مستشفى الخانكة للصحة النفسية وعلاج الإدمان تواجه اتهامات بوجود مخالفات مالية وإدارية، طالت مديرها ونائبه، على خلفية وقائع تضمنت اعتداءات جسدية على مرضى نفسيين، وانتحال صفة طبيب من قبل أحد الأفراد، وتحرير تقارير طبية وعلاجية دون مؤهلات قانونية أو طبية معتمدة، في مخالفة واضحة لقانون رعاية المريض النفسي.
هذه الوقائع دفعت أمانة الصحة النفسية بوزارة صحة الانقلاب إلى إقالة نائب مدير المستشفى، الدكتور بدر عباس، بعد أقل من شهرين على توليه المنصب.
كان المجلس القومي للصحة النفسية قد أعلن عن تشكيل لجنة من شؤون المرضى توجهت إلى مستشفى الخانكة للتحقيق في هذه الوقائع، إلا أنه تم الاكتفاء بإجراء تحقيق داخلي وعزل نائب المدير، دون إحالة الملف إلى النيابة العامة، وهو ما أثار انتقادات المؤسسات الطبية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالصحة النفسية، التي اعتبرت ذلك إخلالًا بمبدأ المحاسبة وتفريطًا في حقوق المرضى.
تجاوزات وانتهاكات
من جانبه قال محمود فؤاد، عضو مجلس الإدارة السابق بمستشفى الخانكة للصحة النفسية وعلاج الإدمان: إن "نحو 35% من عدد الأسرّة الخاصة بمستشفيات الصحة النفسية في مصر، موجودة بمستشفى الخانكة، إلاّ أنها تواجه مشكلات إدارية تسببت في وقوع تجاوزات وانتهاكات لحقوق المرضى".
وكشفً فؤاد في تصريحات صحفية عن تلقيه اتصالات تفيد بقيام نائب مدير المستشفى بإدخال طالب في السنة النهائية بقسم علم النفس بكلية الآداب، وتقديمه على أنه طبيب نفسي، وعندما ساور الأطباء الشك بشأنه واكتشفوا حقيقته قاموا بإبلاغ الشرطة، وبناءً على ذلك قامت الأمانة العامة للصحة النفسية بعزل نائب المدير.
وأضاف: هناك أزمة أخرى تتعلق بالمرضى الذين قام ذووهم بتسليمهم إلى مستشفيات الصحة النفسية منذ سنوات طويلة، وبعد تماثلهم للشفاء ورغبتهم في الخروج لم يستدل على مكان سكن الأهل أو رفضهم استلام المريض، مما يضطر المستشفى لإبقائهم داخلها، ويوجد نحو 300 شخص تعافى من المرض النفسي لكنهم لا يزالون في مستشفى الخانكة طبقًا لقانون رعاية المريض النفسي رقم 71 لسنة 2009 .
وأكد فؤاد أن هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها مستشفى الخانكة اتهامات بسوء الإدارة ووقوع انتهاكات بحق المرضى؛ لافتا إلى أنه سبق أن توفي 10 مرضى محجوزين بالمستشفى، خلال الفترة من 1/8/2015 حتى 10/8/2015، بسبب الإهمال الجسيم، الأمر الذي دفع بهيئة النيابة الإدارية، لأن تُحيل 34 متهماً من المسؤولين بالمستشفى إلى المحاكمة العاجلة .
وأشار إلى ان التحقيقات في القضية كشفت عن مسئولية المتهمين وتسببهم في وفاة عشرة مرضى، نتيجة عدم اتباع الإجراءات الواجبة لمواجهة حرارة الصيف، إذ يواجه المرضى النفسيون احتمالية مرتفعة لحدوث الاحتباس الحراري، كأحد الآثار الجانبية الشائعة للأدوية الخاصة بالعلاج النفسي، وجاء ذلك تزامنًا مع تأثير موجة الحر الشديد خلال شهر أغسطس عام 2015، ونظرًا لتراخي المتهمين في اتخاذ الإجراءات الطبية؛ فإن الحالة الصحية للمتوفين تدهورت أثر إصابتهم بالإجهاد الحراري الذي نتج عنه الوفاة، إلا أن القائمين على إدارة المستشفى برروا الواقعة بنقص الإمكانيات التي توفرها وزارة صحة الانقلاب للمستشفى.
