من “كامب ديفيد” إلى “النجم الساطع” .. مناورات بلا عدو ..وجيش فقد بوصلته ؟!

- ‎فيتقارير

 

انطلقت في قاعدة محمد نجيب وعدد من القواعد الجوية والبحرية المصرية، الثلاثاء، فعاليات التدريب المصري الأميركي المشترك “النجم الساطع 2025″، بمشاركة أكثر من 40 دولة، وحضور يفوق 8000 جندي. وبينما ترفع القاهرة وواشنطن شعارات “تعزيز القدرات المشتركة” و”مواجهة التحديات الأمنية”، فإن الواقع يكشف أن هذه المناورات تحولت إلى مجرد عرض إعلامي يخدم واشنطن بالدرجة الأولى، بينما يواصل النظام المصري الترويج لعدو وهمي اسمه “الإرهاب”، متجاهلاً العدو الحقيقي على الحدود الشرقية: إسرائيل.

 

مناورات وُلدت من رحم كامب ديفيد

 

انطلقت “النجم الساطع” في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد، كأحد ثمار التحالف العسكري المصري الأميركي. في مطلع الثمانينيات، كانت تُقدَّم باعتبارها وسيلة لاختبار جاهزية القوات، قبل أن تتحول في التسعينيات إلى أكبر مناورة متعددة الجنسيات في المنطقة، بلغت ذروتها عام 1999 بمشاركة 70 ألف عسكري. لكن منذ غزو العراق عام 2003، ومع تورط واشنطن في حروبها، تراجع ثقلها، وأُلغيَت نسخ كاملة منها، مثل 2011 و2013.

 

وعلى الرغم من استئنافها عام 2017، فإنها باتت أقل عدداً وأضعف زخماً. وفي نسخة 2025، ورغم اتساع المشاركة إلى 44 دولة، فإن الطابع الإعلامي يغلب على الطابع العسكري، حيث تُركز التدريبات على مكافحة الإرهاب، والإغاثة الإنسانية، والأمن البحري؛ أولويات تعكس أجندة واشنطن لا أولويات الدفاع الوطني المصري.

 

المستفيد الحقيقي: واشنطن

 

بالنسبة للولايات المتحدة، تشكل “النجم الساطع” حجر زاوية في علاقتها مع القاهرة، ومختبراً دورياً لقياس جاهزية الانتشار في نطاق القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM). هي أداة استراتيجية تمنح واشنطن قدرة على اختبار خطوط الإمداد والتشغيل البيني مع جيوش الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، بما يخدم أهدافها الجيوسياسية، بينما يظل الجيش المصري مجرد مضيف ومشارك ثانوي.

 

أما مصر، فلا تحصل سوى على فتات التدريب وبعض التحديثات الشكلية في أنظمة القيادة والسيطرة، دون أن تنعكس على عقيدتها القتالية التي تخلت منذ عقود عن اعتبار إسرائيل عدواً، لتستبدلها بشعار “الحرب على الإرهاب”، وهو الشعار الذي بات غطاءً للقمع الداخلي وملاحقة المعارضين، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين.

 

جيش فقد بوصلته

 

على مدار السنوات الأخيرة، انشغل الجيش المصري بالبيزنس والعقارات والمنتجعات السياحية، وترك مهمته الأساسية: حماية الحدود ومواجهة التهديدات الحقيقية. المناورات مع واشنطن تُسوَّق للرأي العام كإنجاز عسكري، لكنها عملياً لا تقدم لمصر إلا استمرار التبعية عبر المساعدات العسكرية الأميركية البالغة 1.3 مليار دولار سنوياً، والتي تُستخدم كأداة ابتزاز سياسي لإبقاء الجيش أسير التوجهات الأميركية.

 

استعراض بلا جدوى

 

في النهاية، تبقى “النجم الساطع” مجرد استعراض إعلامي، يبرر وجود واشنطن في المنطقة، ويُعيد إنتاج صورة الجيش المصري كقوة إقليمية، بينما الحقيقة المؤلمة أن هذا الجيش تخلى عن معركته الحقيقية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ليصنع “عدواً داخلياً” وهمياً يبرر القمع، وليشارك في عروض عسكرية صُممت لحماية مصالح أميركا، لا مصالح الشعب المصري.

