لم تعد عمليات القتل خارج نطاق القانون التي ترتكبها أجهزة الأمن بحكومة الانقلاب مجرد حوادث فردية معزولة، بل تحوّلت إلى ظاهرة مقلقة متكرّرة، خصوصاً في صعيد مصر، حيث تتزايد شكاوى الأهالي والمنظمات الحقوقية من لجوء الداخلية إلى التصفية الجسدية المباشرة بدلاً من الاعتقال والتحقيق، مع ما يرافق ذلك من تلفيق الروايات الرسمية وغياب أي شكل من أشكال الرقابة أو المساءلة.
مقتل عادل عون الله… جريمة فجراً
في أحدث الوقائع، وثّق الناشط الحقوقي أحمد عبد الباسط محمد مقتل المواطن عادل عون الله فرج سعيد بقرية بني شعران في منفلوط (أسيوط) فجر السبت 13 سبتمبر/أيلول، بعد أن اقتحمت قوة أمنية منزله واحتجزت أسرته، قبل أن تطلق عليه ثلاث رصاصات مباشرة داخل بيته، أردته قتيلاً على الفور.
اللافت أنّ الواقعة جاءت بعد أقل من شهر على مقتل مواطن آخر بنفس المحافظة، هو محمد عادل عبد العزيز من قرية عرب الجهمة، في مشهد مشابه.
ووفقاً لعبد الباسط، لم يكتف الأمن بقتل سعيد، بل عمد إلى احتجاز ابنه وتحرير محضر "مقاومة سلطات" بحقه، مع تلفيق قضية أسلحة، لإجبار العائلة على التنازل عن أي بلاغ ضد الجناة.
أما النيابة فحضرت لاحقاً لإعداد محضر صوري يزعم أن الضحية قاوم الشرطة.
تصفية "أسامة ناصح" برصاص الداخلية
وفي تقرير آخر لـ"الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، جرى توثيق مقتل المواطن أسامة محمد سليمان فراج، المعروف بـ"أسامة ناصح"، برصاص قوات الأمن في مزرعة بقرية ساحل سليم بأسيوط، فجر الثلاثاء 9 سبتمبر/أيلول.
شهود عيان أكدوا أن أسامة، الذي كان يحاول الهرب لتفادي المواجهة، أُطلق عليه خمس رصاصات، أربع منها في الظهر والخامسة في اليد، ما يؤكد أنها عملية إعدام ميداني متعمد.
اللافت أن الرواية الرسمية بررت التصفية بالحديث عن حمله سلاحاً نارياً بسبب خصومة ثأرية، لكن طبيعة الإصابات، وجميعها من الخلف، تنسف أي مزاعم عن تبادل إطلاق النار.
أسامة، البالغ من العمر 36 عاماً والأب لأربعة أطفال، كان يسعى للصلح في نزاع قديم، وتواصل عشية مقتله مع رئيس مباحث ساحل سليم لطلب وساطته، وفق ما كشفه التقرير الحقوقي.
النمط واحد… والسلطات تكرر الروايات
التقارير الحقوقية تشير إلى أن النمط واحد في كل هذه الجرائم: مداهمة فجر، إطلاق نار مباشر، اتهام الضحية بمقاومة السلطات، ثم محضر رسمي ملفق يبرر القتل.
أما النيابة، فغالباً ما تكتفي بفتح تحقيق شكلي أو استجواب الأسرة دون الانتقال إلى مسرح الجريمة.
الشبكة المصرية طالبت النائب العام بفتح تحقيق عاجل وشفاف في واقعة مقتل أسامة، ووقف ممارسات التصفية الجسدية، إلا أن الرد الرسمي غائب، ما يفتح الباب أمام استمرار هذا النهج الدموي دون رادع.
إفلات ممنهج من العقاب
منظمات حقوقية محلية ودولية، بينها "هيومن رايتس ووتش"، رصدت منذ سنوات تكرار جرائم القتل خارج نطاق القانون في مصر، سواء عبر "الاشتباكات" الملفقة أو الإعدامات الميدانية، حتى في حالات كان فيها الضحايا محتجزين أو مصابين أو مكبّلين.
هذه التقارير تؤكد أن غياب المساءلة وتواطؤ النيابة العامة والقضاء في تبرير تلك الجرائم، وفّر للأجهزة الأمنية حصانة كاملة للإفلات من العقاب، ما جعل التصفية الجسدية خياراً مفضلاً لدى الداخلية في مواجهة المطلوبين.
صعيد مصر في الواجهة
يرى مراقبون أن تركّز هذه الجرائم في محافظات الصعيد يعود إلى الطبيعة الاجتماعية والعشائرية للمنطقة، حيث يسهل تمرير رواية "الخصومات الثأرية" لتبرير القتل، وهو ما يجعل الأهالي في مواجهة مباشرة مع دولة بوليسية تستخدم السلاح أولاً، وتسعى لتبرير جرائمها لاحقاً.
بهذا المشهد، يتأكد أن القتل خارج القانون في مصر لم يعد انحرافاً فردياً، بل سياسة أمنية ممنهجة، عنوانها التصفية الفورية بدل العدالة، وحصانتها الغياب الكامل للرقابة والمحاسبة.