الكوادر الطبية
وكشف الدكتور أحمد حسين، عضو مجلس إدارة مستشفى العباسية للصحة النفسية سابقًا، أن قطاع الصحة النفسية يواجه تحديات كبيرة تتمثل في النقص الشديد في الكوادر الطبية والتمريضية، بسبب ضعف المردود المادي مقارنة مع أجور نظرائهم الذين يسافرون إلى دول الخليج التي تستقطب العاملين في هذا التخصص، بجانب تخوفات الأطباء والتمريض من المسؤولية القانونية المتعلقة بالمرضى النفسيين والوقوع تحت طائلة التعنت الإداري، وخوفهم من التعرض للاعتداء من المرضى النفسيين الذين يمرون بحالة تهيج،
وأشار حسين في تصريحات صحفية إلى قلة عدد الأسرّة في هذه المستشفيات، في الوقت الذي يشغل فيه المتعافون من المرض النفسي الذين لم يستدل على أهاليهم أو رفض الأهل استلامهم، نحو 20٪ من أسرّة مستشفيات الصحة النفسية، معربا عن أسفه لضعف المخصصات المالية المقررة لقطاع الصحة النفسية في الموازنة العامة لدولة العسكر .
وقال : إن "هناك إشكالية تتعلق بعدم وجود قانون ينظم حالات المتعافين من المرض النفسي الذين لم يستدل على أهاليهم أو رفض الأهل استلامهم، فيظلون في المستشفيات بقية حياتهم، دون أن تتولى جهة حكومية أخرى كوزارة التضامن الاجتماعي مسؤوليتهم" .
ولفت حسين إلى إشكاليات تتعلق بحالات مادة 10، من قانون رعاية المريض النفسي والذين استقرت حالتهم النفسية ولم يعودوا يشكلون خطرًا على أنفسهم أو الغير، ويطلب البعض من الطبيب المعالج مغادرة المستشفى إلا أن أسرته قد تعارض ذلك، وربما تتجه إلى التقدم بشكاوى ضد المستشفى أو تحاول رشوة التمريض لضمان بقاء المريض النفسي سجينًا مدى الحياة .
وأكد أن دولة العسكر تتجه إلى إحلال عدد من مستشفيات الصحة النفسية الكبرى، ومن بينها مستشفى العباسية، عبر خفض أعداد المرضى، وإغلاق بعض الأقسام بحجة التطوير، مؤكدًا أن البروتوكولات العالمية المتعلقة بالصحة النفسية تتعارض مع خطط وزارة صحة الانقلاب الرامية إلى تحويل مستشفى الخانكة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، إلى مدينة طبية متكاملة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، إذ تستهدف الأولى التحول من المستشفيات النفسية الكبيرة التي تضم أعدادًا كبيرة من المرضى، إلى مستشفيات صغيرة متخصصة في كل منها عدد لا يزيد عن 100 نزيل.
وبشأن الاتهامات الموجهة لإدارة مستشفى الخانكة لا يستبعد حسين أن تكون هناك حالة من التصيد لإدارة المستشفى فى محاولة توريطها، مشيرًا إلى أن وزارة صحة الانقلاب تسمح للطبيب الحر غير المسجل في أي من منشآتها الصحية بأن يتدرب في المستشفيات التابعة لها، كمزاول للمهنة، نظير سداده لرسوم، وهو ما فتح الباب لقلة التدقيق في هوية المتدربين، في ظل نقص الكوادر الطبية والتمريضية والإدارية في المستشفيات التابعة لوزارة صحة الانقلاب .
مجلس أعلى للصحة
وطالب الدكتور علاء غنام، رئيس وحدة الحق في الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بضرورة تشكيل مجالس أمناء للمستشفيات النفسية بمشاركة مجتمعية، وايجاد لجان حماية حقوق المرضى داخل كل مستشفى، للحيلولة دون وقوع تجاوزات مالية وإدارية أو انتهاكات لحقوق المرضى النفسيين .
وشدد غنام فى تصريحات صحفية على ضرورة تشكيل مجلس أعلى للصحة يتولى التخطيط الإستراتيجي للصحة في مصر.