في استمرار لمسلسل الجرائم التي ترتكبها الأجهزة الأمنية في مصر منذ انقلاب 2013، لفظ المعتقل فريد محمد عبد اللطيف شلبي، المعروف بـ"الشيخ فريد حمده شلبي"، أنفاسه الأخيرة داخل مقر قوات الأمن المركزي بمحافظة كفر الشيخ، بعد أسابيع من اعتقاله تعسفيًا واختفائه قسريًا، وسط صمت رسمي وتواطؤ إعلامي.
الشيخ فريد، أحد أبناء عزبة الإغربة بمحافظة كفر الشيخ، اختطفته قوات الأمن في 7 يوليو الجاري دون إذن قضائي أو مذكرة توقيف، وتم اقتياده إلى جهة مجهولة، قبل أن تتصل الأجهزة الأمنية بأسرته لاحقًا لإبلاغهم بوفاته، دون تقديم أي توضيحات أو تقارير طبية تشرح أسباب الموت، في مشهد بات مألوفًا في مصر ما بعد الانقلاب.
تحت التعذيب.. لا محاكمة ولا رقابة
وبحسب الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، فقد جرى نقل شلبي عقب اعتقاله إلى مقر تابع للأمن الوطني، حيث خضع لجلسات تعذيب جسدي ونفسي مكثف، انتهت بوفاته داخل محبسه. لم يُعرض الضحية على النيابة، ولم يُعرف مكان احتجازه طوال فترة اختفائه، وهو ما يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون والدستور وكل المواثيق الحقوقية.
دفن ليلي.. وتهديدات أمنية
جثمان شلبي لم يُسلَّم لعائلته إلا في ساعة متأخرة من الليل، وفرضت الداخلية إجراءات أمنية مشددة على مراسم الدفن، التي جرت تحت حراسة خمس سيارات شرطة، وسط أجواء من التهديد والترهيب، حيث مُنعت العائلة من الحديث إلى أي جهة إعلامية أو حقوقية، وهو سلوك يفضح رعب النظام من أي صوت قد يكشف حقيقة ما يحدث خلف جدران الزنازين.
أهالي عزبة الإغربة أعربوا عن صدمتهم من الواقعة، مؤكدين أن الفقيد كان معروفًا بمواقفه المعارضة وظل مطارَدًا لسنوات، ما يجعل وفاته تحت التعذيب جريمة ذات طابع سياسي بامتياز.
جرائم لا تتوقف.. ونداءات بلا صدى
الواقعة، التي تنضم لقائمة طويلة من الانتهاكات الممنهجة، أعادت تسليط الضوء على أوضاع السجون المصرية، حيث تقول لجنة كوميتي فور جستس إن أكثر من 1,222 معتقلًا لقوا حتفهم منذ منتصف 2013 حتى أوائل 2025، بسبب التعذيب أو الإهمال الطبي أو ظروف الاحتجاز اللاإنسانية.
وطالبت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان بتحقيق دولي مستقل في مقتل الشيخ فريد شلبي، مؤكدة أن الإفلات من العقاب والتواطؤ الممنهج للنيابة مع أجهزة الأمن يفتح الباب أمام تكرار مثل هذه الجرائم.
الأمن الوطني.. المتهم الدائم
وتعيد وفاة شلبي تحت التعذيب فتح ملف جهاز الأمن الوطني، الذي تشير تقارير المنظمات الدولية إلى أنه المسؤول الرئيسي عن أبشع الانتهاكات التي تطال المعارضين والمعتقلين، من إخفاء قسري إلى تعذيب ممنهج وحرمان من العلاج.
وتواجه وزارة الداخلية المصرية اتهامات دائمة باستخدام مقار احتجاز غير رسمية تمارس فيها كل أشكال التعذيب، بعيدًا عن أي رقابة قضائية أو إعلامية، ما يكشف عن طبيعة النظام الذي لا يرى في القانون سوى أداة للقمع، وفي مؤسسات العدالة مجرد واجهة لشرعنة الجريمة.
إن وفاة الشيخ فريد شلبي ليست حالة فردية، بل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من جرائم دولة بوليسية لا تعرف سوى البطش والانتقام، في ظل صمت المجتمع الدولي وتواطؤ مؤسساته.