تصاعدت الانتقادات لتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول حل أزمة سد النهضة، وإنهاء النزاع بين القاهرة وأديس أبابا .
كما أثارت هذه التصريحات تساؤلات المراقبين بشأن دوافع الرئيس الأمريكي الحقيقية تجاه تحريك المياه الراكدة في هذا الملف، ودلالة اختيار التوقيت؛ وهل يريد أن يستخدم هذه القضية كورقة ضغط جديدة قد تغير معادلة التفاوض برمتها.
وتوقع خبراء أن تكون لدى «ترامب» رغبة في إحياء مشروع نقل كميات كبيرة من مياه النيل إلى الكيان الصهيوني عبر سيناء إلى صحراء النقب في حين ذهب آخرون إلى أن الدافع الحقيقي لـ «ترامب» هو الضغط على مصر للقبول بمخطط تهجير الفلسطينيين «المياه مقابل غزة» في صفقة قد تغير الخريطة الجيوسياسية للمنطقة .
كان «ترامب»، قد قال: إنه "يدرك ما تمثله تلك القضية للمصريين، مشيرا إلى أن نهر النيل مصدر مهم للغاية للدخل والحياة، إنه شريان الحياة بالنسبة لمصر، وأخذ ذلك بعيدًا أمر لا يُصدق ".
وأكد الرئيس الأمريكي، أن بلاده تُبرم صفقات جيدة وأنها ستعمل على حل هذه المسألة.
أنفاق غزة
من جانبه قال الباحث في العلاقات الدولية الدكتور عبد اللطيف مشرف: إن "الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، معروف بأنه رجل صفقات واقتصاد، يحاول فرض شروط الكيان الصهيوني على مصر، سواء عبر ملف المياه أو التهجير والحدود مع غزة من خلال تسوية أزمة سد النهضة".
وأكد «مشرف» في تصريحات صحفية، أن أمريكا أدركت جيدًا أن الشعب المصري سيظل حائط الصد المنيع لتنفيذ مخططات التهجير، مشيرًا إلى أنها تطرح -حاليًا- بدائل سياسية وأمنية ستحاول فرضها، مثل إقامة مناطق عازلة تحت السيطرة الصهيونية على الحدود المصرية مع الأراضي المحتلة، وهو ما يمثل خطورة على الأمن القومي المصري.
وأشار إلى أن مصر كانت تملك دورًا استراتيجيًا هامًا في غزة من خلال السيطرة على الأنفاق التي كانت تمثل شريان حياة وضغطًا على الكيان الصهيوني، لكن هذا الدور تراجع مؤخرًا، مما أدى إلى فقدان مصر لأوراق ضغط حيوية.
ولفت «مشرف» إلى أن مصر فقدت السيطرة على ملف غزة بعد غلق جميع الأنفاق لصالح قطر والكيان الصهيوني، وهو ما يعد خطأ استراتيجيًا كبيرًا، لأن غزة كانت تمثل صمام أمان للأمن القومي المصري بعيدًا عن الصراعات المباشرة مع الكيان.
وأوضح أن مصر في زمن الانقلاب تواجه ضغوطًا اقتصادية كبيرة، وهو ما يجعل «ترامب» يعتقد أنها ستضطر للتنازل عن بعض مواقفها مقابل تحسين وضعها الاقتصادي.
إن ترامب سبق وأشار في أكثر من مناسبة إلى شعوره باستحقاق الحصول على جائزة نوبل للسلام بسبب ما وصفه بإنجازاته في تحقيق السلام، رغم أن الواقع لم يشهد توترًا حقيقيًا يصل إلى حد الحرب بين مصر وإثيوبيا.
النفخ في النار
ووصف الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، تصريحات ترامب حول تمويل الولايات المتحدة لسد النهضة بأنها غير دقيقة، مؤكدا أنه لم يكن هناك تمويل أمريكي مباشر للمشروع، بل كانت هناك مساعدات مالية تقدم من واشنطن لـ«أديس أبابا» تصل لمليار دولار سنويا قد تكون استخدمت بشكل غير مباشر في بناء السد.
