ميناء العريش: توسعة أم طرد ممنهج؟: النظام الانقلابي يواصل سياسة الاقتلاع لصالح أجندة إسرائيلية

- ‎فيتقارير

 

في تكرار لسياسات التهجير القسري التي بدأت منذ انقلاب 2013، أقدمت أجهزة أمن النظام العسكري في مصر على شن حملة اعتقالات ضد سكان حي ميناء العريش بشمال سيناء، الذين خرجوا في تظاهرات سلمية احتجاجاً على إزالة منازلهم تحت ذريعة "توسعة الميناء". الاعتقالات شملت عدداً من الشبان، بينما أفرج لاحقاً عن بعض كبار السن، في مشهد يعكس تجاهل السلطة لأي حوار مجتمعي أو احترام لحقوق المواطنين.

 

الاحتجاجات جاءت بعد شعور متصاعد بين الأهالي بأن الدولة تتراجع عن وعودها، خصوصاً ما صرّح به وزير النقل ونائب رئيس الحكومة، كامل الوزير، حول تقديم "تعويضات حقيقية وكاملة" لمن تُنتزع ملكياتهم. لكن على الأرض، الحقيقة مختلفة تماماً: هدمٌ متسارع، وتهجير دون إنصاف، وتعويضات توصف بأنها "هزيلة" مقارنة بحجم الخسائر الإنسانية والمادية.

 

ميناء العريش: توسعة أم طرد ممنهج؟

تحوّل ميناء العريش، الذي كان مجرد مرفأ تجاري صغير منذ إنشائه عام 1996، إلى أداة جديدة بيد النظام لفرض سيطرته على شمال سيناء، تحت غطاء مشاريع "التنمية". قرارات رئاسية متتابعة بنزع الملكيات، ونقل تبعية الميناء إلى وزارة الدفاع، واستبعاد الهيئة الاقتصادية لقناة السويس، تكشف أن المشروع ليس اقتصادياً بقدر ما هو أمنياً واستراتيجياً يخدم مصالح خارجية.

 

وبحسب تقديرات محلية، فقد أسفرت أعمال "التوسعة" حتى الآن عن إزالة أكثر من 1100 منزل، وعشرات المنشآت التجارية والحكومية، ما أدى إلى تشريد مئات العائلات من آخر منطقة سكنية متبقية على الساحل. رغم ذلك، تجاهلت السلطات مناشدات السكان، بمن فيهم أطفال بثوا مقاطع مصورة يستنجدون فيها لوقف الطرد.

 

لصالح من يتم تهجير أهالي العريش؟

يطرح كثير من المتابعين سؤالاً مشروعاً: لماذا الإصرار على تنفيذ المشروع في قلب منطقة مأهولة بالسكان، رغم توفر بدائل في مواقع مثل "الكيلو 17"؟ الإجابة الأقرب للواقع أن مشروع الميناء الجديد ليس فقط لتصدير الخامات التعدينية من سيناء، بل هو جزء من مخطط أوسع لإفراغ المنطقة الحدودية لصالح مشاريع إسرائيلية ـ أمريكية مشتركة، ضمن ما يُعرف إعلامياً بـ"صفقة القرن".

 

سابقاً، جرى تهجير آلاف الأسر من رفح وشرق العريش تحت مزاعم محاربة الإرهاب، ليُكشف لاحقاً أن الغاية كانت إنشاء منطقة عازلة على حدود غزة، تخدم أمن الاحتلال الإسرائيلي أكثر مما تخدم أمن مصر. واليوم، تتكرر السياسة ذاتها ولكن بشعار "التنمية"، ليظل التهجير هو القاسم المشترك بين كل مراحل ما بعد الانقلاب.

 

تصريحات السيسي: وعود لا تُصرف

الرئيس المنقلب عبد الفتاح السيسي علّق على أزمة أهالي الميناء قائلاً: "نحن لا نعمل ضدكم، ولكن لأجلكم"، في خطاب مكرر لا يصدقه الشارع، الذي لم يرَ سوى الجرافات وهي تهدم البيوت، والاعتقالات تطال المحتجين، والوعود تبقى حبراً على ورق. يتحدث السيسي عن تعويضات وفرص عمل، بينما الواقع يقول إن أهالي العريش يُطردون لصالح مشاريع لا يُعرف من المستفيد الحقيقي منها، إلا أنه بالتأكيد ليس المواطن السيناوي.

 

فصل جديد من مسلسل اقتلاع الإنسان

ما يحدث في العريش اليوم ليس مجرد مشروع تطوير بنية تحتية، بل هو فصل جديد من مسلسل اقتلاع الإنسان من أرضه باسم الدولة. سيناء، التي كانت ولا تزال تمثل عمقاً استراتيجياً لمصر، تتحول تدريجياً إلى منطقة مغلقة تُدار بعقلية أمنية، وتُفرغ من سكانها الأصليين لصالح مشروعات مشبوهة تخدم بالأساس الاحتلال الإسرائيلي.

 

وهكذا، يُعيد التاريخ نفسه: تهجير بالأمس في رفح، واليوم في العريش، وغداً لا يُعرف على من سيكون الدور.