لم يكن توقيع المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي عام 2015 على ما سُمّي بـ"اتفاق إعلان المبادئ" مع إثيوبيا والسودان، إلا البوابة التي سمحت لأديس أبابا بالانفراد بنهر النيل، والتحكم في شريان الحياة للمصريين. فالاتفاق، الذي جُرّد من أي ضمانات أو التزامات مكتوبة لإثيوبيا، جعل مصر مكبّلة اليدين أمام مشروع سد النهضة، بينما حصلت إسرائيل ـ الممول الخفي والمستفيد الأكبر ـ على "المفتاح الذهبي" الذي يمكّنها من نقل المياه إليها مستقبلاً، في مقابل ابتزاز مصر بفتح أو غلق "محبس المياه" الإثيوبي.
مصر على أعتاب العطش
ويعد افتتاح إثيوبيا رسمياً لسد النهضة ، خطوة وُصفت بأنها "يوم حزين" للفلاح المصري، الذي ارتبط وجوده عبر آلاف السنين بفيض النيل، بينما يجد نفسه اليوم أمام مستقبل غامض يهدده بالعطش. باتت موارد مصر المائية رهن قرارات إثيوبيا المنفردة، دون قواعد لتصريف المياه أو إدارة السد، لتدخل البلاد مرحلة "الغموض المائي"، الذي يضرب التخطيط الزراعي والطاقي، ويفرض على المصريين العيش تحت رحمة أديس أبابا، في ظل نظام اختار الصمت والعجز والاكتفاء بمناشدات للأمم المتحدة التي لا سلطان لها.
"سد الخراب" وليس النهضة
يرى خبراء ومعارضون أن ما يروَّج له كـ"سد النهضة" هو في الحقيقة "سد الخراب" لمصر، إذ يضاعف الأزمات الاقتصادية والمعيشية. فقد حذر أحمد بهاء الدين شعبان، الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري، من أن المشروع يحاصر المصريين بين الجوع والعطش، ويقذف بهم إلى أتون الانفجار الاجتماعي، في ظل فشل النظام الاقتصادي القائم على الديون والجباية.
أعباء الفشل الدبلوماسي
بحسب مراقبين، فإن جوهر الكارثة لا يكمن فقط في التخزين الأحادي أو تهديدات الجفاف، بل في الفشل الدبلوماسي للنظام، الذي استبعد الخبراء، وتنازل عن دور مصر الأفريقي، وسمح لإثيوبيا بالتلاعب في موارد النيل. تقرير حديث لـ"فيتش سوليوشنز" أكد أن العجز المائي المتفاقم سيؤدي إلى تراجع إنتاج المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والذرة والأرز، ما يضاعف فاتورة الاستيراد ويستنزف العملة الصعبة، في بلد يعاني ثلث سكانه من الفقر.
مخاطر استراتيجية وكوارث محتملة
يحذّر البروفيسور عباس شراقي من أن سد النهضة لا يهدد مصر مائياً فقط، بل يمثل خطراً بيئياً وجودياً، لاحتمال انهياره في منطقة زلزالية، وهو ما قد يسبب كارثة عابرة للحدود تطال السودان ومصر. فيما يؤكد أستاذ الموارد المائية نادر نور الدين أن مصر تعتمد على النيل لتأمين 97% من احتياجاتها المائية، وأن العجز المائي مرشح للتفاقم إلى ما دون حد "الفقر المائي" العالمي (500 متر مكعب للفرد سنوياً).
إسرائيل على خط النيل
تكشف مصادر دبلوماسية أن إسرائيل لم تكن مجرد مراقب في الأزمة، بل دخلت لاعباً أساسياً، بتمويلها للسد وسعيها للحصول على مياه النيل عبر إثيوبيا. وفي مقابل ذلك، يمنح السيسي تسهيلات لكيان العدو على حساب أمن مصر المائي والقومي.
أين الجيش؟
في ظل هذه التهديدات الوجودية، يتساءل المصريون: أين الجيش الذي أقسم على حماية الوطن وأمنه القومي؟ وكيف يقف صامتاً بينما يوشك الشعب على العطش، والقرار في يد إثيوبيا وإسرائيل؟ هل تحوّل الجيش إلى أداة لحماية النظام، بينما تُفرّط القيادة في شريان حياة مصر؟