وقال «شراقي» -في تصريحات صحفية إن ترامب يحاول «النفخ في النار» وتصعيد الأزمة سياسيًا ليظهر كمنقذ من أجل نيل جائزة نوبل للسلام.
وحول طرح البعض فكرة نقل مياه النيل إلى الكيان الصهيوني مقابل انهاء أزمة سد النهضة استبعد وجود أي نية أو إمكانية قانونية أو جغرافية لذلك معتبرا أن مشروع «ترعة السلام» تم من خلال مد أنفاق أسفل قناة السويس لنقل مياه النيل إلى سيناء، بغرض استخدامها في مشروعات زراعية ووصلت المياه بالفعل حتى بئر العبد، وتوقفت قبل العريش بنحو 80 كيلومترًا، ولم يستكمل المشروع.
وشدد «شراقي»، على أن دول حوض النيل ترفض نقل المياه خارج الحدود المصرية بشدة، بل هناك اعتراضات حتى على نقل المياه إلى مناطق داخلية مثل توشكى وسيناء.
ورقة ضغط
وقال السفير يوسف مصطفى زادة، مساعد وزير الخارجية الأسبق: إن "إثيوبيا لم ترد بعد على تصريحات ترامب، لكنها سبق أن رفضت بشدة ادعاءاته بأن أمريكا قامت بتمويل السد، مؤكدة أن سد النهضة تم تمويله ذاتيًا من مواردها الداخلية عبر السندات المحلية ومساهمات الشعب الإثيوبي".
وأضاف «زادة» في تصريحات صحفية أن وزير المياه والطاقة الإثيوبي، هبتامو إتيفا، أكد في يونيو الماضي أن السد مشروع محلي بناه الشعب من أجل الشعب، نافيًا أي دعم مالي أمريكي.
واعتبر أن تصريحات ترامب ورقة ضغط دبلوماسية لدفع إثيوبيا نحو التفاوض، لكنها قد تزيد التوترات إذا لم تترجم إلى اتفاق ملزم.
وأوضح «زادة» أنه يستغرب توقيت تصريحات ترامب لأنها قد تهدف إلى الضغط على مصر لاتخاذ موقف أكثر حدة أو لتعزيز صورة ترامب كوسيط دولي في حل الأزمة، رغم أن الولايات المتحدة، حسب ترامب، جزء من المشكلة عبر تمويلها السد.
وقت حساس
وأشار إلى أن تصريحات ترامب تعكس استمرار دعمه لموقف مصر والسودان، لكنها قد تكون جزءًا من استراتيجيته لتعزيز دوره الدبلوماسي عالميًا، خاصة مع إشارته إلى نجاحاته في حل نزاعات أخرى مثل رواندا والكونغو.
وأعرب «زادة» عن تشككه حول صحة ادعاء ترامب بتمويل أمريكي للسد، مشيرا إلى أن مصادر إثيوبية وتقارير دولية تؤكد أن التمويل كان داخليًا، وأن دور أمريكا اقتصر على الوساطة في مفاوضات 2019-2020، التي فشلت بسبب رفض إثيوبيا التوقيع على اتفاق نهائي.
وأكد أن تصريحات ترامب تأتي في وقت حساس، حيث أعلنت إثيوبيا اكتمال 99% من السد، مع خطط لافتتاحه في سبتمبر، مما يزيد من مخاوف مصر والسودان بشأن حصصهما المائية، خاصة في ظل غياب اتفاق ملزم، ليأتي ترامب ليحاول تعزيز دوره كوسيط في النزاعات الدولية، مستشهدًا بجهوده في قضايا مثل الهند وباكستان واتفاقيات إبراهام، ومع ذلك، تثير تصريحاته مخاوف من تصعيد التوترات إذا لم تترجم إلى مفاوضات فعالة.