قررت نيابة أمن الدولة العليا بسلطة الانقلاب أمس الثلاثاء، حبس 41 مواطنًا لمدة 15 يومًا على ذمة التحقيقات، بعد ظهورهم المفاجئ داخل مقر النيابة، عقب فترات متفاوتة من الاختفاء القسري امتدت في بعض الحالات لعدة أشهر.
ويأتي القرار في أعقاب موجة من البلاغات والاستغاثات قدمتها أسر المختفين إلى نائب عام الانقلاب والمجلس القومي لحقوق الإنسان، مطالبة بالكشف عن مصير ذويهم الذين اعتُقِلوا من منازلهم أو أماكن عملهم دون إذن قضائي معلن، ودون إخطار رسمي بمكان احتجازهم أو الجهة التي اقتادتهم، وهو ما وصفه حقوقيون بأنه "نمط ممنهج من انتهاك القانون والدستور".
وبحسب المصادر، فإن أغلب المعروضين على النيابة تعرضوا للاختفاء القسري فترات راوحت بين عدة أسابيع وعدة أشهر، دون السماح لأسرهم أو محاميهم بالتواصل معهم أو معرفة أماكن احتجازهم، لتفاجأ العائلات بظهورهم دفعة واحدة في جلسة واحدة أمام نيابة أمن الدولة العليا.
وجهت النيابةالانقلابية إلى جميع المتهمين مزاعم واتهامات موحدة تُتداول بشكل شبه نمطي في هذا النوع من القضايا، أبرزها: "الانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها"، و"بث ونشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام"، و"إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي"، و"التحريض على العنف"، و"تلقي أو تقديم تمويلات لأغراض تهدد الأمن القومي والاستقرار العام".
وأكدت المصادر الحقوقية أن النيابةالانقلابية لم تعلن تفاصيل كل قضية على حدة أو الوقائع المحددة المنسوبة إلى كل متهم، بل اكتفت باتهامات عامة ومجملة، وسط غياب تام لأي حديث عن أدلة مادية أو وقائع بعينها، ما أثار تساؤلات قانونية وحقوقية عن طبيعة التحقيقات وسلامة الإجراءات المتبعة. ولفتت المصادر إلى أن جلسات التحقيق اتسمت بالسرعة والاختزال، دون تمكين المحامين من الاطلاع الكامل على أوراق القضايا أو تقديم دفوع تفصيلية عن موكليهم، وهو ما اعتبرته منظمات حقوقية "انتهاكًا لضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها في الدستور المصري والاتفاقيات الدولية".
وضمت قائمة المحتجزين ثلاث فتيات هن: رشا إسماعيل محمد، وضحى عدلي عبد الحميد، وهاجر السيد أحمد، بالإضافة إلى شاب يدعى أحمد زكي حواس ينتمي إلى عائلة وزير ثقافة سابق، ما أضفى بُعدًا إضافيًا على القضية. كذلك شملت القائمة أسماء أخرى بينها: أحمد فتحي مهران، إبراهيم عبد المعبود عبد الحميد، أبو بكر أسامة حسن، أحمد إبراهيم سالم، أحمد إسماعيل فرحات، أحمد كامل بخيت، أحمد محمد عبد الوهاب، أحمد محمد علي، أشرف عطية الحبروك، أيمن حسني إمام، أيمن كامل مصطفى، حاتم فوزي عبد الرحيم، حازم أسامة حسن، حسام محمد عبد الرحمن، حسين محمد سيد، خالد وائل عبد الله، خليفة فتحي محمد، سعيد منصور رزق، سيد زغلول عبد العزيز، عادل أحمد شعبان، عبد الرحمن ماهر محمد، عصام حامد محمود، علاء ممدوح فوزي، محمد إسماعيل فرحات، محمد جمال عبد المنعم، محمد حسن أحمد، محمد خالد حمدون، محمد رفاعي حلاج، محمد صبري خليفة، محمد فتحي علي، محمود السيد خليفة، محمود مصطفى عبد الرحمن، مغربي إبراهيم عطية، ياسر إبراهيم محمد، ياسر فتوح أحمد، يحيى سعيد عبد الكريم، يوسف أسامة عبد الرحمن.
وكانت أسر المختطفين قد قدمت بلاغات متعددة منذ توقيف أبنائها، دون الحصول على أي رد رسمي يوضح أماكن احتجازهم أو الجهة المسؤولة عن القبض عليهم، ما دفع بعض العائلات إلى إطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بالكشف عن مصير أبنائها. ورغم التحركات الشعبية والحقوقية، ظل الصمت هو الرد الوحيد من الجهات الرسمية، حتى فوجئت الأسر بظهور أبنائها داخل مقر نيابة أمن الدولة العليا دون تفسير رسمي لفترة الاحتجاز السابقة، وهو ما وصفه عدد من الحقوقيين بأنه "تكريس لسياسة الإفلات من العقاب، واستهانة صارخة بمبادئ العدالة، واستمرار لنمط طالما حذرت منه المنظمات الأممية".
وجددت منظمات حقوقية محلية ودولية دعواتها إلى فتح تحقيق عاجل، مستقل وشفاف في وقائع الاختفاء القسري المتكررة، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في ممارسة أو تسهيل هذه السياسة، أو التغاضي عنها، باعتبار أن الاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية وفقًا لما تقره المواثيق الدولية. وشددت المصادر القانونية على خطورة استخدام الحبس الاحتياطي وسيلةً للعقاب السياسي، دون تقديم أدلة واضحة أو تمكين المتهمين من حق الدفاع، مؤكدة أن مثل هذه الإجراءات تضعف من مصداقية النظام القضائي المصري أمام الداخل والخارج، وتزيد من التوتر المجتمعي، مشيرة إلى أن العدالة يجب أن تُبنى على الشفافية والمساءلة، لا على التعتيم والإخفاء.