هل يتلذذ السيسي ولواءاته بمجازر الطرق؟ وهل سيبقى كامل الوزير في منصبه رغم الفشل المتكرر؟

- ‎فيتقارير

 

في مشهد لم يعد صادماً في مصر بقدر ما بات متكرراً ومألوفاً، عاد شبح نزيف الطرق ليحصد أرواح الأبرياء، ضحايا لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في دولة تفتقد أدنى درجات المحاسبة والعدالة، حيث تتكرر الكوارث وتُنسى سريعاً، تماماً كما حدث صباح أمس الأول على الطريق الصحراوي الشرقي بمحافظة المنيا، حين انقلب "ميني باص" يقل عشرات المواطنين، معظمهم من الأطفال والفتيات، لتحصد الحادثة ثلاث أرواح غضة وتخلّف خلفها 14 مصاباً بجراح بالغة.

 

رحلت ريموندا شكري، وميرنا يعقوب، ودينا أشرف، ثلاث فتيات لم تتجاوز أعمارهن التاسعة عشرة. حملن أحلام الطفولة وطموح التعليم، قبل أن تدهسها دولةٌ لا تعبأ بالبشر، ولا تعرف من المسؤولية غير الخطابات الجوفاء. وكالعادة، فتحت النيابة تحقيقاً، وانتهى الحدث في أوراق بلا جدوى، وهدأت ضجة الأهالي وسط غيابٍ تام للمحاسبة.

 

السؤال الذي يتجنّب الإعلام الموالي طرحه: من المسؤول؟

 

هل سألنا أنفسنا، كم مرة حدث مثل هذا الانقلاب؟ كم روحاً زهقت خلال السنوات الماضية على الطرق ذاتها؟ وهل نحتاج بعد كل كارثة إلى تصريحات مكرّرة من وزارة الداخلية وغرفة عمليات الإسعاف؟

أم أن الكارثة الحقيقية تكمن في صمت الناس وبلادة الدولة، وفي استمرار بقاء وزير النقل كامل الوزير على رأس وزارة فشل في إدارتها منذ تعيينه، لا لشيء إلا لأنه من "أهل الثقة"، وواحد من اللواءات الذين يحميهم السيسي ولو سقط الوطن كله من تحت أقدامهم؟

 

نزيف الطرق: جريمة سياسية ممنهجة وليست قضاءً وقدراً

 

في الوقت الذي لا تهدأ فيه الأصوات الإعلامية حين يتعلق الأمر بمراكب بسيطة أو حوادث فردية تحدث في عهد غير العهد، نرى هؤلاء أنفسهم وقد ابتلعوا ألسنتهم، واختفوا من على الشاشات عندما يموت العشرات، لأن القاتل هو النظام الذي يخدمونه. من ينسى الإعلامي عمرو أديب حين نبح صارخاً في وجه الرئيس الشهيد محمد مرسي قائلاً: " تعويض الطفل بثمن مابايل يا كافر!" على خلفية حادث معدية؟

أين هو اليوم وأين صراخه حين ماتت 19 فتاة في المنوفية أثناء عملهن في جني العنب؟

أين هو حين انقلبت حافلة صغيرة في المنيا وصرخت أم إحدى الضحايا: "بنتي كانت بتحضر للجامعة، رجعتلي في غيبوبة!"؟

 

الإعلام الكاذب ليس غائباً عن المشهد، بل هو شريك في الجريمة، لأن صمته ليس حياداً بل انحياز للقتلة.

 

لماذا يصمت المصريون؟

 

قد يكون السؤال الأخطر: لماذا يظل الناس صامتين؟

كيف تمر كل هذه المجازر اليومية دون حراك حقيقي؟ هل نجح السيسي في ترويض الناس إلى هذا الحد؟ هل أُنهك الشعب من كثرة الكوارث حتى لم يعد يفرق بين الموت على يد شرطي أو تحت عجلات طريق متهالك؟

 

في الدول المحترمة، حادثة كهذه تطيح بوزير وتجعل الحكومة كلها على المحك. أما في مصر، فالموت الجماعي لم يعد مفاجئاً، وكامل الوزير باقٍ في منصبه حتى آخر نفس في حكم قائده، الذي لا يرى في البشر سوى أرقام تُخصم من على ورقة.

 

الطريق الصحراوي ليس مجرد طريق… بل شاهد دائم على جريمة مكتملة الأركان.

 

من المنيا إلى المنوفية، ومن الطرق الجبلية إلى صعيد مصر، تتكرّر الجرائم بلا تغيير في المشهد: حافلة متهالكة، طريق غير ممهد، إسعاف متأخر، ووزير يُشيد بكفاءة وزارته أمام رئيسٍ لا يعاقب سوى من يخرج عن الصف، لا من يقتل بالإهمال.

 

كم "ريموندا" أخرى يجب أن تموت حتى نرى غضباً حقيقياً؟

كم "ميرنا" و"دينا" يجب أن يذهبن سدى كي يُقال للوزير: كفى؟

هل فعلاً تَلذّذ النظام بهذه الدماء هو ما يضمن بقاءه؟

أم أن حياة المصريين باتت أرخص من أن تستدعي تحقيقاً حقيقياً؟

 

السؤال الأخير يبقى معلقاً:

هل سيبقى كامل الوزير حتى آخر يوم في "أخره" كما وعده السيسي؟

الأرجح نعم، ما دام الشعب قد اعتاد رائحة الموت.