في ظل عداء السيسي المستمر للصحافة المستقلة، لا فرق عنده بين صحفي شاب مثل أحمد أبوزيد الطنوبى، أو صحفي مسن مثل توفيق غانم الذي قاربت سنوات عمره السبعين. حيث يلاحقهم النظام بتهم ملفقة ومعلبة، في إطار حملة ممنهجة لقمع أي صوت حر أو مستقل، بينما تغيب نقابة الصحفيين وتتهاوى هيئات الصحافة العالمية عن أداء دورها في الدفاع عن حرية الصحافة وكرامة الصحفيين في مصر.
في أحدث حلقات هذا القمع، حددت محكمة استئناف القاهرة جلسة 11 أغسطس المقبل للنظر في محاكمة الصحفي الكبير توفيق غانم (68 عاماً) و87 مواطناً آخر، في قضية ملفقة تتهمهم بالانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
قضية غانم رقم 238 لسنة 2021، التي ظلت تراوح في الحبس الاحتياطي لأكثر من عامين، رغم تجاوزها الحد الأقصى القانوني للحبس المؤقت المسموح به وفق المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية (سنتان)، تجسد بوضوح كيف يستغل النظام القضاء كأداة للانتقام من الصحفيين والنشطاء، بعيداً عن أدنى معايير العدالة.
الحالة الصحية للصحفي توفيق غانم تزداد سوءاً داخل الحبس، حيث يعاني من أمراض مزمنة مثل تضخم البروستاتا والسكري، ومشاكل في العظام، بالإضافة إلى حرمانه من العلاج الطبيعي الضروري. مع ذلك، يواصل النظام إهماله، مفضلاً التضحية بحياته على حساب أي من مبادئ حقوق الإنسان أو الدستور.
لكن قصة القمع لا تقف عند حد الصحفي المسن، فهناك أحمد أبوزيد الطنوبى، الصحفي الشاب الذي اعتقلته السلطات المصرية بطريقة تعكس تعنت النظام في التعامل مع أصوات المعارضة والإعلام المستقل.
أحمد أبوزيد الطنوبى، الذي كان يعمل في مجال الصحافة الاستقصائية وغطى ملفات حساسة، تعرض للاختفاء القسري لعدة أيام عقب اعتقاله، حيث تم احتجازه في ظروف غامضة بعيداً عن أي رقابة قانونية، قبل أن يتم عرضه على جهات التحقيق بتهم سياسية وملفقة مشابهة لتلك التي تستهدف توفيق غانم.
وقد وثقت منظمات حقوقية تعذيبه النفسي والمعنوي خلال التحقيقات، بالإضافة إلى حرمانه من التواصل مع عائلته ومحاميه لفترات طويلة.
هذه الملاحقات السياسية ضد صحفيين مثل توفيق غانم وأحمد أبوزيد ليست سوى جزء من استراتيجية ممنهجة للنظام تهدف إلى ترهيب الصحفيين وكسر إرادتهم، وتحويل الساحة الإعلامية إلى صحراء جرداء تخلو من أي صوت حر أو مستقل.
في الوقت الذي لم تسفر فيه جهود نقابة الصحفيين عن الإفراج عنهم ، تلتزم هيئات الصحافة العالمية، مثل الاتحاد الدولي للصحفيين، الصمت أو تتحدث بالكاد، مما يعكس ضعفاً فاضحاً في التضامن الدولي مع ضحايا قمع النظام المصري.
تلك القضية تضع النظام في مواجهة مباشرة مع الرأي العام المحلي والدولي، وتكشف مدى التدهور الخطير الذي وصلت إليه حرية التعبير والصحافة في مصر، حيث تُستخدم المحاكم والأدوات القانونية كذريعة لإسكات الأصوات المعارضة، دون أدنى احترام للقوانين الوطنية والدولية.
في نهاية المطاف، يدفع الصحفيون ثمناً باهظاً، يتخطى عمرهم أو مكانتهم المهنية، بينما يواصل النظام غيّه وعنجهيته في إغلاق المنافذ الإعلامية المستقلة، وإسكات كل من يحاول أن يرفع الصوت دفاعاً عن الحقيقة والعدالة.