 

“النجم الساطع”.. مناورات بلا عدو

 

بينما تروج القاهرة وواشنطن لمناورات “النجم الساطع 2025” باعتبارها ذروة التعاون العسكري ووسيلة لتعزيز القدرات المشتركة، فإن الحقيقة الصادمة أنّ المستفيد الأكبر يظل الولايات المتحدة، فيما يكتفي الجيش المصري بلعب دور “المضيف” و”الكومبارس”، بعيداً عن أي مواجهة حقيقية مع العدو التاريخي: الكيان الصهيوني.

 

انطلقت فعاليات التدريب في قاعدة محمد نجيب وعدد من القواعد الجوية والبحرية المصرية، بمشاركة أكثر من 40 دولة وأكثر من 8 آلاف جندي، تحت عناوين براقة مثل “مكافحة الإرهاب” و”الأمن البحري”. غير أن جوهر المناورة يعكس حقيقة مرة: الجيش الذي كان يُفترض أن يكون خط الدفاع الأول عن مصر في مواجهة إسرائيل، تحول منذ “كامب ديفيد” إلى أداة وظيفية تخدم الاستراتيجيات الأميركية، ويعيد إنتاج خطاب النظام الذي يزعم أن “الإخوان والإرهاب” هم العدو، بينما يختفي اسم إسرائيل من كل سيناريو تدريبي.

 

من “كامب ديفيد” إلى “النجم الساطع”

 

وُلدت المناورة في مطلع الثمانينيات كإحدى ثمار اتفاقية “كامب ديفيد” التي حيدت مصر عسكرياً، وحولت جيشها إلى ذراع مساندة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. في التسعينيات بلغت المناورة ذروتها بمشاركة عشرات الآلاف من الجنود، لكنها لم تتضمن يوماً أي سيناريو مواجهة مع إسرائيل. العدو غاب من التدريبات، وحلّ محله “الإرهاب” كفزاعة استراتيجية.

 

ورغم التوقفات التي لحقت بها بعد غزو العراق، وأحداث 2011، وانقلاب 2013، استؤنفت “النجم الساطع” عام 2017 بصيغة جديدة، أكثر تواضعاً في الحجم، وأكثر وضوحاً في الهدف: تدريب الجيوش على ما تريده واشنطن، لا على ما تحتاجه مصر.

 

المساعدات العسكرية.. الخيط الذي يُحرك المشهد

 

منذ مطلع الثمانينيات، أصبحت المساعدات العسكرية الأميركية، البالغة 1.3 مليار دولار سنوياً، حجر الزاوية في علاقة واشنطن بالقاهرة. هذه المساعدات ليست مجرد “منحة” بل أداة تحكم، تضمن تبعية الجيش المصري لواشنطن في تسليحه وتدريبه وعقيدته القتالية.

 

فأغلب هذه الأموال لا تدخل مصر فعلياً، بل تُنفق في شراء أسلحة أميركية محددة، وفق ما تسمح به واشنطن، مع حظر دائم على أي أنظمة هجومية متطورة يمكن أن تهدد التفوق الإسرائيلي. وهكذا تحولت “النجم الساطع” إلى انعكاس مباشر لهذه التبعية: تدريبات على مكافحة الإرهاب وحروب المدن، لا على تحرير أرض أو مواجهة عدو.

 

مفارقة صارخة

 

لم يجرؤ الجيش المصري طوال أربعة عقود على إجراء مناورة واحدة تستهدف إسرائيل أو حتى تضعها كـ”عدو افتراضي”، بينما يفتح قواعده البرية والجوية والبحرية لجنود أميركيين وأوروبيين، في مشهد لا يعكس إلا حجم التحول: من جيش كان يوماً يخوض حرب الاستنزاف ويعبر القناة، إلى جيش يشارك في عروض عسكرية أقرب إلى “مناظرات إعلامية” لا تغيّر شيئاً من واقع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ولا من تهديدات أمن مصر القومي الحقيقية.