، إلا أنه ألقى باللوم على الحمولات الزائدة وسلوك السائقين، متسائلًا بغضب: «فين الجريمة اللي إحنا عملناها؟»، متجاهلًا أن الطريق الذي أشرفت عليه الهيئة الهندسية خلال رئاسته لها، تحول إلى شريط متواصل من الحوادث والضحايا، دون أن تتحرك الوزارة لإجراء إصلاحات جادة أو مراجعة شاملة للبنية الهندسية للطريق.

في المقابل، حاول رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي احتواء الغضب الشعبي بتصريحات رثائية وتوجيهات تنفيذية من بينها إعفاء أسر الضحايا من المصروفات الدراسية، ومنح معاشات استثنائية، وإطلاق أسماء الضحايا على منشآت عامة، لكن تلك الإجراءات لم تُخفِ فشل الدولة في حماية الفقراء من الكوارث المتكررة التي تحصد أرواحهم على طرق حكومية متهالكة، أنفقت عليها عشرات المليارات، بينما لم تُوفّر أبسط شروط الأمان.

المجلس القومي لحقوق الإنسان وصف الحادث بأنه انعكاس لغياب وسائل النقل الآمن، وتخلي الدولة عن مسؤولياتها في حماية العاملات، لا سيما في المناطق المهمشة. كما حمّلت مؤسسة "المرأة الجديدة" الدولة مسؤولية ما وصفته بـ"العنف البنيوي"، مشيرة إلى أن الفتيات ضحايا الفقر وضعف الإنفاق على التعليم، وغياب سياسات الحماية الاجتماعية.

وبرز في المشهد صمت متعمد من وزارة العمل، التي اكتفت بجمع البيانات تمهيدًا لصرف تعويضات مالية، دون الإعلان عن أي إجراءات حاسمة ضد أصحاب المزارع أو مقاولي الأنفار الذين شغّلوا الفتيات، وبينهن من هن دون السن القانونية، في غياب كامل لشروط السلامة المهنية أو وسائل نقل آدمية.

الحادث الذي أثار ضجة كبرى، لم يكن استثناءً، فقد شهد الطريق نفسه، خلال أقل من 48 ساعة، حادثين جديدين: انقلاب سيارة أمن مركزي، وآخر لسيارة نقل فاكهة، في مؤشر صارخ على مدى خطورة الطريق، الذي تحول إلى كمين دائم لأرواح الغلابة.

وطالبت جهات برلمانية بتشكيل لجنة تقصي حقائق حول انهيار البنية التحتية للطريق الإقليمي، الذي بلغت كلفته أكثر من 20 مليار جنيه، واصفينه بأنه "طريق الموت" بسبب كثرة الحوادث والمطبات والانهيارات، بينما تتدفق عائداته اليومية من "الكارتة" إلى خزائن الدولة دون إنفاق حقيقي على صيانته.

الحكومة التي تغنّت برفع ترتيب مصر العالمي في جودة الطرق، تغفل أن "الترتيب" لا يعني شيئًا في مواجهة حوادث تقتل الفقراء فقط، في وقت تتنصل فيه الجهات الرسمية من المسؤولية، وتحمّل الضحايا وحدهم ثمن الأخطاء الهندسية والفساد وسوء التخطيط، لتتحول أرواح المصريين، وتحديدًا الفقراء، إلى وقود لعجلة تنموية زائفة لا تنتمي إلا للخرائط الورقية وشاشات الدعاية الحكومية.